دراسات


كتب فاطيمة طيبى
5 نوفمبر 2025 3:26 م
-
مشروع القرن.. المتحف المصري الكبير ينعش السياحة بـ18 مليون زائر و20 مليار دولار

مشروع القرن.. المتحف المصري الكبير ينعش السياحة بـ18 مليون زائر و20 مليار دولار

اعداد ـ فاطيمة طيبي

على بعد كيلومترين فقط من أهرامات الجيزة، تستعد مصر لتنظيم حفل افتتاح المتحف المصري الكبير، أكبر متحف أثري في العالم مخصّص لحضارة واحدة. .. صرح عملاق يمتد على مساحة 500 ألف متر مربع، ينهض عند سفح الأهرامات ليعيد تقديم الحضارة المصرية القديمة في ثوب معاصر يجمع بين الأصالة والتكنولوجيا.


منذ وضع حجر الأساس في فبراير 2002، تحوّل المتحف إلى مشروع وطني تتداخل فيه السياسة بالثقافة، والهندسة بالإبداع، ليصبح بعد أكثر من عقدين من العمل أحد أعظم منجزات الدولة المصرية، وأبرز المشاريع الثقافية في الشرق الأوسط والعالم.

بدأت قصة المتحف بمسابقة دولية فازت بها الشركة الإيرلندية Heneghan  Peng Architects  لتصميم متحف يليق بعظمة التاريخ المصري، وبدأ التنفيذ الفعلي في عام 2005. غير أن المشروع واجه موجة من التحديات السياسية والمالية، أبرزها توقف الأعمال بعد أحداث يناير  2011، قبل أن يستأنف العمل مجددا مع استقرار الأوضاع السياسية في عام 2014.

ويؤكد الدكتور أحمد غنيم، المدير التنفيذي للمتحف المصري الكبير، أن المشروع دخل مراحله النهائية، قائلا: "المتحف في مراحله الأخيرة تمهيدا للافتتاح الرسمي، وقد تم تلافي جميع الأخطاء السابقة في التشغيل والتجهيزات. نحن أمام لحظة تاريخية حقيقية تعيد تقديم مصر كقوة ثقافية عالمية".


بلغت التكلفة الإجمالية للمشروع نحو 1.2 مليار دولار، مولته القاهرة عبر شراكة استراتيجية مع الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (جايكا)، التي قدمت قرضين ميسرين بقيمة إجمالية بلغت 800 مليون دولار في عامي 2008 و2016، إلى جانب دعم فني لتدريب كوادر الترميم المصرية.

وقالت إيريكو أوساكي، الممثلة المقيمة لـ"جايكا" في مصر، في تصريحات صحفية سابقة بمناسبة تسليم المعدات التقنية للمتحف: "هذا المشروع يمثل نموذجا للتعاون الثقافي والتنمية المستدامة، ونحن في جايكا فخورون بأن نكون شركاء في بناء هذا الصرح الذي يعزز التبادل الثقافي بين مصر والعالم".

ويرى الدكتور أحمد غنيم أن "التمويل ياباني، لكن الإدارة مصرية برؤية عالمية"، مشيرا إلى أن تشغيل المتحف سيعتمد على نموذج استدامة مالية من خلال شراكات مع القطاع الخاص وإيرادات الأنشطة الثقافية والرعايات الدولية.


ـ تصميم معماري فريد :

وبحسب التفاصيل الرسمية، يمتاز المتحف بتصميم معماري فريد يربطه بصريا بالأهرامات، ويضم الدرج العظيم الذي يمتد على مساحة 6 آلاف متر مربع بارتفاع يعادل ستة طوابق، ومدخلا رئيسيا بمساحة 7 آلاف متر مربع، بالإضافة إلى 12 قاعة عرض رئيسية بمساحة 18 ألف متر مربع، إلى جانب قاعات عرض مؤقتة، ومتحف للطفل، ومراكز ترميم تعد من الأكبر عالميا.

ويضيف غنيم في تصريح صحفي": "لغة الزائر تغيرت، لذا صممنا التجربة على أساس الدمج بين الأصالة والتقنيات الحديثة عبر شاشات تفاعلية وتقنيات الواقع المعزز. المتحف تجربة حضارية متكاملة وليست مجرد زيارة لمشاهدة آثار".

ويضم المتحف أكثر من 100 ألف قطعة أثرية تقدر بعض الإحصاءات عددها بـ 175 ألف قطعة تغطي نحو 7 آلاف عام من التاريخ المصري، بينها المجموعة الكاملة لكنوز الملك توت عنخ آمون التي تعرض للمرة الأولى مجتمعة في مكان واحد.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد وجه خلال اجتماعه الأخير مع رئيس الوزراء بتنظيم حفل افتتاح يليق بمكانة مصر وتاريخها، فيما كشفت مصادر مطلعة أن أكثر من 60 زعيما عالميا من الملوك والرؤساء ورؤساء الحكومات حضروا الحفل ، الذي تصفه وسائل الإعلام المحلية بـ"الافتتاح الأسطوري".

