تحليلات

اعداد ـ فاطيمة طيبي

وفي عام 2019 بلغت التجارة السنوية بين الشركات الأمريكية ونظيرتها في كوريا الجنوبية 168 مليار دولار، واصبحت كوريا الجنوبية سادس أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة.

ـ عودة العلاقات الاستثمارية :

التعاون الثنائي بين البلدين في المجال الاقتصادي والتجاري شديد التعقيد رغم تنوعه اذ تحتل الاستثمارات التجارية  لكوريا الجنوبية  المرتبة الـ14 من بين الدول التي تستثمر في الولايات المتحدة، وتأتي خلف اقتصادات نامية مثل أيرلندا وبلجيكا وسنغافورة.

مع هذا شهد عام 2021 تحولا واضحا في مضمون العلاقة الاقتصادية بين الحليفين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، بتكثيف المنافسة والتعاون، خاصة في:

ـ  مجال التقنيات الحيوية.

ـ العمل المشترك بمجال سلاسل التوريد للتصدي للهشاشة التي نتجت عن جائحة كورونا .

ـ   القيام بتحديث  العلاقات الثنائية للعمل على مواجهة المنافسة الشرسة التي تشهدها القارة الآسيوية والعالم بين الولايات المتحدة والصين.

وتتضمن العناصر الأكثر أهمية في مجال التعاون الاستراتيجي بين البلدين حاليا:

1 ـ  سلسلة من المشاريع المشتركة تركز على بطاريات المركبات الكهربائية وأشباه الموصلات ولقاحات كوفيد-19، هذه القطاعات الإنتاجية ذات التقنيات عالية التطور التي تعد أهم حقول المعرفة الإنسانية في القرن الـ21 هي التي يعتقد المحللون أنها ستحدد الشكل المستقبلي للعلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وستغير شكلها الراهن  إلى شكل جديد يضع التحديات التقنية والتكنولوجية في المقدمة.

2 ـ  التركيز على مزيد من التعاون التكنولوجي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لأسباب كثيرة دفعت البلدين إلى تبني تصحيح شكل الغلاقات الاستثمارية .

تقول الدكتورة روزلين آندرو أستاذة الاستراتيجيات الدولية في جامعة لندن أن هناك عاملين رئيسين يعززان هذا الاتجاه.

1 ـ العامل الأول: يتعلق من اثار تأثيرات العولمة على كل من الصين والولايات المتحدة، حيث تستعد واشنطن حاليا للمنافسة على المدى البعيد مع بكين، بتغير شكل التطورفي العلاقات الاقتصادية بين البلدين حيث تصدرت الصين عن الولايات المتحدة كأفضل شريك تجاري للعديد من الدول.

وهنا نجد انه في عام 2001 كانت الولايات المتحدة الشريك التجاري الأول لـ80 % من بلدان العالم، الآن .. ومن بين 120 دولة بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة مثل كوريا الجنوبية واليابان والاتحاد الأوروبي نجد الصين تعتبر أكبر شريك تجاري لهم، وهنا على واشنطن التعاون بالضرورة  مع الحلفاء المميزين لتكون قادرة على مواجهة الصين والتصدي لتوسعاتها الحالية.

2 ـ العامل الثاني: له علاقة  بالتحول التكنولوجي العالمي، وسيمنح لصاحب المركز الأول الريادة في القيادة العالمية، وقد تسبب وباء كورونا إلى ارتفاع حجم استعمال الرقمنة عالميا، حيث يشير تقرير حديث لبنك آسيا للتنمية أن 40 % من نمو الناتج المحلي الإجمالي قادم من الرقمنة في آسيا وحدها.

 إضافة إلى ذلك  نجد ان الاهتمام بالذكاء الاصطناعي أمر بالغ الخطورة رغم اهميته ليس فقط في تعزيز النمو الاقتصادي والأمن السيبراني، لكن أيضا في النزاعات العسكرية، ما يجعل الولايات المتحدة اكثر تميزا في هذا المجال، مما يسد ثغرات  في المنظومة الاقتصادية وفي الأمن القومي لكوريا الجنوبية .

ـ التراجع في اشباه الموصلات في امريكا:

في الواقع إن تراجع القاعدة الصناعية للولايات المتحدة خاصة في مجال حساس   كأشباه الموصلات تدفع بواشنطن إلى تعزيز قاعدتها الصناعية  باللجوء إلى حلفاء جدد مثل كوريا الجنوبية، إذ أعلنت الشركات الكورية الجنوبية عن استثمارات لها  تقارب 40 مليار دولار لبناء قاعدة للصناعة والبحث والتطوير في الولايات المتحدة، بما في ذلك قرار لشركة سامسونج ببناء مصنع ثاني لأشباه الموصلات في الولايات المتحدة.

من جانبه، قال  إل.تروي الباحث في شؤون شرق آسيا، إن "النقص العالمي في أشباه الموصلات يعد انعكاسا للطلب العالمي المتزايد على السلع الاستهلاكية المعمرة، وهذا الوضع أدى إلى إبراز أهمية كوريا الجنوبية بالنسبة للولايات المتحدة، حيث إن صناعة أشباه الموصلات في كوريا الجنوبية تمثل 20 % من السوق العالمي لأشباه الموصلات، وفي بعض الأنواع تبلغ حصة شركات مثل سامسونج نحو 70 % وفي أنواع أخرى 50 %.

وعلى مستوى الشركات، فإن شركة سامسونج وشركة تي إس سي إم التايوانية هما القادرين على إنتاج أشباه الموصلات الأكثر تقدما في العالم، كما أنهما تشاركا مع جامعة هارفارد الأمريكية لتطوير نوع جديد من أشباه الموصلات يعتمد على كيفية عمل الدماغ البشري .

في وقت تتمتع  فيه كوريا الجنوبية بمزايا في مجال أشباه الموصلات، نجد الولايات المتحدة تقف عند مزايا نسبية - بالطبع مع دول أخرى- في مجال معالجة البيانات والذكاء الاصطناعي، وتدرك سيئول أهمية هذه المجالات لمستقبل صناعاتها، وهو ما يجعل التعاون الثنائي بين الطرفين يحقق مصالحهما المشترك في آن واحد.

ـ مجموعة من العوامل تجعل الشراكة المستقبلية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية شراكة ذات طابع استراتيجي.:

1 ـ يرى البروفيسور فريدي آرثر أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة أبردين، أن الشركات الكورية الجنوبية تعد شريكا رئيسا للولايات المتحدة في جهودها للانتقال إلى عالم السيارات الكهربائية، وستقوم شركات كوريا الجنوبية ببناء 11 من أصل 13 مصنعا للبطاريات كبيرة الحجم من المقرر بناؤها في الولايات المتحدة بحلول عام 2025، ويرتفع هذا التعاون بأهمية إبقاء الصين لصانعي البطاريات الكوريين الجنوبيين خارج أسواقها، لذلك فإن شركات كوريا الجنوبية لديها مصلحة استراتيجية في الشراكة مع الولايات المتحدة".

ويضيف قائلا: "التغيرات الديمجرافية في كوريا الجنوبية لها دورا فعالا في تعزيز التحالف الاقتصادي بين واشنطن وسيئول، فعدد السكان في سن العمل في كوريا الجنوبية آخذ في الانخفاض منذ عام 2017، بينما بدأ إجمالي عدد السكان في التراجع منذ عام 2020، اضف أن التركيبة السكانية ستؤثر في الأمن القومي لكوريا الجنوبية، وسيتم تخفيض الجيش من 620 ألف مقاتل إلى نصف مليون جندي، لكن استمرارتراجع نسبة  معدلات المواليد يعني أن الجيش الكوري الجنوبي القائم على التجنيد الإجباري سيواجه تخفيضات إضافية حتى منتصف القرن تقريبا، وأحد الحلول الرئيسة لمواجهة تلك المشكلة ستكون الاعتماد بشكل أكبر على التكنولوجيا، وسيكون هناك حاجة متزايدة لاستخدام الذكاء الاصطناعي الذي تحقق فيه الولايات المتحدة إنجازات كبيرة.

