دراسات


كتب فاطيمة طيبى
22 أبريل 2025 2:32 م
-
البنوك المركزية العالمية عند مفترق الطرق بعد تراجع الدولار

البنوك المركزية العالمية عند مفترق الطرق بعد تراجع الدولار

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

أدى عدم اليقين بشأن صناعة السياسات الأميركية إلى هروب المستثمرين من الدولار الأميركي وسندات الخزانة الأميركية في الأسابيع الأخيرة، حيث انخفض مؤشر الدولار بأكثر من 9% حتى الآن هذا العام. ويتوقع مراقبو السوق المزيد من الانخفاضات. هذا ما تسبب في تراجع الدولار تراجعا مستمرا، وقد جلب تأثيره المتواصل على العملات الأخرى مزيجا من الراحة والقلق للبنوك المركزية حول العالم .

ووفقا لأحدث استطلاع عالمي لمديري الصناديق الاستثمارية أجراه بنك أوف أميركا، يتوقع 61% من المشاركين انخفاضا في قيمة الدولار خلال الأشهر الـ 12 المقبلة، وهي التوقعات الأكثر تشاؤما لكبار المستثمرين منذ ما يقرب من 20 عاما . 

 قد يعكس هذا النزوح من الأصول الأميركية أزمة ثقة أوسع نطاقا، مع احتمال تداعيات غير مباشرة مثل ارتفاع التضخم المستورد مع ضعف الدولار، وفقاً لما ذكرته شبكة   "CNBC"    ما أدى الى انخفاض قيمة الدولار الأميركي ، ارتفاع قيمة عملات أخرى مقابله، وخاصةً الملاذات الآمنة مثل الين الياباني والفرنك السويسري واليورو.

كما انه ومنذ بداية العام، ارتفع الين الياباني بأكثر من 10% مقابل الدولار الأميركي، بينما ارتفع الفرنك السويسري واليورو بنحو 11%، وفقا لبيانات بورصة لندن للأوراق المالية.

إلى جانب الملاذات الآمنة، ارتفعت قيمة عملات أخرى مقابل الدولار هذا العام، بما في ذلك البيزو المكسيكي، الذي ارتفع بنسبة 5.5% مقابل الدولار، والدولار الكندي الذي ارتفع بأكثر من 4%. كما ارتفع الزلوتي البولندي بأكثر من 9%، بينما ارتفع الروبل الروسي بأكثر من 22% مقابل الدولار الأميركي. ومع ذلك، انخفضت قيمة بعض عملات الأسواق الناشئة على الرغم من ضعف الدولار الأميركي.

كما انخفضت قيمة الدونغ الفيتنامي والروبية الإندونيسية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق مقابل الدولار الأميركي في وقت سابق من هذا الشهر ابريل 2025 . كما وصلت الليرة التركية إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق الأسبوعالثالث من ابريل. اذ سجل اليوان الصيني أدنى مستوى قياسي له مقابل الدولار قبل أسبوعين تقريبا، لكنه ارتفع منذ ذلك الحين.

ـ احتمالية وجود مجال لخفض أسعار الفائدة :

باستثناء بعض الاستثناءات، مثل البنك الوطني السويسري، يمثل ضعف الدولار الأميركي مصدر ارتياح للحكومات والبنوك المركزية حول العالم، وفقا لما ذكره محللون لشبكة CNBC .

وقال آدم باتون، كبير محللي العملات في ForexLive: "ستكون معظم البنوك المركزية سعيدة برؤية انخفاض في قيمة الدولار الأميركي بنسبة تتراوح بين 10% و20%، وأن قوة الدولار تمثل مشكلة مستمرة منذ سنوات، وتشكل صعوبة للدول التي تربط عملاتها بالدولار بشكل صارم أو مرن.

ونظرا لأن العديد من دول الأسواق الناشئة لديها ديون كبيرة مقومة بالدولار، فإن ضعف الدولار يخفف عبء الديون الحقيقية. بالإضافة إلى ذلك، فإن ضعف الدولار الأميركي وقوة العملة المحلية عادة ما يجعلان الواردات أرخص نسبيا، مما يخفض التضخم، وبالتالي يتيح للبنوك المركزية مجالا لخفض أسعار الفائدة لتعزيز النمو.