ويقول عالم الآثار زاهي حواس إن الافتتاح يحمل بعدا سياسيا واقتصاديا بالغ الأهمية: "لا يوجد متحف في العالم افتتحه رئيس جمهورية وحضره هذا العدد من القادة. إنه مكسب سياسي وسياحي لا يقدر بثمن".

وقال الدكتور خالد سعد، مدير إدارة آثار ما قبل التاريخ بوزارة السياحة والآثار، إن المتحف المصري الكبير يمثل نقلة نوعية في الفكر المتحفي الحديث، إذ انتقلت مصر من نموذج المتاحف التقليدية الصغيرة إلى إنشاء صرح متحفي عملاق يجسد روح الحضارة المصرية بكل رموزها وتفاصيلها. وأضاف: "نحن أمام مشروع يعيد تعريف فكرة المتحف ذاته، ليس مجرد معرض للآثار، بل منظومة متكاملة تربط بين التاريخ والعلم والسياحة والثقافة في آن واحد".

وأشار عالم الآثار إلى أن مصر استطاعت أن تسحب البساط من تحت أقدام أكبر المتاحف العالمية بإنشائها المتحف المصري الكبير، مضيفا: "لدينا متاحف عالمية مثل الفاتيكان واللوفر والبريطاني، وهي مؤسسات عظيمة بلا شك، لكن الفارق أن متحفنا الكبير يضم آثار دولة واحدة فقط، دولة الحضارة المصرية التي أبهرت العالم منذ آلاف السنين".

وأكد أن المتحف المصري الكبير إعلان واضح بأن مصر تقدم تاريخها بيديها وأدواتها العلمية الحديثة، موضحا أن الفكرة لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى تقديم تجربة تفاعلية تروي قصة الإنسان المصري القديم بكل ما فيها من عبقرية وإبداع.


ـ زوار المتحف :

ويتوقع أن يجذب المتحف المصري بين 5 و8 ملايين زائر سنويا، بما يعادل إيرادات قد تصل إلى 125 مليون دولار من التذاكر وحدها. ويرى الخبير السياحي حسام هزاع أن الافتتاح سيؤدي إلى "قفزة في عدد السياح إلى 18 مليون سائح بنهاية العام الحالي"، بينما قدر علي غنيم، عضو مجلس إدارة الاتحاد المصري للغرف السياحية، أن "المتحف الكبير سيزيد أعداد الزوار بنسبة تتراوح بين 20 و25% خلال الربع الأخير من عام 2025".  كما يتوقع خبراء في اقتصاد السياحة أن تتجاوز العوائد الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة حاجز 2.5 مليار دولار في العام الأول، تشمل العائدات السياحية والإنفاق المحلي والأنشطة التجارية المرتبطة بالمتحف والمناطق المحيطة.

وقال الخبير الاقتصادي أحمد معطي إن المتحف المصري الكبير سيحدث تأثيرًا اقتصاديًا واسع النطاق يمتد إلى مختلف القطاعات، وعلى رأسها السياحة والاستثمار، لافتًا إلى أن المؤشرات الأولية تُظهر بالفعل هذا الأثر، إذ امتلأت الفنادق بالكامل تقريبًا منذ إعلان موعد الافتتاح، فضلًا عن الزخم الكبير الذي تشهده المطاعم والأنشطة الترفيهية في محيط المتحف، ما يعكس حجم الاهتمام المحلي والدولي بالحدث.

وأوضح معطي أن الحديث عن افتتاح المتحف جعل أنظار العالم تتجه إلى القاهرة، مؤكدا أن الحدث يمثل نقطة تحول في تنشيط حركة السياحة المصرية خلال الفترة المقبلة، مضيفًا: "المتحف لن يكون مجرد وجهة أثرية، بل مركزًا سياحيًا متكاملًا يمد فترة إقامة السائحين في مصر لعدة أيام، ما يعني زيادة حجم الإنفاق بالعملات الأجنبية ودعم الحصيلة الدولارية للدولة".

ـ تعزيز استقرار سعر الصرف :

وأشار إلى أن تنامي التدفقات السياحية سيسهم في تعزيز استقرار سعر الصرف، باعتباره مصدرا مهما ومستداما للدخل الدولاري، خاصة في ظل تزايد الحجوزات من الأسواق الآسيوية والأوروبية المهتمة بالحضارة المصرية القديمة.

وأكد معطي أن الافتتاح لا يحمل بعدا سياحيا فقط، بل يرسل رسالة ثقة قوية للمستثمرين الأجانب بأن مصر دولة آمنة ومستقرة تشهد معدلات إنفاق ونشاطا اقتصاديًا متزايدًا، وهو ما يعزز من جاذبية السوق المصري أمام رؤوس الأموال العالمية. وتوقع أن تصل إيرادات السياحة المصرية إلى نحو 20 مليار دولار خلال الفترة المقبلة، مدفوعة بالاهتمام الدولي بالمتحف المصري الكبير وعودة السياحة الثقافية بقوة إلى المشهد المصري.


