أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
11 يوليو 2023 3:30 م
-
فشل العقوبات على روسيا سببها النجاح بتعزيز علاقات تجارية قوية بالصين والهند والتعاون بجنوب إفريقيا

فشل العقوبات على روسيا سببها النجاح بتعزيز علاقات تجارية قوية بالصين والهند والتعاون بجنوب إفريقيا

اعداد ـ فاطيمة طيبي

قامت صحيفة "وول ستريت جورنال" الاقتصادية الامريكية  ذات الانتشار الواسع بنشر مقال بعنوان "فشلت العقوبات حتى الآن في تقويض جهود روسيا الحربية"، من جهة اخرى نشرت صحيفة "إندبندنت" البريطانية في نسختها الإلكترونية مقالا   تقول فيه" الاقتصاد الروسي يعاني نتيجة العقوبات لكنه لم "يختنق" .

استطلعت آراء مجموعة من الخبراء لمعرفة تفاصيل المشهد العام لتأثير العقوبات مع دخول الحرب عامها الثاني، على الاقتصاد الروسي. الذي أثبت قدرة كبيرة على استيعابه للازمة .

 قالت الدكتورة لورين آرثر، أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة إدنبره، ومن أبرز مناصري فكرة العقوبات الاقتصادية الدولية، باعتبارها وسيلة فعالة للضغط على روسيا للرضوخ للقرارات الدولية، إن "العقوبات أوجدت عالما جديدا بالنسبة إلى روسيا، حتى لو تم عكس العقوبات خاصة المالية، فإن التكامل الاقتصادي مع الغرب لن يعود إلى طبيعته، هذا التكامل ضروري لتنهض روسيا اقتصاديا، ففي نهاية المطاف روسيا قوة اقتصادية عظمى بفضل مواردها الطبيعية، وليس بفضل قدرتها التكنولوجية، لذلك فهي في حاجة إلينا".

وأضافت "الولايات المتحدة طبقت خريطة الطريق التي اتبعتها مع إيران على روسيا، والعقوبات التي فرضت على إيران لعقود جعلت وضعها الاقتصادي مزريا، فالاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي الروسي جمدت، وتم فصل بعض البنوك عن منظومة سويفت، وحظر بيع التقنيات الرئيسة في مجالات الفضاء وأشباه الموصلات، وغادرت الشركات العالمية متعددة الجنسيات خوفا على سمعتها وتأثير مزيد من العقوبات فيها، بالتأكيد حجم روسيا يساعدها على استيعاب بعض تلك العقوبات، لكن على الأمد الطويل لن تصمد ومن غير المرجح أن تسارع الشركات الأجنبية بالعودة إلى الأسواق الروسية حتى لو تم رفع الحظر الحالي".

 الدعم والتأييد لهذا الراي  من قبل إم. سي ريتشارد رجل الأعمال البريطاني عضو حزب المحافظين، الذي يرى أن العقوبات مثل تحركات الصفائح التكتونية في جوف الأرض تتحرك ببطء شديد لكن تأثيرها ضخم يعيد تشكيل جغرافيا الكرة الأرضية، لهذا يعتقد أن الولايات المتحدة وحلفاءها وضعوا استراتيجية من نوع جديد، فالعقوبات الاقتصادية على روسيا تهدف إلى إحداث أقصى قدر من الألم بحيث ينكسر الاقتصاد الروسي مع مرور الوقت.

ـ أندرو تيم :العقوبات لن تنجح إذا قيس النجاح بوقف الحرب، التي بامكانها التاثير على في صنع القرار الروسي في المستقبل :

وقال ريتشارد ، إن "أكثر من ألف شركة أوقفت عملياتها في روسيا بعد الحرب في 24 فبراير 2022، وهذا العدد يبلغ ستة أضعاف ما حدث في جنوب إفريقيا خلال المقاطعات الجماعية في حقبة الفصل العنصري في ثمانينيات القرن الماضي، وهناك عديد من المؤشرات على أن العقوبات قوضت المجمع الصناعي العسكري الروسي".

وأشار إلى أنه "في الأسابيع التي تلت عبور القوات الروسية الحدود الأوكرانية تعرض ما يقرب من 2400 كيان روسي للعقوبات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، ومنذ العقوبات هبطت روسيا فعليا إلى دور أصغر بكثير في الاقتصاد العالمي، ولا سيما مع نجاح الشركات الأوروبية في إعادة تنظيم سلاسل التوريد الخاصة بها".

في المقابل، وبالنسبة إلى الباحث الاقتصادي أندرو تيم، فيرجح أن "تؤدي العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا إلى تعطيل الاقتصاد، وأن ترفع بشكل حاد تكاليف الحرب، إلا أن ذلك لا يعني أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سيسحب قواته من أوكرانيا، أو أن قبضته على السلطة ستتراخى، وإذا كانت العقوبات تهدف إلى تغيير الموقف الروسي فإنها أداة فاشلة، فالقليل جدا في تاريخ العقوبات الاقتصادية يظهر أنها تستطيع حمل الدولة المستهدفة على تغيير سياساتها".

وفي الواقع، فإن العقوبات لديها سجل مختلط، فقد كانت دائما واحدة من أدوات الحرب عبر التاريخ، خاصة التاريخ الحديث، لكنها فشلت في كثير من الأحيان في إحداث تغيير في النظام. وتشير التجربة التاريخية إلى أن الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى شجعت فكرة الحرب الاقتصادية ضد البلدان الأصغر، مثل دول البلقان وإسبانيا الفاشية، لكن ذلك أدى إلى نتائج عكسية ظهر مدى خطورتها في اليابان وألمانيا.

واضاف أندرو تيم إن"العقوبات لن تنجح إذا قيس النجاح بأنه وقف الحرب، لكن العقوبات يمكن أن تؤثر في صنع القرار الروسي في المستقبل، وتؤثر في نظرة الصين إلى تكاليف السيطرة على تايوان"، مضيفا أن "العقوبات يمكن أن تكون وسيلة لاستنزاف الخصم، لكنها بالتأكيد وسيلة فاشلة إذا كان البعض يتصور أن تؤدي إلى هزيمة روسيا بالضربة القاضية لأن تأثيرها سيطول الجميع ويستنزفهم في المحصلة النهائية".

غير ان موقف المحلل السياسي دميان دين يبدو  أكثر تشككا في نجاح العقوبات المفروضة على روسيا على تحقيق أهدافها سواء في المدى المتوسط أو الطويل. وذكر دين أن هناك مؤشرات تكشف عن أن روسيا تمكنت بالفعل من تحاشي بعض العقوبات، وبعض العقوبات لم تكن فعالة، والتراجع الاقتصادي الروسي كان طفيفا العام الماضي لا يتناسب مع قسوة العقوبات واتساع مداها، كما يتوقع البنك الدولي   نمو الاقتصاد الروسي رغم العقوبات بنسبة 0.7 % هذا العام 2023 ، فروسيا تصدر 8.3 مليون برميل من النفط يوميا وهو أعلى مستوى منذ أبريل 2022.

مضيفا انه لربما يرجع إخفاق العقوبات في أن تحرز نتيجة فعالة أن الاقتصاد الروسي يعتمد في قوته على تصدير ترسانة ضخمة من الموارد الطبيعية، ومن ثم إغلاق الغرب أسواقه أمام البضائع الروسية  وهذا لا ينفي وجود أسواق بديلة، وشهدت الصناعات المعدنية الروسية زيادة كبيرة في الإنتاج، وتلك علامة واضحة على نجاح بعض فروع المجمع الصناعي العسكري في عملية التكيف، وصناعة المواد الغذائية تمكنت من الانتعاش من خلال ظهور شركات محلية حلت محل العلامات التجارية الغربية، الا ان الوضع لا يبدو شاعريا لكن بالنظر إلى قسوة العقوبات، فإن الاقتصاد الروسي في وضع قوي".

وتمهد وجهة النظر تلك الطريق لبروز وجهات نظر أكثر تشددا في رفضها للعقوبات وتعدها نموذجا للفشل الغربي في التعامل مع روسيا، وكيفية الضغط عليها لتغيير مواقفها السياسية.

 ـ جهود إعادة تشكيل العالم للتصدي للهيمنة الأمريكية:

من جانبها، سخرت لوسي صامويل الباحثة الاقتصادية في مجال الاقتصاد الدولي، من العقوبات بقولها إن النجاح الوحيد الذي حققته العقوبات يظهر في وسائل الإعلام الغربية، وليس على أرض الواقع في روسيا، حيث تعد احتمالية  التداعيات الجيوسياسية لتلك العقوبات قد تكون وخيمة على الغرب في الأمد الطويل.

 وذكرت أن "أخطر ما في العقوبات أنها أدت إلى بروز محور روسي ـ صيني كان الغرب في أمس الحاجة إلى أن يتجنبه، نعم موسكو تبدو كشريك أصغر للصين، لكن من المرجح أن يقدم الزعيم الصيني شي جين، شريان حياة قويا لبوتين، الذي سيبرز الآن باعتباره شريكا رئيسا في جهود إعادة تشكيل العالم للتصدي للهيمنة الأمريكية".مضيفة  أن السبب الرئيسي في فشل العقوبات نجاح روسيا في تعزيز علاقات تجارية أقوى مع الصين والهند واستفادة بوتين من إيران وكوريا الشمالية، وتزايد تعاون موسكو مع جنوب إفريقيا، فالعقوبات في جوهرها عقوبات غربية وليست دولية، وكي ينتج تأثير حقيقي للعقوبات لا بد أن تشارك تلك الدول فيها، وهذا لم يحدث، وفرض مجموعة السبع عقوبات على تلك الدول لتعاونها مع روسيا قد يؤدي إلى رد فعل يتمثل في فرض سياسات حمائية تتسبب في تراجع النمو الاقتصادي العالمي دون أن يؤثر في الآلة الحربية الروسية.

وتابع "أما الحديث عن ركود اقتصادي عميق في روسيا وزيادة الفقر وتدهور طويل الأجل للإمكانات الاقتصادية، فإنه يدخل في إطار التمنيات الغربية أكثر من كونه واقعا حقيقيا، فارتفاع أسعار الطاقة ونجاح "أوبك+" أديا إلى زيادة فائض الحساب الجاري الروسي وهو مقياس مهم لمدى قوة تجارتها الخارجية".

وتستدرك قائلة لم يتبق كثير في ترسانة الغرب من عقوبات على روسيا، والمتبقي لن يكون مجديا للحكومات الغربية، خاصة مع ارتفاع معدلات التضخم في الوقت الراهن، فمزيد من العقوبات يعني في واقع الأمر أن الغرب بات يطلق النار عشوائيا، وعند إطلاق النار عشوائيا يحتمل أن تصاب أنت ببعض الأعيرة النارية، دون أن تكون هناك ضمانات بأنك أفلحت في القضاء على خصمك.

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 8 ساعاتانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات