أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
14 مايو 2024 10:45 ص
-
الصين في علاقتها الخارجية لم تستخدم مواردها كورقة ضغط على أي اقتصاد

الصين في علاقتها الخارجية لم تستخدم مواردها كورقة ضغط على أي اقتصاد

  

اعداد ـ فاطيمة طيبي

العلاقة الاقتصادية بين المانيا والصين بقدر ما جلبت فوائد  عديدة،  الا انها في المقابل تثير مخاوفا بشأن التبعيات الاقتصادية المحتملة لهذا الاعتماد المفرط. الذي يتجلى بوضوح في الشراكة التجارية في عديد من القطاعات الأساسية.

ـ مخاوف التبعيات الجيوسياسية :

تتجلى خطورة هذا الاعتماد المفرط عندما يتعرض الاقتصاد الألماني لتقلبات في اقتصاد الصين، سواء

 بسبب عوامل داخلية مثل:

ـ  التغيرات السياسية  .

ـ التغيرات الاقتصادية في بكين .

بسبب عوامل خارجية مثل ..

 ـ اسباب التحولات العالمية التي تؤثر على تدفقات التجارة.

ـ تزايد وارتفاع ، المخاوف بشأن التبعيات الجيوسياسية.

هنا  ومع النفوذ الصيني السريع و المتصاعد، ومخاوف توظيف بكين قوتها الاقتصادية والسياسية كوسيلة للضغط (على نهج روسيا فيما يخص صادرات الغاز على سبيل المثال ) .

ومن هنا  تنظر عديد من الشركات الألمانية، إلى حقيقة أن خطورة الاعتماد المفرط على الصين كسوق ومورد رئيسي لا يمكن تجاهلها، وأنه يتعين على الأطراف المعنية اتخاذ خطوات حاسمة لتقليل هذه الاعتمادية وتعزيز المرونة في الاقتصاد الألماني والشركات الألمانية.

ـ اعتماد الشركات الألمانية على الصين :

في هذا السياق، نقل تقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، عن المدير المالي لمجموعة سيمنز لتكنولوجيا البرمجيات، رالف توماس، حديثه عن المأزق الذي يواجه الشركات الغربية (لا سيما الألمانية) واعتمادها على بكين كسوق وكذلك كمورد. ولخص ذلفك في نقطتين اساسيتين .

1ـ سوف يستغرق الأمر "عقودا" حتى تتمكن الشركات المصنعة الألمانية من تقليل اعتمادها على الصين.

2 ـ لقد تطورت سلاسل القيمة العالمية على مدار الخمسين عاما الماضية.. لا يمكن الاعتقاد بأنه يمكن تغيير ذلك الأمر في غضون ستة أو 12 شهرا.. المسألة تحتاج إلى عقود.

تأتي تلك التعليقات في أعقاب تقرير صادر عن المعهد الاقتصادي الألماني، وجد أن الشركات في البلاد لم تحرز سوى تقدم ضئيل في "التخلص من المخاطر" في تعرضها للصين وتقليل اعتمادها على الواردات الحرجة منذ العام 2022.

وتعد الصين أكبر شريك تجاري منفرد لألمانيا، حيث بلغ إجمالي حجم تداول السلع بين البلدين 254 مليار يورو بين البلدين في العام 2023، وفقا لوكالة الإحصاء الألمانية.

هذه العلاقة، التي تمتد بين أكبر المجموعات الألمانية بما في ذلك فولكس فاجن وباسف إلى الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في البلاد، كان ينظر إليها منذ فترة طويلة على أنها ركيزة للقوة الاقتصادية للبلاد ونموذج للعولمة.

ـ ماذا عن  العلاقات الألمانية الصينية :

يشير الكاتب المتخصص في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة  لمواقع اعلامية عربية  إلى أن الاقتصاد الألماني متأثر حاليا بشكل كبير بكل التوترات الجيوسياسية؛ سواء كانت الحرب في أوكرانيا وكذلك الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وقد ظهر هذا التأثر على مستوى الطاقة وسلاسل التوريد.

كما ان هناك تفاهم ألماني صيني مميز، وهذا ما نتج عنه تعزيز ألمانيا من تعاونها مع بكين خلال الفترات الماضية، وذلك لعدة أسباب:

1 ـ الصين اقتصاد نشط يحقق معدلات نمو مرضية.   توجد خلافات بين ألمانيا (أكبر اقتصاد في أوروبا) والصين (ثاني أكبر اقتصاد في العالم) .

2 ـ  الصين بالنسبة للشركات الألمانية مكان جيد للاستثمار.

3 ـ ألمانيا تتمتع بعلاقة مميزة مع الصين وتضع خلافات الولايات المتحدة مع الصين جانبا في هذه العلاقة.. وهذا ما أظهره استطلاع للرأي أجري منذ نهاية يناير2024  أظهر أن الشركات الألمانية العاملة في الصين أظهرت رغبتها في زيادة استثماراتها هناك بشكل كبير".

 ـ علاقات دافئة :

من الجانب الاخر نجد  أن الصين تحرص على أن تكون علاقتها بدول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا وفرنسا دافئة، عوضا عن العلاقات المتوترة مع الولايات المتحدة، لأن اعتماد الكثير من الشركات الألمانية على نسبة ليست بالقليلة من المواد الأولية القادمة من الصين في صناعتها لا يشكل تهديدا للاقتصاد الألماني، بسبب:

ـ الصين في علاقتها الخارجية لم يسبق لها أن استخدمت مواردها كورقة ضغط على أي اقتصاد.

ـ أظهرت التحليلات التي أجرتها مراكز البحث الصينية خلال العام الأخير مناشدة الحكومة الصينية بتعزيز علاقتها مع شعوب الاتحاد الأوروبي، معتبرين أن مستقبل الصين في علاقة قوية مع دول الاتحاد الأوروبي.

ـ تحذيرات ومواقف متضاربة :

وكان البنك المركزي الألماني، قد حذر في عام2023  من أن الاعتماد المفرط على الصين هو السبب في أن "نموذج الأعمال الألماني في خطر". وفي شهر يوليو 2023 ، دعت وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بيربوك، الشركات الألمانية إلى تقليل اعتمادها على الصين.

فيما كان مسؤول حكومي ألماني قد قال في وقت سابق: "نريد توسيع التجارة مع الصين بشكل أكبر، مع الأخذ في الاعتبار الحاجة إلى الحد من المخاطر والتنويع.. سيكون من سوء الفهم الفادح الاعتقاد بأن نية هذه الحكومة الرغبة في خفض التجارة مع الصين"، حسب ما نقلته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.

كما انه وفيما يتعلق بالتبعيات الحرجة، لابد من معالجتها. تفاديا الانغلاق على الذات لكن الرغبة الاساسية  أن تكون هناك  شراكات متوازنة .

وقدر تقرير منفصل صدر في الثالث عشر من شهر ابريل من العام الحالي  عن معهد "كيل" أن دعم بكين لصناعاتها المحلية، بما في ذلك شركات مثل BYD، تراوح بين ثلاثة إلى تسعة أضعاف دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الأخرى.

وفي هذا السياق، قال المدير المالي لمجموعة سيمنز لتكنولوجيا البرمجيات، إن الشركة قررت أنها "لا تستطيع تحمل عدم التواجد في الصين". وأضاف أن صعود المنافسين المحليين الشرسين كان بمثابة "تحدي"، الا  أنه  إذا كنت تستطيع تحمل حرارة المطبخ الصيني، فأنت ناجح في أماكن أخرى أيضا .

وفي افتتاحية الأسبوع الثاني من ابريل  لصحيفة جلوبال تايمز المملوكة للدولة، حول زيارة وفد ألماني لبكين، أقرت بأن العلاقة بين البلدين "تواجه بعض التحديات، مثل الوصول إلى الأسواق والمنافسة العادلة". وأضافت: "ومع ذلك، لا ينبغي أن تكون هذه التحديات ذريعة لإخراج التعاون الثنائي عن مساره الإيجابي".

ـ معضلة الاقتصاد الألماني :

من برلين، يقول منسق العلاقات الألمانية العربية في البرلمان الألماني، خبير العلاقات الدولية، الدكتور عبد المسيح الشامي، في تصريحات خاصة له ، إن الاقتصاد الألماني يعاني حاليا من  عدة عوامل تجعله على شفا مرحلة "الانهيار الاقتصادي"، من بين تلك العوامل ما يلي:

1 ـ شح الموارد وقلة الشركاء الذين كانت تعتمد عليهم برلين تحديدا في تشغيل اقتصادها.

2 ـ حرمان ألمانيا مما كانت تستفيد منه من روسيا قبل قطع العلاقات خصوصا من الطاقة والمواد الأولية، على سبيل المثال ألمانيا كانت تحصل على النفط والطاقة الروسية بأسعار رمزية وتبيعها إلى كامل الاتحاد الأوروبي وتربح أضعاف ما تربحه روسيا نفسها، فهي كانت بمثابة المالك الحقيقي لمصادر الطاقة الروسية!

3 ـ ارتفاع حجم الإنفاق على قطاع الدفاع، من خلال زيادات لم تكن موجودة في السابق، خصوصا وأنه قطاع يحتاج إلى استثمارات ضخمة، وهذا ما نجم عنه ارتفاع حجم المخصصات بشكل كبير جدا (بما أثر على الإنفاق على قطاعات أخرى) .

4 ـ تراجع الدخل بشكل كبير، وكذلك تقلص حجم الطبقة المتوسطة في ألمانيا، وهو ما تزامن أيضا مع حالات إفلاس الشركات التي طفت على السطح أخيرا . وهذا ما نتج عنه تراجع كبير في حجم الطبقة المتوسطة التي كانت تعتمد عليها الحكومة الألمانية في جباية الضرائب لدعم الاقتصاد.

5 ـ ارتفاع أسعار المواد الأولية أضعافا مضاعفة، مقارنة بما كانت تحصل عليه ألمانيا قبل الحرب في أوكرانيا.

ـ العلاقة بين ألمانيا والصين :

وبعد استعراض "معضلة الاقتصاد الألماني" على ذلك النحو، يتطرق الشامي إلى العلاقة بين ألمانيا والصين بشكل خاص، قائلا إنه مع قطع العلاقات مع ألمانيا وروسيا بصورة عملية عززت برلين اعتمادها بشكل كبير على الصين في تدبير المواد الأولية اللازمة لصناعتها، بينما الدور الذي كانت تلعبه روسيا في الاقتصاد الألماني خصوصا فيما يتعلق بالتبادل التجاري لم تستطع أية دولة تعويضه.

كما ان  الولايات المتحدة الأميركية نفسها لم تقدم أي شيء للاقتصاد الألماني، بل إنها أخذت منه الكثير وسحبت منه عناصر قوته.. على سبيل المثال الكثير من رؤوس الأموال انتقلت إلى أميركا عبر برامج لإغراء الكثير من رجال الأعمال للانتقال من ألمانيا إلى أميركا (..)".

وتتعدد مخاطر الاعتماد الألماني على الصين وأطراف دولية أخرى، بما يعزز من حجم المعضلات التي تواجهها الشركات الألمانية واقتصاد برلين بصفة عامة.

وفي تقدير الشامي، فإن المخاطر الحقيقية التي تواجه الاقتصاد الألماني حاليا في هذا السياق تتمثل في تراجع قدرة الدولة على تأمين احتياجات الاقتصاد الألماني من المواد الأولية بشكل مستقل. علاوة على عدم قدرة الحكومة الألمانية على تمويل الأولويات الاقتصادية كما كان في السابق بسبب الاستنزاف الكبير للموارد بعد الحرب في أوكرانيا والأزمة الاقتصادية التي حدثت نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضت من قبل أوروبا والغرب على روسيا وانعكست سلبا على الاقتصاد الألماني.

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 8 ساعاتانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات