دراسات


كتب فاطيمة طيبى
30 يوليو 2025 12:06 م
-
صندوق النقد الدولي: الرسوم ليست الحل الأمثل لاختلالات التوازن العالمية

صندوق النقد الدولي: الرسوم ليست الحل الأمثل لاختلالات التوازن العالمية

اعداد ـ فاطيمة طيبي

إن أرصدة الحساب الجاري العالمية اتسعت بشكل حاد في عام 2024، مما عكس الاتجاه الانكماشي الذي كان جارياً منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 - 2009، محذِّراً من أن الرسوم الجمركية ليست   الحل. هذا ما اكده  قال صندوق النقد الدولي، في التاسع والعشرين من يوليو 2025

وفي تقريره السنوي حول القطاع الخارجي، الذي يقيّم اختلالات التوازن في أكبر 30 اقتصادا عالميا، أوضح الصندوق أن الفوائض أو العجوزات في الحساب الجاري ليست بالضرورة إشكالية، لكنها قد تمثل مخاطر إذا تجاوزت حدودا معقولة.

وأشار التقرير إلى أن استمرار الاختلالات الهيكلية المحلية، وحالة عدم اليقين في السياسات المالية، إلى جانب تصاعد التوترات التجارية، قد تقوض معنويات المخاطرة وتزيد من الضغوط المالية، مما يلحق الضرر بالاقتصادات الدائنة والمدينة على حد سواء.

وسلط التقرير الضوء على الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على جميع الشركاء التجاريين تقريبا، التي بررتها إدارته بأنها تهدف إلى تقليص العجز التجاري طويل الأمد وزيادة الإيرادات. غير أن الصندوق حذر من أن أي تصعيد إضافي في الحرب التجارية من شأنه أن يخلف آثارا سلبية كبيرة على الاقتصاد الكلي، إذ يؤدي إلى تراجع في الطلب العالمي وارتفاع في معدلات التضخم؛ نتيجة زيادة أسعار الواردات.

 وأضاف التقرير أن تصاعد التوترات الجيوسياسية قد يفضي إلى تحولات في النظام النقدي الدولي، مما يقوض الاستقرار المالي العالمي.

ـ اختلالات الحساب الجاري تتسع في الاقتصادات الكبرى:

كما أظهر التقرير، الذي استند إلى بيانات عام 2024، أن اتساع الفوائض أو العجوزات العالمية يعزى بشكل أساسي إلى 3 من أكبر الاقتصادات: الولايات المتحدة، والصين، ومنطقة اليورو. فقد اتسع العجز في الولايات المتحدة بمقدار 228 مليار دولار ليبلغ 1.13 تريليون دولار، ما يعادل 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بينما ارتفع فائض الصين بمقدار 161 مليار دولار ليصل إلى 424 مليار دولار، وزادت فوائض منطقة اليورو بنحو 198 مليار دولار لتبلغ 461 مليار دولار.

ـ الحلول تبدأ من الداخل:

وفي مدونة مرافقة للتقرير، قال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير أوليفييه جورينشاس، إن جذور العجوزات أو الفوائض المفرطة غالبا ما تعود إلى اختلالات محلية، مثل السياسات المالية المتساهلة في الدول ذات العجز، أو ضعف شبكات الأمان الاجتماعي في الدول ذات الفائض؛ ما يؤدي إلى مستويات ادخار مفرطة.

وأكد جورينشاس أن الرسوم الجمركية ليست الحل، مشددا على أن التصحيح يجب أن يستهدف جذور الخلل. فالصين، على سبيل المثال، بحاجة إلى تعزيز الاستهلاك المحلي، وأوروبا مطالبة بزيادة الإنفاق على البنية التحتية، في حين أن الولايات المتحدة يجب أن تخفض عجزها المالي الكبير وتحد من الإنفاق العام.