في حين أن قوة العملة المحلية قد تساعد في كبح التضخم من خلال انخفاض أسعار الواردات، إلا أنها تعقد القدرة التنافسية للصادرات، لا سيما في ظل تجديد التعريفات الجمركية الأميركية، حيث تعتبر آسيا أكبر منتج للسلع في العالم، وفقا لتوماس روبف، الرئيس المشارك لـ "بنك في بي بنك " في سنغافورة وآسيا.

من المرجح أن يكون خفض قيمة العملة أكثر اهتماما في الأسواق الناشئة، وخاصة في آسيا، وفقا لنيك ريس، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في مونيكس أوروبا. مع ذلك، ستحتاج هذه الأسواق الناشئة والبنوك المركزية الآسيوية إلى توخي الحذر الشديد لتجنب هروب رؤوس الأموال والمخاطر الأخرى .

وقال وائل مكارم، كبير استراتيجيي الأسواق المالية في إكسنس: "تواجه الأسواق الناشئة مخاطر ارتفاع التضخم والديون وهروب رؤوس الأموال، مما يجعل خفض قيمة العملة أمرا خطيرا . كما أن الإدارة الأميركية قد تنظر إلى خفض قيمة العملة كإجراء تجاري قد يؤدي إلى ردود فعل انتقامية.

بينما يرى، مدير الاقتصاد في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، أليكس موسكاتيلي، إن اقتصادات الأسواق الناشئة قد تتردد في خفض أسعار الفائدة، إذ قد يؤثر ذلك على عبء ديون الأسر والشركات المحلية التي اقترضت بالدولار الأميركي. وأضاف أن ضعف العملة المحلية قد يؤدي أيضا إلى تدفقات رأس المال إلى الخارج استجابةً لانخفاض فروق أسعار الفائدة مع الولايات المتحدة.

على سبيل المثال، لا يتوقع موسكاتيلي أن يخفض البنك المركزي الإندونيسي أسعار الفائدة كثيرا نظرا لتقلبات العملة الأخيرة، لكنه أشار إلى أن كوريا والهند قد يكون لديهما مجال لخفضها.

هذا  وقد اغتنم البنك المركزي الأوروبي الفرصة التي أتاحها انخفاض التضخم لخفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أخرى في اجتماعه في أبريل. وصرح البنك المركزي الأوروبي يوم الخميس 17 ابريل 2025  بأن "معظم مقاييس التضخم الأساسي تشير إلى أن التضخم سيستقر عند حوالي 2%، وهو هدف مجلس الإدارة على المدى المتوسط، على أساس مستدام".

ومن الأمثلة الأخرى البنك الوطني السويسري، الذي عانى من قوة الفرنك خلال معظم السنوات الخمس عشرة الماضية، كما لاحظ باتون. تشكل صادرات السلع والخدمات أكثر من 75% من الناتج المحلي الإجمالي لسويسرا، ويؤدي ارتفاع قيمة الفرنك إلى ارتفاع أسعار السلع السويسرية في الخارج .

قال: "إذا استمر تدفق رؤوس الأموال، فقد يضطرون إلى اتخاذ إجراءات صارمة لخفض قيمة الفرنك". يلجأ المستثمرون إلى الفرنك خلال فترات عدم اليقين، كما حدث في الأسابيع الأخيرة، مما أدى إلى تعزيز الفرنك.

ـ تتجنب البنوك المركزية خفض قيمة العملة :

يشكل خفض قيمة العملة خطر تأجيج نمو الأسعار، وستحذر السلطات النقدية من بقاء التضخم فوق مستوياته المستهدفة .

