تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
14 مايو 2024 12:45 م
-
الاستثمارالأجنبي المتراجع والتضخم والديون قنبلة خطرعلى الاقتصاد البلجيكي

الاستثمارالأجنبي المتراجع والتضخم  والديون قنبلة خطرعلى الاقتصاد البلجيكي

اعداد ـ فاطيمة طيبي

يرجع الباحث في الاقتصاد الأوروبي فيليب مونز التراجع المتوقع في معدل النمو للاقتصاد البلجيكي في 2023 والعام 2024  إلى استمرار الضغوط الناجمة عن ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب الزيادة في الأجور وتشديد الظروف المالية التي أثرت سلبا في الأعمال التجارية، ما يعوق من وجهة نظره نسبيا قدرة الاقتصاد البلجيكي على تنفيذ خطة التعافي وتعزيز قدرته على الصمود أمام عواصف الاقتصاد العالمي.

 هذا وكما انه و في عام 2019 احتل الاقتصاد البلجيكي المركز الـ27 في تصنيف التنافسية العالمية، لكن وخلال ثلاثة أعوام قفزت بلجيكا 14 درجة في التصنيف لتحتل في 2023  المرتبة الـ13 عالميا. وبينما ذهبت المراكز الثلاثة الأولى من بين 64 اقتصادا تم قياس قدرتها التنافسية العالمية لكل من الدنمارك وأيرلندا وسويسرا، فإن بلجيكا تقدمت أيضا في جميع المؤشرات بما في ذلك الاقتصاد والإدارة العامة والبنية التحتية.

من المؤكد أن تلك أنباء طيبة للاقتصاد البلجيكي وقدرته على مواجهة التحديات، إلا أن الاعتماد عليها فقط للكشف عن مسار الاقتصاد البلجيكي المستقبلي لربما تكون خادعة بعض الشيء. فعلى الرغم من أن النمو الاقتصادي بلغ 3.2 % في عام 2022، فإن التطورات الاقتصادية كانت ضعيفة إلى حد ما في نهاية العام .

وعلى الرغم من انتعاش الاقتصاد في بدايات العام2023 ، إلا أن السياق العالمي للتضخم وعدم اليقين الاقتصادي وارتفاع أسعار الطاقة نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية، تجعل النمو المتوقع للاقتصاد البلجيكي يقف عند حدود 1.2% في 2023  بينما لن يتجاوز 1.4% في 2024 .

يقول الباحث في الاقتصاد الأوروبي فيليب مونز:  إن "الاقتصاد البلجيكي يعتمد في جزء كبير منه على التجارة الدولية، ومن المتوقع أن تؤثر آفاق التجارة العالمية الخافتة في الواردات والصادرات البلجيكية في  الصادرات  في 2023 بسبب ارتفاع الأسعار ومن ثم تؤثر سلبا في النمو".

كما انه ان الاقتصاد البلجيكي يعتبر بدورة أقل تقلبا من نظرائه في منطقة اليورو، مع هذا فهناك مصدران رئيسان للقلق يتصاعدان في بلجيكا .

ـ الأول : يتعلق بإمكانية أن تفقد البلاد ما حققته في مجال التنافسية الدولية نتيجة ارتفاع الأجور بشكل أسرع مقارنة بالدول المجاورة، وقد انعكس ذلك بشكل سيئ في بعض الأحيان على القطاع الصناعي، فبينما نما التوظيف بنحو 0.8 % خلال الفترة من مارس 2022 إلى مارس 2023، فإن القيمة المضافة للقطاع تراجعت بنحو 2.8 %

ـ التحدي الثاني : يتعلق بعديد من فرص العمل التي تولد في القطاعات منخفضة الإنتاجية مثل الترفيه والقطاع العام بينما عدد أقل من الوظائف تتوافر في القطاعات مرتفعة الإنتاجية، اذ نجد أن بعض القطاعات المهمة مثل القطاع المالي يتقلص عدد العاملين فيه، ولأن الإنتاجية المرتفعة عامل أساس في القدرة التنافسية لأي اقتصاد، فإن تلك التوجهات في مجال التوظيف تضعف قدرة الاقتصاد البلجيكي على التصدير وعلى الحفاظ على حصته في السوق الأوروبية والعالمية.

ـ الحكومة تتدخل لحماية المستهلكين :

مع هذا يرى الخبيرالاستثماري أندرو مارت أن ميزانية بلجيكا كانت تخرج عن المسار حتى قبل تفشي وباء كورونا، وأن الأوضاع الاقتصادية التي تلت الجائحة وتحديدا الحرب الروسية - الأوكرانية رفعت أسعار الطاقة وأجبرت الحكومة على التدخل لحماية المستهلكين، ونجم عن ذلك دفع الأوضاع الاقتصادية في بلجيكا إلى مناطق أكثر خطورة، إذ بات على الحكومة الموازنة بين أسعار الطاقة التي تقدم للمستهلكين التي يجب دعمها حكوميا، وعبء الدين الوطني المتفاقم وتأثير ذلك في الميزانية.

ويقول إن "قنبلة الديون باتت خطرا على الاقتصاد البلجيكي فالبلاد تتحمل سادس أكبر عبء ديون في الاتحاد الأوروبي بنحو 108%من الناتج المحلي الإجمالي عام 2021، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية فستتحمل بلجيكا عبء ديون بنسبة 116 % بحلول عام 2027 وهذا أمر مثير للقلق نظرا إلى ارتفاع أسعار الفائدة، وعلى الرغم من أن قواعد الإنفاق الأوروبية المعروفة باسم ميثاق الاستقرار والنمو تحدد عجز الميزانية السنوية بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن الإنفاق السنوي في الميزانية البلجيكية يبلغ 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي، وبمجرد أن يصل الدين العام البلجيكي إلى 120% فإننا سنشاهد تأثيرا سلبيا للغاية لكرة الثلج تلك في الأسواق المالية".

ـ نظام الزيادات الإلزامية :

يعتقد البعض أن أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد البلجيكي أن لديه نظاما للزيادات الإلزامية في الأجور يرتبط بالارتفاع في أسعار المستهلك، هذا الوضع يجعل أصحاب الأعمال في حالة من الذعر نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة ومن ثم يجب ترجمة ذلك إلى زيادة كبيرة في الأجور، وبالفعل زادت الأجور بنحو 10% في بداية ا2023 ، هذا الوضع يجعل قضية التضخم في بلجيكا قضية أكثر أرقا للاقتصاديين ورجال الأعمال مقارنة بكثير من الدول الأوروبية الأخرى.

تقول الدكتورة لورين سميث أستاذة الاقتصاد الأوروبي في جامعة لندن "تعامل الاقتصاد البلجيكي بشكل جيد مع صدمة التضخم في عام 2022، لكن عام 2023 كان الوضع في أكثر صعوبة، وفي الأمد المتوسط لن يستطيع الاقتصاد البلجيكي تجاهل الانعكاسات السلبية للتضخم على قدرة البلاد التنافسية والمالية العامة".

وتضيف "في جانب العرض لم تتطور جميع القطاعات الاقتصادية بشكل إيجابي، وارتبط النمو أساسا بقطاع الخدمات خاصة تجارة التجزئة التي استفادت من الإنهاء الكامل لقيود كوفيد، بينما في جانب الطلب أظهر الاستهلاك الأسري مرونة ملحوظة، ويرتبط ذلك بنجاح سوق العمل في تحقيق أحد أفضل مستويات الأداء في العقود الأخيرة، والعام الماضي 2022 اذ أوجدت بلجيكا 100 ألف فرصة عمل، وهو أمر استثنائي للاقتصاد الوطني، وعلى الرغم من أن عقود العمل لم تكن بدوام كامل إلا أن عدد ساعات العمل زاد، وزادت المداخيل المالية المتاحة للأسر، وارتفع إنفاقها بـ25 مليار يورو، ولذلك رغم ارتفاع الأسعار لم تخفض الأسر البلجيكية ادخارها، وزادت من الحجم الإجمالي للاستهلاك".

تلك الأوضاع الاقتصادية المختلطة التي تمر بها بلجيكا كانت لها انعكاسات ملحوظة على جاذبية الاقتصاد البلجيكي للاستثمارات الأجنبية، فقد حقق الاستثمار الأجنبي المباشر في بلجيكا مجموعة مختلطة أيضا من النتائج نتيجة السياق الاقتصادي العالمي الذي يعاني الحرب الدائرة في أوكرانيا والتطورات الجارية في سوق الطاقة العالمية، وعدم عودة سلاسل الإمداد العالمية إلى سلاستها المعهودة بعد.

تبرز النتائج المختلطة للاستثمارات الأجنبية المباشرة في الاقتصاد البلجيكي بشكل واضح في أنه رغم تراجع عدد المشاريع الأجنبية المسجلة من 245 مشروعا عام 2021 إلى 234 مشروعا فقط في 2022  بانخفاض يقدر بـ 4 %، إلا انها أوجدت مزيدا من فرص العمل بزيادة تقدر بـ 16% في عام 2022 مقارنة بعام 2021، وإذ تبدو تلك الأخبار جيدة للاقتصاد البلجيكي إلا أن بروكسل لم تفلح في مواكبة المتوسط الأوروبي لمعدل التوظيف لكل مشروع أجنبي، إذ كل مشروع للاستثمار الأجنبي في بلجيكا يوجد نحو 38 فرصة عمل، بينما على المستوى الأوروبي يوجد 82 فرصة عمل.

ـ المركز التاسع :

الخبير الاستثماري أندرو مارت يلقي الضوء على هذا الوضع، بالقول "يلاحظ أن مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر نمت في عديد من بلدان جنوب وشرق أوروبا جزئيا على الأقل بينما تراجعت في بلجيكا وألمانيا وهولندا وسويسرا والمملكة المتحدة في 2022 ولا تتوافر بيانات بعد عن العام 2023، ويعود ذلك إلى الجهود الأوروبية لإعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية والميل نحو المواقع الأوروبية التنافسية من حيث تكلفة التصنيع، وقد تراجعت بلجيكا من المركز الثالث أوروبيا في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى المركز السادس وحاليا التاسع، بينما تهيمن فرنسا على التصنيف الأوروبي".

ويضيف "ثماني دول استحوذت على 70 % من الاستثمار الأجنبي المباشر في بلجيكا وهم الولايات المتحدة أكبر مستثمر أجنبي في بلجيكا وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وهولندا والصين واليابان والدنمارك، وقد استحوذت خمسة قطاعات على 59% من المشاريع و62% من الوظائف وأبرز تلك القطاعات النقل والخدمات اللوجستية خدمات الأعمال والخدمات المهنية ثم خدمات البرمجيات وتكنولوجيا المعلومات".

صدمات متعددة أثرت في الاقتصاد البلجيكي، ومن ثم فإن المرور بفترة اقتصادية مضطربة أمر حتمي، كما أن الصدمات والإجراءات المتخذة لمواجهة تلك الأوضاع ستترك بصماتها على الاقتصاد الكلي، وهذا يعني أن إرث الأزمات المتعددة التي حدثت في الأعوام الأخيرة سيظل محسوسا.

ومن المرجح أن تشكل المالية العامة عبئا على الاقتصاد عاجلا أم آجلا، ويعني هذا أن التدابير التصحيحية التي ستشمل زيادة الضرائب وخفض الإنفاق وإصلاح سوق العمل ونظام التقاعد باتت ضرورية. وإذا كان تباطؤ الاستثمارات الأجنبية المباشرة في التدفق على بلجيكا دليلا على مراقبة رؤوس الأموال الدولية لمدى جدية بروكسل في اتخاذ إجراءات علاجية مهما كانت مؤلمة لإنعاش اقتصادها، فإن عودة رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة مجددا إلى التدفق على الاقتصاد البلجيكي ستكون الدليل الملموس على الاعتراف الدولي بأن الإصلاحات الاقتصادية قد آتت أكلها.

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 8 ساعاتنحو التكافؤ في السلطة.. دورالمرأة على طاولة نقاشات دافوس 202521 يناير 2025 11:30 صالمالية: نسعى لرفع كفاءة إدارة المالية العامة للتوسع في الإنفاق على الصحة والتعليم20 يناير 2025 2:04 موعود ترامب.. خطة حاسمة لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي19 يناير 2025 4:01 ممنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تختار مصر لإطلاق النسخة العربية من إرشاداتها للسلوك المسئول للشركات15 يناير 2025 2:37 مشرق أوسط جديد يحمل بصمات لارث ثقيل من إدارة الرئيس جو بايدن14 يناير 2025 3:31 مخالد عبد الغفار يوجه بتأسيس لجنة استشارية عليا للتنمية البشرية12 يناير 2025 12:37 متمكين المرأة اقتصاديا من خلال توفير الخدمات المالية وغير المالية للمشروعات وبرامج التدريب8 يناير 2025 3:06 ممصر: سيناريوهات استيراد الغاز المسال في الربع الأول من 20256 يناير 2025 12:40 معودة أعمال تنمية حقل غاز"ظهر" يناير 2025 مع طرح مناطق للتعدين5 يناير 2025 2:56 مارتفاع أسعار الخامات والأدوات والأجور.. أبرز تحديات صناعة الأثاث

التعليقات