وأشار إلى أن التقرير استند إلى بيانات سابقة من إقرار مشروع قانون خفض الضرائب والإنفاق الضخم، الذي أفاد مكتب الموازنة في الكونجرس بأنه سيضيف 3.4 تريليون دولار إلى العجز الفيدرالي على مدى العقد المقبل، مما يزيد الضغوط على الحساب الجاري الأميركي.

وكتب جورينشاس: "لا يزال العجز العام في الولايات المتحدة مرتفعا بشكل مفرط، كما أن التراجع الحاد الأخير في قيمة اليوان الصيني ـ  إلى جانب قوة الدولار ـ  ينذر باتساع فوائض الحساب الجاري الصيني" .

وأكد أن الرسوم الجمركية لم تحدث تأثيرا يذكر على الاختلالات العالمية، لأنها غالبا ما تقلص كلا من الاستثمار والمدخرات في الدولة التي تفرضها، ما يبقي أرصدة الحساب الجاري دون تغيير ملحوظ.

ـ تحولات محتملة في النظام النقدي العالمي:

وحذّر صندوق النقد الدولي من أن الغموض المحيط بالسياسات التجارية قد يضعف ثقة المستهلكين والشركات، ويزيد من تقلبات الأسواق، ويؤدي إلى ارتفاع   ، في أكبر تراجع نصف سنوي له منذ عام 1973.

وفي حين لا تزال هيمنة الدولار واضحة، فإن ازدياد التشرذم الجيوسياسي قد يشكل تهديدا على المدى الطويل. كما قد تعكس ضعف شهية المستثمرين لسندات الخزانة الأميركية ازدياد المخاوف من المسار المالي في واشنطن.

وقال الصندوق إن زيادة استخدام اليوان في التجارة العالمية، إلى جانب تراجع دور الولايات المتحدة بوصفها مصرفا ومؤمنا عالميا، وظهور أنظمة دفع بديلة وأصول رقمية خاصة، يمكن أن تعيد تشكيل خريطة العملات الدولية.

واختتم جورينشاس بالقول: "رغم أن مخاطر اضطراب النظام النقدي العالمي لا تزال معتدلة في الوقت الراهن، فإن أي زيادة حادة في الاختلالات العالمية قد تحدث تداعيات عابرة للحدود، خصوصا إذا دفعت بعض الدول إلى فرض مزيد من القيود التجارية، الأمر الذي يفاقم التشرذم الجيواقتصادي. وحتى إن لم تؤثر هذه الإجراءات كثيرا على اختلالات التوازن، فإنها قد تلحق ضررا طويل الأمد بالنمو العالمي. "

ـ صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته للاقتصاد العالمي إلى 3 % و ضرر أقل من المتوقع جراء الحروب التجارية لترمب :

كما رفع صندوق النقد الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي لهذا العام والعام المقبل 2026، لأن السياسات التجارية الحمائية للرئيس دونالد ترمب أثبتت حتى الآن أنها أقل ضررا مما كان متوقعا.

ـ تحسن في التوقعات العالمية:

يتوقع صندوق النقد الدولي الآن نموا بنسبة 3% للاقتصاد العالمي 2025. هذا الرقم يقل عن 3.3 %  في عام 2024 ولكنه يمثل تحسنا عن نسبة 2.8 % التي كان يتوقعها لعام 2025 في أبريل  2025 .

ويتوقع المقرض الذي يضم 191 دولة، والذي يعمل على تعزيز النمو، واستقرار النظام المالي العالمي، والحد من الفقر، أن يبلغ النمو العالمي 3.1 % في 2026 ، بزيادة طفيفة عن نسبة 3 %  التي كان يتوقعها قبل ثلاثة أشهر.

ـ أضرار محدودة للرسوم الجمركية :

وكان من المتوقع أن يكون قرار ترمب في 2 أبريل ـ الذي أطلق عليه الرئيس "يوم التحرير" ـ بفرض ضرائب بنسبة 10 % أو أكثر على الواردات الأميركية من معظم دول العالم، سببا في تباطؤ أكبر للنمو العالمي.

لكن صندوق النقد الدولي قال إن الضرر كان محدودا، ويرجع ذلك جزئيا إلى سعي كثير من المستوردين الأميركيين لجلب البضائع الأجنبية قبل دخول تعريفات ترمب حيز التنفيذ، وجزئيا لأن ترمب علق في النهاية أكبر رسومه الجمركية (بما في ذلك رسوم بنسبة 145 % على السلع الصينية) .

وقال كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير أوليفييه جورينشاس، في 29 يوليو:   "أسهم هذا التراجع المتواضع في التوترات التجارية، مهما كان هشا، في صمود الاقتصاد العالمي حتى الآن". وأضاف: "هذا الصمود مرحب به، لكنه أيضا واهن. في حين أن الصدمة التجارية قد تكون أقل حدة مما كان يخشى في البداية، إلا أنها لا تزال كبيرة، وتزداد الأدلة على أنها تضر بالاقتصاد العالمي" .

جمعت الرسوم الجمركية 108 مليارات دولار لخزانة الولايات المتحدة من أكتوبر   إلى يونيو وهو ما يقرب من ضعف 55.6 مليار دولار التي جلبتها خلال الفترة نفسها من السنة المالية السابقة.

ـ النمو العالمي دون المتوسط ومستقبل الرسوم:

ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته بشكل متواضع لنمو الاقتصاد الأميركي إلى 1.9 % في 2025   و2 % في عام 2026، عندما يتوقع أن توفر التخفيضات الضريبية الكبيرة التي وقع عليها ترمب لتصبح قانونا في 4 يوليو  "دفعة على المدى القريب" .

ويتوقع أن ينمو الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بنسبة 4.8 % هذا العام، وهي زيادة كبيرة عن 4% التي كان يتوقعها صندوق النقد الدولي في أبريل. وتتلقى الصين دفعة من انخفاض التعريفات الجمركية الأميركية أقل من المتوقع ومن الإنفاق الحكومي.

ويتوقع أن تتوسع اقتصادات الدول العشرين التي تستخدم عملة اليورو مجتمعة بنسبة 1 %  ، ارتفاعا  من 0.8 % التي كان يتوقعها صندوق النقد الدولي في أبريل. لكن جزءا كبيرا من هذا النمو يأتي من زيادة في صادرات الأدوية من آيرلندا، والتي تم توقيتها لتجنب تعريفات ترمب المتوقعة على الأدوية.

وتظل اليابان في ركود نمو بطيء، ومن المتوقع أن تحقق توسعا بنسبة 0.7 % فقط هذا العام و0.5 %  في العام المقبل 2026 . ويتوقع مرة أخرى أن تكون الهند أسرع الاقتصادات الكبرى نموا في العالم، مع توسع متوقع بنسبة 6.4 % هذا العام 2025  والعام المقبل. 2026 .

ـ ضغوط ترمب التجارية وتأثيرها على التجارة العالمية :

ضغط ترمب على اليابان والاتحاد الأوروبي لقبول رسوم أميركية بنسبة 15 % على صادراتهما. كما وافقت إندونيسيا وفيتنام والفلبين على قبول تعريفات أميركية صارمة. ويتوقع كثير من هذه الصفقات قبل يوم الجمعة 8 اغسطس ، عندما سيفرض ترمب تعريفات أعلى على الدول التي لا توافق على تقديم تنازلات.

ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو التجارة العالمية، مقاسا بالحجم، إلى 2.6 % هذا العام. وهذا الرقم أعلى من 1.7 % التي كان يتوقعها في أبريل ويعكس زيادة في الشحنات مع محاولة المصدرين تجاوز أزمة التعريفات الجمركية. ولكن في النهاية، من المتوقع أن تؤثر الرسوم الأميركية الأعلى. ويرى صندوق النقد الدولي أن التجارة ستنمو بنسبة 1.9 % فقط العام المقبل، بانخفاض عن 2.5 % التي كان يتوقعها في أبريل.

 

 



التعليقات