دراسات


كتب فاطيمة طيبى
14 مايو 2024 1:23 م
-
أزمة الديون الإفريقية.. صندوق النقد والبنك الدوليين أكبراللاعبين في المشكلة

أزمة الديون الإفريقية.. صندوق النقد والبنك الدوليين أكبراللاعبين في المشكلة

اعداد ـ فاطيمة طيبي 

يرى الدكتور دامين كلارك الاستشاري السابق في صندوق النقد الدولي أن مشكلة الديون الإفريقية كبيرة وهناك عديد من الجهات الفاعلة التي تستحق تقاسم اللوم، وفي حين إن المؤسسات الدولية من قبيل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أكبر اللاعبين في تلك المشكلة، فإنه لا يمكن تجاهل الدور الصيني والدائنين من القطاع الخاص، ودور نادي باريس، كما أن الولايات المتحدة وحلفاءها في مجموعة السبع لم يسعوا لإصلاح النظام المالي العالمي على الرغم من إقرارهم بأنه غير عادل ومنصف.

يتفق الأغلبية العظمى من الخبراء انه لابد من الاسراع بوضع خطة  مرنة لمواجهة عاصفة الديون، التي قد تؤثرعلى كثير من الإنجازات وقد تعيد بعض بلدانها إلى نقطة الصفر من جديد.

 هناك 22 بلدا إفريقيا دخله منخفض إما يعاني فعليا ضائقة الديون أو معرض بشدة لخطر   التعرض لضائقة الديون، وارتفعت قضية الديون الإفريقية 2023  ، ما حد من قدرة الحكومات الإفريقية على جمع التمويل اللازم لتحقيق تحسينات اجتماعية أوسع لسكانها، أو المضي قدما في خططها الاقتصادية لتحسين وتطوير البنية التحتية.

في هذا السياق، يرى خبراء أن القادة الأفارقة يبررون اللجوء إلى الاقتراض بضرورة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية، لكن كثيرا من البلدان الإفريقية بالغ في الاقتراض بشكل أكثر من اللازم، كما أنه أساء وضع جدول أولويات اقتصادية صحيحة يسمح له بسداد   الديون عندما يحل موعد السداد. وفي منطقة مثل إفريقيا جنوب الصحراء وصل الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في 2022 إلى 56 %، وهو أعلى مستوى منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21، وعلى الرغم من أن هذا المعدل لا يعد مرتفعا بمعايير دول كإيطاليا واليونان إلا أنه من الصعب على أفريقيا تحمله.

مع هذا يرى البروفيسور أليكس باتلر أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة باث أن "إلقاء اللوم في قضية الديون على عاتق عدم حسن تدبير الأفارقة للأمر يعني تجاهل الشق الخارجي للأزمة، وهذا ما يجعلنا نفتقد رؤية شاملة للمشكلة وسبل الحل".

ويقول : "إن أزمة الديون الإفريقية الراهنة تعكس في جزء منها طبيعة الصراع الدولي خاصة في الشق المتعلق بتنامي التوترات بين الولايات المتحدة ومجموعة السبع من جانب والصين من جانب آخر، فنحو 12 % من الديون الخارجية الخاصة والعامة في إفريقيا مستحقة لمقرضين صينيين، وقد زادت أكثر من خمسة أضعاف لتصل إلى 696 مليار دولار خلال العقدين الأولين من هذا القرن، وعلى الرغم من انخفاض القروض الصينية لإفريقيا في الأعوام الأخيرة إلا أنها دائن رئيسي لعديد من الدول الإفريقية وبالطبع لا يمكن القول إن الصين تسببت في أزمة الديون الإفريقية، بل على العكس أحيانا كان الاقتراض من الصين يصب في مصلحة القارة وشعوبها، ففي عام 2021 فرض المقرضون من القطاع الخاص أسعار فائدة بنسبة 5 % بينما فرض المقرضون الصينيون والمقرضون متعددو الأطراف أسعار فائدة بنسبة 2.7% و1.3 % على التوالي".

لكن عدم قدرة كثير من البلدان الإفريقية على سداد ما عليها من ديون، يعني أن الصين والبلدان الغربية لديهم مصلحة مشتركة في مد يد العون لإنقاذ القارة من أزمة الديون، إلا أن التوترات السياسة والاقتصادية المتزايدة بين الصين من جانب والغرب والمؤسسات المالية العالمية من جانب آخر تعني أن الآلية المتعلقة بتخفيف أعباء الديون بشكل متعدد الأطراف لا تعمل بشكل فعال أو تعمل لكن ببطء شديد.

تشير البيانات الدولية إلى أنه في 2023 بلغت القيمة الإجمالية لاستحقاقات مدفوعات الديون الإفريقية 69 مليار دولار أي أكثر من كل المساعدات التي تلقتها القارة في عام 2021، وستنفق الحكومات الإفريقية 10 % من إيراداتها لخدمة القروض، وذلك ثلاثة أضعاف المدفوع قبل عقد من الزمن. ولفهم خطورة الوضع فإن 17 مليون شخص سينضمون الى فئة الفقر المدقع إذا عجزت الـ14 دولة الأكثر عرضة لخطر ضائقة الديون عن سداد خدمة الدين هذا العام.

ـ اعادة التمويل :

من جهته، يقول براين سميث الباحث في قضايا الديون "لتجنب التخلف عن السداد يقوم عديد من البلدان بإعادة التمويل من خلال البحث عن مزيد من التمويل من مصادر بديلة، فالصين على سبيل المثال قدمت أكثر من 240 مليار دولار من قروض الإنقاذ بين عامي 2018 - 2021 وهي تقترب من صندوق النقد الدولي لتكون مقرض الملاذ الأخير".

ويضيف "لكن كثيرا من التدابير المحلية لمواجهة أزمة الديون يؤدي إلى تفاقمها على المدى الطويل، ففي أغلب الأحيان يقوم كثير من الحكومات بإجراء تخفيضات جذرية في الميزانية المحلية من خلال خفض الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم وغير ذلك من الإنفاق الاجتماعي، تلك التخفيضات توفر راحة مؤقتة لكنها تأتي على حساب التنمية الاقتصادية ورأس المال البشري على المدى الطويل، ما يهدد بانهيار عقود من التقدم الاقتصادي".

على الجهة الأخرى، يرى بعض الخبراء أن إلقاء مسؤولية الإخفاق في إدارة أزمة الديون على عاتق الحكومات الإفريقية وحدها يحمل في طياته كثيرا من الغبن البين، فالبلدان الإفريقية تواجه نظاما ماليا عالميا غير عادل يجعل البلدان الفقيرة تدفع أكثر لديونها من البلدان الغنية، فعند اقتراض بلد إفريقي يتم فرض قسط إضافي تلقائيا عليه بنسبة 2.9 % لمجرد أنه موجود في إفريقيا، وقبل عامين أنفقت الأسواق الناشئة ما يقرب من 8 % من ناتجها المحلي الإجمالي لخدمة الدين، وفي الاقتصادات المتقدمة بالكاد وصل هذا المعدل إلى 1 %، وخلال جائحة كورونا تم خفض التصنيف الائتماني لنحو 41 % من البلدان الإفريقية، ما رفع معدل الفائدة واجبة السداد على ما تتلقاه من قروض.

هذا الوضع يجعل البعض يحمل وكالات التصنيف الائتماني الثلاث الكبرى "ستاندرد آند بورز، وموديز، وفيتش" جزءا كبيرا من أزمة المديونية الإفريقية، فالوكالات الثلاث تقيم أكثر من 90 % من أسواق الديون، وتقوم بتسعير المخاطر التي تتعرض لها الحكومات الإفريقية، وغالبا ما تبالغ في تقدير المخاطر في هذه الأسواق وتحدد معدلات أعلى من اللازم بالنسبة إلى البلدان الإفريقية، وتتفاقم المشكلة بسبب أن وكالات التصنيف الائتماني تتمتع بخبرة محدودة نسبيا في أسواق البلدان ذات الدخل المنخفض.

 ويضيف "حل أزمة الديون الإفريقية يتطلب إشراك كل اللاعبين، وتوجيه أصابع الاتهام إلى طرف محدد لن يساعد على التوصل إلى حل، وقد فشلت الجهود الدولية السابقة جزئيا لأنها فشلت في التكيف مع احتياجات جميع المقرضين والمقترضين، ولن تحل تلك الأزمة من تلقاء نفسها، وهذا يعني أنه إذا لم تتعاون الولايات المتحدة والصين ونادي باريس لحل مشكلة الديون الإفريقية فإن الأزمة لن تتفاقم فقط، بل ستنفجر حتما، وستحطم في طريقها الإنجازات التي حققتها القارة في عقود".

 

 



التعليقات