2 ـ يرى البعض أن كوريا الجنوبية واحدة من الحلفاء القلائل القادرين على المساهمة مع الولايات المتحدة في ثلاثة مجالات تعد حيوية لضمان مواصلة الولايات المتحدة لقيادتها للاقتصاد العالمي، وهي أشباه الموصلات والبطاريات ذات السعة الكبيرة والمستحضرات الصيدلانية، إلا أن بعض الخبراء يعتقدون أن هذا التعاون سيصطدم في بعض الأحيان بمجموعة من التحديات سواء في السياق الاستراتيجي أو الثنائي.

ـ إقامة تحالف استراتيجي:

كما قال الدكتور أوسكار جاك أستاذ العلوم السياسية في جامعة جلاسكو، إن "المشكلة الأولى التي ترتبط بتعزيز العلاقات التقنية بين واشنطن وسيئول تتعلق بقدرة البلدين على إقامة تحالف استراتيجي الذي لقى ترحيبا من الحلفاء الآخرين مثل اليابان وسنغافورة، رغم ان إدخال شركاء آخرين في هذا التحالف أمر له العديد من التعقيدات، قد يضعف من خلالها  الثنائية الأمريكية ـ الكورية، كما أن إبعاد الحلفاء الآخرين قد يدفع إلى إيجاد ثغرات قد تسمح لمنافسي الولايات المتحدة العزوف عنها وإيجاد جبهات أخرى تستنزف خلالها الموارد في صراعات جانبية، والجانب الآخر أن التعاون بصفة عامة في المجال التقني ليس دائما سهلا، وإيجاد التوازن بين المصالح المحققة للاقتصاد الوطني ومصالح الحلفاء تبدو صعبة.

ويواصل قائلا: إن "الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية تربطهما مصلحة   الحفاظ على صناعة قوية لأشباه الموصلات، الا ان  كوريا الجنوبية ستكون مترددة في رؤية صناعتها الخاصة، تستغل من أمريكا لإحياء صناعاتها، التي يمكن أن تكون منافس لها في يوم من الأيام، كما أن كوريا الجنوبية قد لا تقف مع الولايات المتحدة في عدائها للصين بالدرجة ذاتها التي ترغب فيها واشنطن، ويصعب على سيئول أن تتخذ خطوات تستهدف الصين بشكل مباشر" ، لكن بصرف النظر عن الآفاق والتحديات التي تواجه المرحلة الجديدة من العلاقات الأمريكية الكورية الجنوبية، فالمؤكد أن منطقة جنوب شرق آسيا تشهد شراكة استثمارية بين واشنطن وسيئول تضع الأرضية لمرحلة نوعية من التطور التقني .

أخبار مرتبطة

منذ 10 ساعاتنحو التكافؤ في السلطة.. دورالمرأة على طاولة نقاشات دافوس 202521 يناير 2025 11:30 صالمالية: نسعى لرفع كفاءة إدارة المالية العامة للتوسع في الإنفاق على الصحة والتعليم20 يناير 2025 2:04 موعود ترامب.. خطة حاسمة لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي19 يناير 2025 4:01 ممنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تختار مصر لإطلاق النسخة العربية من إرشاداتها للسلوك المسئول للشركات15 يناير 2025 2:37 مشرق أوسط جديد يحمل بصمات لارث ثقيل من إدارة الرئيس جو بايدن14 يناير 2025 3:31 مخالد عبد الغفار يوجه بتأسيس لجنة استشارية عليا للتنمية البشرية12 يناير 2025 12:37 متمكين المرأة اقتصاديا من خلال توفير الخدمات المالية وغير المالية للمشروعات وبرامج التدريب8 يناير 2025 3:06 ممصر: سيناريوهات استيراد الغاز المسال في الربع الأول من 20256 يناير 2025 12:40 معودة أعمال تنمية حقل غاز"ظهر" يناير 2025 مع طرح مناطق للتعدين5 يناير 2025 2:56 مارتفاع أسعار الخامات والأدوات والأجور.. أبرز تحديات صناعة الأثاث