وقال مجدي صادق، عضو غرفة شركات السياحة، إن افتتاح المتحف المصري الكبير إلى جانب المشروعات السياحية العملاقة في الساحل الشمالي ورأس الحكمة سيحدث نقلة نوعية في بنية المقصد السياحي المصري، من خلال تحقيق التكامل بين السياحة الثقافية والترفيهية، بما يتيح للزائر الاستمتاع بمصر على مدار العام.

وأضاف صادق أن التطور الهائل في البنية التحتية وشبكات الطرق الجديدة بات عنصرا حاسما في تعزيز التجربة السياحية، موضحا أن السائح أصبح قادرا على الانتقال من الساحل إلى القاهرة خلال ساعات قليلة فقط لزيارة المتحف المصري الكبير وغيره من المعالم الأثرية والتاريخية، وهو ما يربط الوجهات السياحية المصرية ضمن منظومة واحدة.

وتوقع أن يسهم افتتاح المتحف في زيادة أعداد الزائرين بنحو 25% سنويا شريطة استقرار الأوضاع السياسية في المنطقة، مشيرا إلى أن التوترات الجيوسياسية في العامين الماضيين خفضت معدل النمو السياحي من 20% إلى نحو 14% فقط. وأكد أن المرحلة المقبلة تتطلب رفع الطاقة الفندقية في مصر من 220 ألف غرفة إلى 300 ألف غرفة على الأقل لمواكبة الطلب المتزايد بعد الافتتاح، داعيًا إلى تفعيل حوافز استثمارية جديدة، من بينها الإعفاءات الضريبية لمدة خمس سنوات لمشروعات الإيجار السياحي، لتوسيع قاعدة الاستيعاب الفندقي في المدن السياحية.

وفي مقال بعنوان "كيف نشكر شعب اليابان؟" كتب الدكتور زياد بهاء الدين، نائب رئيس الوزراء المصري الأسبق، عن تجربته في أثناء توليه وزارة التعاون الدولي، قائلًا: "في عام 2013 كانت مصر تمر بأزمة مالية خانقة، لكن السفير الياباني نجح في إقناع حكومته باستمرار التمويل رغم الصعوبات إدراكًا لأهمية المشروع، واليوم آن الأوان لأن نشكر اليابان شعبًا وحكومة على دعمهم لهذا الصرح".

واقترح بهاء الدين أن يتضمن المتحف عملا فنيا يرمز للصداقة المصرية اليابانية، أو منحة سنوية لطلاب الجامعات اليابانية في علم المصريات، "تعبيرًا عن تقدير مصر للشعب الياباني الذي أسهم في حفظ تراثها".

وفي تصريحات رسمية، وصف وزير السياحة والآثار شريف فتحي المتحف المصري الكبير بأنه "ركيزة أساسية في استراتيجية مصر لجذب نوعية جديدة من السائحين"، موضحًا أن المتحف "ليس فقط مشروعًا ثقافيًا، بل محور جذب اقتصادي وتنموي شامل".

 


أخبار مرتبطة
 
3 ديسمبر 2025 11:45 صارتفاع صادرات الصناعات الغذائية 11% إلى 5.8 مليار دولار خلال 10 أشهر2 ديسمبر 2025 2:18 ممصر: منحنى الفائدة في البنوك يتجه إلى الهبوط مع تراجع التضخم1 ديسمبر 2025 1:33 م"البنك الدولي": سيناريو تحقيق التوظيف الكامل للشباب محرك مستقبل الاقتصاد المصري1 ديسمبر 2025 12:23 ممصر: أرقام صادمة لمعدلات الزواج والطلاق.. 273.8 ألف حالة في 202426 نوفمبر 2025 2:33 ممصر: 40.6 مليار دولار صادرات غير البترولية وتسديد 220 مليون دولار لشركات النفط الأجنبية25 نوفمبر 2025 2:33 مالقابضة للأدوية تقفز بإيراداتها إلى 11.6 مليار جنيه وصافي ربح 2.1 مليار في 2025/202423 نوفمبر 2025 4:08 موزير الاستثمار: الصادرات غير البترولية ترتفع 19% إلى 40.6 مليار دولار خلال 10 أشهر23 نوفمبر 2025 3:14 مرسالة الختام في COP30.. إنقاذ الأرض بالالتزام بـ"اتفاق الإمارات" التاريخي19 نوفمبر 2025 3:55 متراجع جديد للجنيه المصري مقابل الدولار الأميركي18 نوفمبر 2025 12:38 مانطلاق فعاليات منتدى دبي للمستقبل 2025 بمشاركة دولية تستشرف الجاهزية للمستقبل من الإمارات

التعليقات