أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
28 يناير 2024 11:23 ص
-
نتيجة القلق الجيوسياسي الصين تنوع وارداتها الغذائية من إفريقيا وأمريكا اللاتينية بالتجارة الحرة

نتيجة القلق الجيوسياسي الصين تنوع وارداتها الغذائية من إفريقيا وأمريكا اللاتينية بالتجارة الحرة

اعداد ـ فاطيمة طيبي

قضية توفير الغذاء قضية أمن قومي لأي شعب من الشعوب، لكن في الحالة الصينية فالقضية لا تقف عند حدود الأمن القومي، ولا ترتبط فقط بواجبات حكومية تتعلق بضرورة تذليل جميع العقبات التي تحول دون توفير الطعام لثاني أكبر شعوب الكرة الأرضية، بعد أن تراجع موقع الصين أخيرا كأكثر بلدان الكرة الأرضية سكانا لمصلحة الهند التي باتت تحتل المرتبة الأولى حاليا.

ـ محدودية موارد الزراعة:

المجاعة التي ضربت الصين 1959ـ 1961 كانت الأكبر في تاريخ البشرية وراح ضحيتها 30 مليون نسمة. على الرغم من عدد سكان الصين الهائل ومساحتها الضخمة، إلا أن موارد الزراعة محدودة نسبيا، ما يجعل تأمين الغذاء قضية مركزية في الحياة الصينية ومصدر قلق دائم، اذ لدى الصين أقل من 10 % من الأراضي الصالحة للزراعة على مستوى العالم، والصين تنتج ربع الناتج العالمي من الحبوب، وعليها أن تغذي خمس سكان الكوكب.

وأظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاء أنه في عام 2022، وصل إنتاج الحبوب في الصين إلى مستوى قياسي زاد عن 686 مليون طن قليلا، على الرغم من الطقس القاسي واضطرابات كوفيد، وحاليا تحتل الصين المرتبة الأولى في إنتاج الحبوب مثل الأرز والذرة والقمح وأيضا المرتبة الأولى في إنتاج الفواكه والخضراوات واللحوم والدواجن والبيض ومنتجات الأسماك.

 ويرى البروفيسور دي. سي. فيليب أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة لندن سابقا والاستشاري في عدد من المؤسسات الدولية المعنية بالزراعة حاليا إنه "على الرغم من احتلال الصين المرتبة الأولى في إنتاج عديد من المواد الزراعية والغذائية، إلا أنها مستورد صاف للمنتجات الزراعية منذ عام 2004، واليوم تستورد مزيدا من المنتجات مثل فول الصويا والذرة والقمح والأرز ومنتجات الألبان بكميات متزايدة".كما اعتمدت الصين نهجا مزدوجا لتأمين احتياجاتها من الغذاء.

ـ المسار الأول: يعتمد على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الرئيسة وكذلك مصادر البروتين الضرورية، مع الاعتماد على السوق الدولية للحصول على إمدادات من المواد الغذائية غير الرئيسة خاصة فول الصويا.

ـ المسار الثاني: قامت بكين بتوسيع عملياتها الزراعية في الخارج وأصبحت لاعبا رئيسا في الاستثمار الزراعي والبنية التحتية ذات الصلة بما في ذلك الأراضي الزراعية، ففي عام 2021 مثلا امتلك المستثمرون الصينيون أكثر من 383.9 ألف فدان من الأراضي الزراعية في الولايات المتحدة أي نحو 1 % من ممتلكات الأجانب من الأراضي الزراعية".

تدرك بكين أن حماية الإمدادات الغذائية وسط حالات عدم اليقين الجيوسياسية الراهنة يعد أمرا ضروريا، ما يدفعها إلى تنويع وارداتها الغذائية من إفريقيا وأمريكا اللاتينية عبر اتفاقيات التجارة الحرة.

ـ صادرات صينية الى افريقيا وأمريكا اللاتينية:

في عام 2021 كانت الصين ثاني أكبر وجهة للصادرات الزراعية الإفريقية بعد الاتحاد الأوروبي، وارتفعت الواردات الصينية من إفريقيا بنسبة 18 % في عام 2021، وقد اقترحت الصين إنشاء ممرات خضراء بين الصين وإفريقيا لتسريع عمليات التفتيش والحجر الصحي والتخلي عن بعض التعريفات الجمركية بحيث يمكن أن تصل الواردات الزراعية الصينية من إفريقيا إلى 300 مليون دولار بحلول عام 2025.

أما بالنسبة لأمريكا اللاتينية فيقدر حجم الأراضي المملوكة أو المستأجرة من قبل الشركات الصينية بين 300 ألف ومليون هكتار، كما أن الصين وقعت أكثر من 100 اتفاقية تعاون زراعي مع دول مبادرة الحزام والطريق، في آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية.

مع هذا يشير البعض إلى أنه خلال العقدين الأولين من هذا القرن انخفضت نسبة الاكتفاء الذاتي الغذائي في الصين من 96 % إلى 66 % ، كما تغيرت أنماط النظام الغذائي لدى الشعب الصيني، ما أدى إلى زيادة الواردات من زيوت الطعام والسكر واللحوم، وقد وصلت نسبة اعتماد الصين على استيراد زيوت الطعام إلى ما يقرب من 70 %.

وترى الدكتورة فيولن وليام أستاذة الاقتصاد الصيني في جامعة كامبريدج أن المخاوف الخاصة بأزمة غذائية في الصين أمر مبالغ فيه، حيث إن الصين لديها عديد من المقومات التي تمكنها من تفادي هذا المأزق، وحتى لو واجهت تحديا من هذا القبيل، فإن ما تتمتع به من احتياطات مالية يمكنها من مواجهة تلك المشكلات.

كما إن زيادة الطلب الصيني على المواد الغذائية يعود إلى عملية التحديث واسعة النطاق والمتواصلة منذ عقود، فالطبقة المتوسطة في الصين تزداد عددا ويرتفع مستوى معيشتها، ولهذا تطلب طعاما أكثر تنوعا وأعلى جودة، كما أن الصين رفعت من المعايير الوطنية لسلامة الغذاء، وهناك طلب متزايد على العلامات التجارية الغذائية الدولية، وبعض الواردات الغذائية أقل تكلفة مقارنة بالإنتاج المحلي، أبرزها فول الصويا".

ـ تحدي الانتاج الزراعي :

مع هذا تعتقد الدكتورة فيولن وليام أن التحدي الأكبر للصين في مجال الإنتاج الزراعي، الذي قد يدفعها لمزيد من الاستيراد يعود إلى تقلص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة، إذ فقدت الصين بين عامي 2013 و2019 أكثر من 5 %   من أراضيها بسبب الاستخدام المفرط للأسمدة أو إهمال الأراضي الزراعية، كما أن التغييرات المناخية وفقا لبعض التقديرات أدت إلى ترجع غلة المحصول بنسبة 10 في المائة.

على الرغم من أن الأمن الغذائي كان على رأس جدول أعمال الحكومة الصينية، إلا أن الحاجة الملحة للغذاء ارتفعت  في 2023 بسبب ارتفاع الأسعار الدولية للغذاء والأسمدة مع تواصل الحرب الروسية الأوكرانية، وقد قدمت الحكومة

1 ـ  دعم بنحو 6 مليارات دولار لمزارعي الحبوب لتحفيزهم على زيادة الإنتاج .

2 ـ  أفرجت عن ما يقرب من 10 ملايين طن من احتياطات الأسمدة لديها لضمان استقرار أسعار السوق والإنتاج .

3 ـ  كثفت من جهود إصلاح مزيد من الأراضي الزراعية من جانب، والعمل على تحويل مزيد من الأراضي الصالحة للزراعة إلى أراضي زراعية ذات إنتاجية أعلى من جانب آخر.

بدوره، يقول الباحث الزراعي إيثن هاري إن الصين تعمل على أكثر من مسار لضمان تأمين احتياجاتها الوطنية من الغذاء، وعلى الرغم من أهمية جانب العرض في تلك المسألة إلا أنها لا تهمل أيضا جانب الطلب.ويؤكد أن الحكومة تعمل على تقليل هدر الطعام من خلال مبادرات متعددة، وتشير بعض التقديرات إلى أن المستهلكين الصينيين في المدن الكبرى أهدروا ما يصل إلى 18 مليون طن من الطعام عام 2015، أي ما يكفي لإطعام 50 مليون شخص سنويا، إضافة إلى ذلك استخدمت الحكومة تشريعات لمكافحة إهدار الطعام وتحسين سلامة جودة الغذاء.مع هذا يعتقد بعض الخبراء أن الصين لا تنظر إلى أزمة الغذاء من مفهوم نقص أو عدم توافر المواد الغذائية، بقدر ما يقلقها أكثر أن تكون الأزمة الغذائية نتيجة الصراعات الجيو - سياسية، والاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية أو الاختناقات في المضائق البحرية الدولية.

وربما يفسر القلق  لها إلى حد كبير استحواذ الشركات الغذائية الصينية على عديد من شركات الحبوب متعددة الجنسيات، والسعي لامتلاك عدد من الموانئ والمحطات ومنشآت التخزين في مناطق إنتاج الحبوب الرئيسة في جميع أنحاء العالم لزيادة احتياطاتها الغذائية، وتفادي أي ارتباكات يمكن أن تنشأ من نقص أي مواد غذائية رئيسة في الأسواق المحلية لأمة يتجاوز عدد سكانها مليارا و400 مليون نسمة.

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 8 ساعاتانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات