أبحاث
كتب فاطيمة طيبى 6 أكتوبر 2021 12:44 م - التعليقات أول تداعيات "بريكست" ..نقص السائقين و بريطانيا على ابواب أزمات مختلفة اعداد ، فاطيمة طيبي حذرت جمعية النقل البري في المملكة المتحدة في يونيو 2021 من تداعيات نقص 65 ألف سائق مدرب، وتأثير ذلك في سرعة وتكلفة عمليات تسليم السلع والبضائع في جميع أنحاء المملكة المتحدة. ـ الحل المؤقت: المعطيات الراهنة، تشير إلى أن وزارة الدفاع البريطانية يمكنها أن تنشر نحو 75 سائقا عسكريا، ويمكن إضافة 75 آخرين إذا لزم الأمر للمساعدة في تخفيف مشكلات إمداد الوقود، بعد أيام من الطوابير الممتدة لكيلو مترات، وإغلاق العشرات، بل المئات من محطات الوقود. وفي الواقع، فإن العشرات من عناصر القوات المسلحة البريطانية تم نشرهم بالفعل في اسكتلندا، ولكن للعمل كسائقين لسيارات الإسعاف العاملة في القطاع الصحي، وذلك لعدم قدرة القطاع الطبي الحكومي في اسكتلندا على التعامل مع الأعداد المتزايدة من المصابين بفيروس كوفيد - 19، وعدم توافر سائقين للعمل على سيارات الإسعاف المخصصة لنقل المرضى، لكن تلك المشكلة تبدو محدودة، مقارنة بأزمة الوقود الراهنة. استعداد أفراد القوات المسلحة للتدخل للحيلولة دون مزيد من تدهور الوضع، لم يكن المعطى السلبي الوحيد الذي كشف عن عجز الجهاز المدني على التعامل مع الأزمة بشكل سريع، وإنما شهدت الأسواق ارتفاعا في أسعار البنزين الخالي من الرصاص، ليبلغ أعلى مستوى له منذ ثمانية أعوام، كما استغل عديد من محال التجزئة الأزمة، وزاد من أسعار السلع والخدمات، إضافة إلى بروز أمراض اجتماعية ذات طابع اقتصادي تترافق غالبا مع مثل تلك الأوضاع المزرية أبرزها ظهور سوق سوداء للتجارة في الوقود. ـ بداية ازمة نقص الوقود في المملكة المتحدة: بدأت الحكاية مع بداية الاسبوع الثالث من شهر سبتمبر 2021 عندما حذرت شركة بريتيش بتروليوم من أنها ستضطر إلى إغلاق مجموعة من محطات الوقود مؤقتا، اي ما محموعه 1200 محطة وقود، كما قيدت إمدادات الوقود في محطات أخرى، لكن الشركة أوضحت أن سبب نقص الوقود ليس لها يد فيه ، انما السبب الحقيقي يعود الى نقص في سائقي شاحنات الوقود. وفي نهاية اليوم عديد من الوزراء الحكوميين قامو بجولة داخل القنوات التلفزيونية لإيضاح الموقف، ولطمأنة الرأي العام حيث أكدوا عدم نقص في الوقود، الا ان الإغلاق لم يطل إلا خمس محطات فقط، ما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي لم يكن لتلك التصريحات اي تأثير يذكر. في اليوم التالي، أعلنت جمعية تجارة التجزئة للبنزين وتمثل نحو 5500 من محطات تعبئة الوقود في المملكة المتحدة البالغ عددها 8000 محطة، أن ما يصل إلى ثلثي منافذ بيع الوقود قد نفد الوقود لديها والبقية "جافة جزئيا وستنفد قريبا" بالطبع لم تكن حدة الأزمة أو المخاوف الناجمة عنها موزعة بالتساوي إذا جاز التعبير على كامل المملكة المتحدة، فالمناطق الحضرية كانت أكثر تضررا، كما أن أيرلندا الشمالية لم تتأثر بالأزمة. وليم فورست، نائب رئيس قسم المتابعة في جمعية تجارة التجزئة للبنزين يعلق قائلا: "لا يوجد لدينا مشكلة في توافر الوقود، فالوقود متوافر في مراكز التخزين في المملكة المتحدة، ولكن لا يوجد لدينا عدد كاف من سائقي الشاحنات الثقيلة في المملكة المتحدة ،والذي وصل الى 100 ألف سائق شاحنة حاليا، وبذلك فالأزمة يحتمل ألا تقف عند الوقود، ويرجح أن تمتد إلى قطاعات أخرى سريعا بسبب ارتباك سلاسل التوريد ". وبالفعل نقص أعداد سائقي الشاحنات، ادى إلى ارتباك سلاسل التوريد في عديد من القطاعات الأخرى أبرزها القطاع الغذائي، إذ اضطرت بعض المطاعم الشهيرة إلى إغلاق العشرات من فروعها ودفع هذا الوضع بـ"هيئة صناعة المواد الغذائية" بأن تبعث برسالة تحذيرية عاجلة ورسمية إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون. وأكدت في رسالتها على أنها تخلي مسؤوليتها، فيما يتعلق بالنقص المتوقع في المواد الغذائية خلال فترة الأعياد، مع توقعها أن يصاب المواطنون بحالة من الذعر والفزع ربما تتجاوز ما أصيبوا به خلال أيام من نقص الوقود، مشددين على أنه إذا ما حلت فترة الأعياد دون أن تتوافر المواد الغذائية الضرورية لتلبية احتياجات المستهلكين، فإن الأوضاع ستكون سيئة. ـ من المسؤول..؟: حملت "هيئة صناعة المواد الغذائية" الحكومة مسؤولية نقص الأيدي العاملة وانخفاض أعداد سائقي الشاحنات، وعدم توافر الكميات اللازمة من غاز ثاني أكسيد الكربون الذي يعد ضروريا في صناعة المشروبات الغازية، وعديد من المواد الغذائية التي يتم تجميدها. وتضافر مع ذلك الوضع إبلاغ كبار المسؤولين الحكوميين رئيس الوزراء البريطاني في أن نقص ثاني أكسيد الكربون قد يدفعهم إلى إغلاق محطات الطاقة النووية المبردة بالغاز لضرورية غاز ثاني أكسيد لكربون في عملية التبريد، وهو ما دفع بالحكومة إلى الإسراع بالتدخل لإنقاذ شركة أمريكية والحيلولة دون توقفها عن العمل، لامدادها بريطانيا بـ 60 % من حاجتها من ثاني أكسيد الكربون، وإذا كان نقص سائقي الشاحنات في الوقت الراهن ظاهرة ملحوظة في عديد من الاقتصادات الأوروبية، فإن بريطانيا كانت أكثرهم تضررا لعديد من الأسباب. وتتفق الدكتورة فيفيان ريد كليف، أستاذة الاقتصاد الأوروبي في جامعة ليدز ترينتي مع ما صرح به أولاف شولتز زعيم الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي احتل المركز الأول في الانتخابات الألمانية، في أن بريطانيا بخروجها من الاتحاد الأوروبي وما ترتب على ذلك من إنهاء حرية التنقل بين المملكة والاتحاد، سبب أزمة الوقود الحالية في المملكة المتحدة. وتقول : "بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي عاد عديد من السائقين الأوروبيين إلى بلدانهم الأصلية، أو قرروا العمل في بلد أوروبي آخر، لأن العمل في المملكة المتحدة ينطوي على بيروقراطية مفرطة في المناطق الحدودية والتي تؤثر سلبا على اجورهم، خاصة مع التغييرات الضريبية وقوانين الهجرة الجديدة المشددة، ما دفع عديدا من العمال الأجانب في البحث عن وجهات عمل أخرى أقل صرامة، وليس فقط سائقي الشاحنات". وتضيف: "كما أن جائحة كورونا زادت من تعقيدات الوضع، فالمملكة المتحدة كانت أكثر أو من أكثر البلدان الأوروبية تضررا، ومع قيود السفر والبقاء في المنزل خلال العام ونصف العام الماضيين، فإن عديدا من الأشخاص ومن بينهم سائقو الشاحنات فضلوا العودة لأوطانهم، ولم تعد الأغلبية العظمى منهم لبريطانيا. وأكدت أنه ليس من المتوقع أن يعودوا، كما أن عمليات الإغلاق بسبب وباء كورونا، أدت لإغلاق مراكز تدريب واختبار سائقي الشاحنات، ما يعني أن هناك أعدادا أقل من السائقين دربوا واختبروا، وكان عدد السائقين القادرين على اجتياز الاختبار في 2020 أقل من 25 ألف سائقا، مقارنة بعام 2019، وكثير من السائقين الكبار في السن تقاعدوا ولم يتم تعويضهم بسائقين جدد". لكن بعض أعضاء حزب المحافظين مثل دانيل كبلينج، نائب رئيس فرع الحزب في منطقة أوربينجتون يحمل وسائل الإعلام مسؤولية الأزمة الراهنة إلى حد كبير، إذ يقول "باعتراف الجميع وفي مقدمتها شركات النفط هناك كثير من الوقود المتاح، والنقص الحالي سببه ارتفاع مؤقت في الطلب نتيجة حالة الذعر، التي دفعت المستهلكين إلى الشراء غير المبرر وتخزين النفط، نتيجة لما يروج إعلاميا . ـ ارتفاع الطلب على الوقود: كانت جمعية تجارة التجزئة للبنزين قد أعلنت أن الطلب على الوقود ارتفع 500 %، عما كان عليه قبل أسبوع في إحدى محطات الوقود، وأعلن بنك إتش إس بي سي أن قيمة المعاملات في محطات الوقود خلال عطلة الأسبوع الواحد، زادت بمقدار الثلثين. الضغط الشعبي بالاضافة الى صورة بريطانيا على المستوى الدولي ، دفع الحكومة إلى البحث سريعا عن حلول لمواجهة الأزمة، منها : ـ تعليق قانون المنافسة بين شركات النفط، بما يسهل على الشركات تبادل المعلومات حول إمدادات الوقود وإعطاء الأولوية للمناطق الأكثر احتياجا، وتسهيل الإجراءات الخاصة بمنح رخصة قيادة سائق شاحنة، إضافة إلى إرسال نحو مليون خطاب إلى مليون من سائقي الشاحنات في المملكة المتحدة والذين يحملون رخصة قيادة لكنهم لا يريدون العمل لعديد من الأسباب منها انخفاض الرواتب. ـ كما شملت الإجراءات خطة لتدريب أربعة آلاف فرد للعمل كسائقي شاحنات خلال فترة وجيزة، كما أعلنت الحكومة البريطانية ايضا أنها ستقدم تأشيرات مؤقتة لخمسة آلاف من سائقي الشاحنات وصهاريج الوقود وشاحنات الطعام للعمل في المملكة المتحدة يعتقد كاري جراينت من اتحاد سائقي الشاحنات أن تلك الحلول قد تخفف نسبيا من المشكلة حاليا، لكن لن تمثل حلا ناجعا طويل الأمد لها، كما أن المشكلة يمكن أن تتكرر مرة أخرى في فترة أعياد الميلاد. ويقول :"إذا كان العجز الراهن في سائقي الشاحنات في المملكة المتحدة وصل الى 100 ألف سائق، فإن تلك المشكلة موجودة منذ أعوام لأن متوسط عمر السائق 55 عاما، والصناعة غير جذابة، وظروف العمل غير جيدة". والحلول الحكومية المطروحة لن تفلح في حل الأزمة خلال أيام، وربما يتطلب الأمر أسابيع، كما أن الزيادة، التي ستتحقق في أعداد السائقين ستكون محدود ولن تغطي في أفضل التقديرات ربع العجز الراهن، وهناك شكوك في أن تجذب التأشيرات المؤقتة لسائقي الشاحنات الأوروبية السائقين للقدوم للعمل في بريطانيا، لأن تلك التأشيرات مؤقتة ومرتبطة بفترة زمنية محددة هي ستة أشهر، ونحن نقترب من فترة أعياد الميلاد، حيث يفضل كثير من سائقي الشاحنات البقاء في أوطانهم بجوار الأسرة للاحتفال بالأعياد". والحل يكمن في تحسين الطريقة، التي يعامل بها سائقو الشاحنات، بما يعنيه ذلك من زيادة الرواتب، ما يمكن أن يجذب جزءا كبيرا من نحو مليون بريطاني يحملون رخص قيادة شاحنات وصهاريج وقود، لكن مشكلة اليوم لم تكن سلبية في جوانبها كافة، فالمعاناة في الحصول على الوقود دفعت كثيرا من البريطانيين في النظر في بديل آخر، باستبدال مركباتهم الحالية، التي تعمل بالوقود بسيارات كهربائية أو هجينة، فقد زادت نسبة مشاهدات الإعلانات الخاصة بالسيارات الكهربائية الجديدة والمستعملة 28 و61 % على التوالي. كما شهدت الأسواق زيادة في عدد الأشخاص، الذين يرسلون استفسارات لشركات وبائعي السيارات الكهربائية للاستفسارعن الأسعار، وتقدر بعض مواقع بيع السيارات على الإنترنت أن أربعا من كل خمس من أفضل السيارات الجديدة أداء من وجهة نظر المستهلكين كانت سيارات كهربائية. ويقول آرثر دين من موقع أوتو تريدر لتجارة السيارات "حتى عندما يتوافر الوقود في محطات الوقود، فإن قلق المستهلكين لن يتلاشى، فتلك التجربة ستكون عالقة في أذهانهم لفترة طويلة، ربما تكون كفيلة بتحفيز مالكي السيارات للقيام بعملية تحول من السيارات التقليدية إلى السيارات الكهربائية، لكن الأمر سيكون في حاجة إلى تحفيز ودعم حكومي .
|
|||||||||||||||