صرح بريندان ماكينا، الخبير الاقتصادي الدولي واستراتيجي الصرف الأجنبي في ويلز فارجو، بأن خطر ارتفاع التضخم الناتج عن خفض قيمة العملة، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية - كرد فعل على الرسوم الأميركية - من المرجح أن يجعل البنوك المركزية مترددة في اتباع مسار الخفض الطوعي لقيمة العملة. علاوة على ذلك، في حين أن معظم البنوك المركزية لديها نظريا القدرة على إضعاف عملاتها، إلا أن احتمالية حدوث ذلك لا تزال ضئيلة في ظل الظروف الحالية، كما أضاف الخبير الاستراتيجي.

تتأثر قدرة أي دولة على خفض قيمة عملتها بعدة عوامل:

ـ حجم احتياطياتها من النقد الأجنبي .

ـ  تعرضها للديون الخارجية .

ـ  ميزانها التجاري .

ـ  حساسيتها للتضخم المستورد.

وقال ماكينا: "الدول التي تعتمد على التصدير ولديها احتياطيات كافية واعتماد أقل على الديون الخارجية سيكون لديها مجال أكبر لخفض قيمة عملاتها - ولكن حتى هذه الدول من المرجح أن تكون حذرة".

سيكون التوجه الأوسع لمفاوضات التجارة عاملا أساسيا في كيفية اختيار الدول لكيفية التصرف. وأضاف أنه إلى جانب الصين، أبدت عدة دول استعدادها للمشاركة في مفاوضات تجارية، وإذا أدت هذه المحادثات إلى خفض التعريفات الجمركية، فلن يكون من المرجح أن تسعى البنوك المركزية إلى إضعاف عملاتها.

وفي ظل المناخ الجيوسياسي الحالي، قد يؤدي خفض قيمة العملة أيضا إلى ردود فعل انتقامية ومخاطر اتهامات بالتلاعب بالعملة، وفقا لروبف من بنك في بي. مع ذلك، لا يزال هناك احتمال أن تؤدي التوترات التجارية إلى نتائج حمائية أكثر، مما سيدفع البنوك المركزية إلى خفض قيمة عملاتها.

وأضاف ماكينا "لكن في الوقت الحالي يبدو أن الإجراء المفضل هو تجنب حرب العملات التي من شأنها فقط أن تضيف المزيد من عدم الاستقرار إلى الاقتصاد المحلي والعالمي".

ـ "الأخضر" عند أدنى مستوياته في 7 أشهر :

تراجع الدولار في الثاني والعشرين من شهر ابريل 2025  إلى أدنى مستوى في سبعة أشهر مقابل الين مع تزايد تدهور ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأمريكي، بفعل هجمات الرئيس ترامب على رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي.

وتسارعت خسائر العملة الأمريكية بعد أن أعلنت رئيسة وزراء تايلاند إرجاء مفاوضات تجارية مع واشنطن كان من المقرر أن تبدأ الأربعاء 23 من ابريل 2025. كما  اقترب الدولار من أدنى مستوى في عشر سنوات الذي سجله في 22 من بريل  مقابل الفرنك السويسري، وحوم بالقرب من أدنى مستوى في ثلاثة أعوام ونصف العام مقابل اليورو.

وصعد ترامب انتقاداته لرئيس مجلس الاحتياطي الاتحادي جيروم باول في 22 ابريل من هذا العام  في منشور على موقع تروث سوشيال، ووصفه بأنه "خاسر كبير" وطالبه بخفض أسعار الفائدة "الآن" أو المخاطرة بتباطؤ اقتصادي.

وقال المستشار الاقتصادي للبيت الأبيض كيفن هاسيت في 18 من هذا الشهر  إن الرئيس وفريقه يواصلون دراسة ما إذا كان بإمكانهم إقالة باول، وذلك بعد يوم من تعليق ترامب بأنه ينتظر ترك باول لمنصبه "بفارغ الصبر".

ويأتي هجوم ترامب بعدما قال باول  إن البنك المركزي يمكنه التحلي بالصبر بشأن الحكم على كيفية تحديد السياسة، وإنه ينبغي عدم خفض أسعار الفائدة قبل اتضاح أن خطط الرسوم الجمركية لن تؤدي إلى إذكاء التضخم المرتفع.

وقال إريك كوبي كبير مسؤولي الاستثمار في شركة نورث ستار لإدارة الاستثمارات إن هناك "أزمة رهيبة بين ترامب وباول"، مما يثير "قلقا من اتخاذ إجراء ما لاستبدال باول، وهو ما قد يؤدي لحالة من الذعر الحقيقي بالنسبة للدولار". وعلى الصعيد التجاري، قال كوبي إن "كل يوم لا يتم فيه التوصل إلى صفقات تتعلق بالإعفاءات، يثير قلقا مستمرا" من أن سياسات ترامب في شكلها الحالي قد تكون مدمرة للاقتصاد.

واتهمت الصين واشنطن  الإثنين 21 من ابريل  بإساءة استخدام الرسوم الجمركية وحذرت الدول من إبرام صفقات اقتصادية أوسع مع الولايات المتحدة على حسابها، في تصعيد لتعليقاتها في الحرب التجارية المحتدمة بين أكبر اقتصادين في العالم.

وانخفض الدولار 0.6% مقابل الين الياباني إلى 140 ين لأول مرة منذ منتصف سبتمبر ونزل الدولار 0.1% إلى 0.8082 فرنك سويسري، بالقرب من أدنى مستوى في 10 سنوات البالغ 0.8042 والذي سجله في الجلسة السابقة.

ولم يشهد اليورو تغيرا يذكر مسجلا 1.1535 دولار، بعد أن قفز إلى 1.1573 دولار  الإثنين 21 ابريل  للمرة الأولى منذ نوفمبر 2021. وارتفع الجنيه الاسترليني 0.25% إلى 1.3412 دولار بعد صعوده إلى 1.3421 دولار للمرة الأولى منذ سبتمبر في بداية أسبوع التداول.

وقال جوزيف كابورسو رئيس قسم الاقتصاد الدولي والمستدام في بنك الكومنولث الأسترالي "كلما استمرت التكهنات بشأن استقلال السياسة النقدية الأمريكية لفترة أطول، أصبح الدولار الأمريكي معرضا لخطر الانخفاض لمدة أطول".

وأضاف "قد يتطلب الأمر موجة بيع أخرى في سوق سندات الحكومة الأمريكية أو سوق الأسهم الأمريكية لتشجيع الرئيس ترامب على الامتناع عن مثل هذه التعليقات". وتراجع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل ست عملات رئيسية، إلى 98.117 بعد انخفاضه إلى 97.923 في الجلسة السابقة، وهو مستوى لم يشهده منذ مارس  2022.

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 8 ساعاتهيئة الأمم المتحدة: 3% ارتفاع تمثيل المرأة في مجالس الإدارة والمناصب القيادية العليا28 أبريل 2025 2:21 مقفزة استثمارية.. "Hub71" تصل إلى 8 مليارات درهم تمويلات في 202427 أبريل 2025 1:52 ممصر: نمو قياسي للعلامات التجارية الممنوحة في 2024 وأميركا والإمارات بصدارة المتقدمين23 أبريل 2025 12:27 مصندوق النقد.. الجنيه المصري أقوى من المتوقع وتحسن كبير في عجز الحساب الجاري 202620 أبريل 2025 3:26 ممصر تستهدف زيادة الاستثمارات الكلية 17% و نصيب القطاع الخاص 62.7%16 أبريل 2025 5:25 مصادرات مصر من الذهب تتضاعف بنحو 9 مرات في شهرين تجاوزت ملياري دولار16 أبريل 2025 4:43 مارتفاع صادرات مصر الزراعية 9.3% إلى 4.13 مليار دولار بزيادة 351.91 مليون دولار 20249 أبريل 2025 3:46 ممدبولي يتابع جهود الرقابة المالية تسريع وتيرة التحول الرقمي وتفعيل سوق الكربون الطوعي8 أبريل 2025 4:02 ممصر توقع 9 اتفاقيات تمويل ومنح مع فرنسا والاتحاد الأوروبي بقيمة 262.3 مليون يورو7 أبريل 2025 3:13 مقلق العالم من رسوم ترامب ومن حقبة ركود تجرد الأسواق من الملاذات الآمنة

التعليقات