أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
7 أكتوبر 2024 3:00 م
-
المخاطر المتوقعة لـ "الحرب التجارية القادمة" مع الصين

المخاطر المتوقعة لـ "الحرب التجارية القادمة" مع الصين

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

وفق تقرير للمجلس الأطلسي، انه نظرا إلى أن بكين تعطي الأولوية الآن لمنتجات التصنيع التي تتطلب عمليات أكثر تعقيدا ذات قيمة مضافة أعلى ، مثل البطاريات والمركبات الكهربائية والألواح الشمسية، فمن المرجح أن تفرض المزيد من التعريفات الجمركية بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية. 

 رغم ان الولايات المتحدة فرضت  سلسلة من التعريفات الجمركية على السلع الصينية؛  في سنة 2018 بسبب العجز التجاري والممارسات التجارية التي تعتقد بأنها تضر بشكل غير عادل بالصناعات الأميركية.  

الا انه  ووفقا للبيانات الصينية، إن العجز الأميركي لم يرتفع إلا في السنوات الفاصلة، إذ تضاعف إجمالي العجز العالمي في السلع مع الصين من 420 مليار دولار في العام 2017 إلى 822 مليار دولار في العام  2023.  

ـ تغيير الرسوم :  

استهدفت الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة في عام 2018 في المقام الأول المدخلات الوسيطة والمعدات الصينية. الا انه وفي سنة  2025، سوف تتشارك بلدان أخرى في المخاوف بشأن تأثير توسع الصادرات الصينية. 

ومن المرجح  حاليا أن تستهدف هذه البلدان السلع الاستهلاكية النهائية لحماية الصناعات المحلية وتجنب فرض تكاليف على سلاسل التوريد الخاصة بها.

يشير تقرير المجلس الأطلسي ايضا  إلى أنه في 2023، عانت 150 دولة من عجز في تجارة السلع مع الصين. حيث اتسع عجز التجارة البينية  للسلع بالنسبة للاقتصادات في مختلف أنحاء العالم ومستويات الدخل في عام 2023 مقارنة بـ    2017. فالعجز التجاري البيني  اضراره تعكس  ديناميكيات العرض والطلب .. غير ان العجز الكبير والمتنامي تمثله بالدرجة الاولى مستوى العمالة   بسبب الواردات الأكثر تنافسية التي تؤثر سلبا على حجم التوظيف في القطاعات المختلفة .

بالنسبة للولايات المتحدة هناك نوعا من التباين في الارقام المبغ عنها من المصادر الرسمية منذ فرض التعريفات الجمركية في العام 2018  الا انه في  الصين،  النمو السريع للصادرات كان سببا وراء اتساع العجز التجاري العالمي على مدى السنوات الست الماضية ومع ارتفاع  نسبة العمل   من المنزل أثناء الوباء ، ارتفعت  معه شحنات الصين من الآلات الكهربائية والهواتف ومعدات المكاتب .

ـ التكنولوجيا استراتيجة النمو الجديدة  : 

ووفقا للتقرير ايضا ركزت الصين جزء من استراتيجيتها على قوى إنتاجية جديدة عالية الجودة ،  وذلك بتحويل بكين تركيزها إلى النمو الذي تقوده التكنولوجيا. فمنذ   2017، ضاعفت الصين صادراتها من المنتجات ذات القيمة المضافة العالية، مثل المركبات الكهربائية والبطاريات وأشباه الموصلات والألواح الشمسية، الى أكثر من الضعف. يعني ضعف الطلب المحلي، وإعادة توجيه هذا الإنتاج المتزايد إلى الأسواق الخارجية ، في حين أدى تصنيع منتجات عالية التقنية إلى تقليص حاجة الصين إلى استيرادها.

الخلاصة ان  العجز التجاري العالمي الإجمالي مع الصين سوف يستمر في الارتفاع، ولكن الأمور لن تظل على حالها على الأرجح؛ فالحكومات تتدخل بشكل استباقي لحماية صناعاتها من زيادة كبيرة في السلع الصينية. وسيتطلب هذا التحول الجديد تكنولوجيا متقدمة مثل أشباه الموصلات وقطع غيار السيارات والبطاريات والبنية الأساسية لشبكات الجيل الخامس - من بين منتجات أخرى لا تنتجها الأسواق الناشئة عادة.

ـ قلق متزايد :

ويضيف تقرير المجلس الأطلسي ان الحكومات لديها قلق متزايد إزاء ما تعتبره إعانات صينية غير عادلة في هيئة إعفاءات ضريبية، أو تحويلات مباشرة للأموال، أو توفير السلع أو الخدمات بأسعار أقل من أسعار السوق. وقد تسمح هذه الإعانات للشركات الصينية بمواصلة تصدير كميات كبيرة حتى مع الخسائر، الأمر الذي يجعلها غير قادرة على الاستجابة للطلب العالمي.

كما أن الأسعار المرتفعة التي يمكن للشركات الصينية أن تطرحها تجعل من الصعب على الأسواق الناشئة أن تتحرك صعودا في سلاسل التوريد العالمية ذات القيمة المضافة. وعلى الرغم من أن بعض البلدان لديها مخزون كبير من المعادن الحيوية، إلا أن الجزء الأكبر  المعالج تهيمن عليه الصين، بحسب التقرير.

كما يوضح تقرير المجلس الأطلسي، أنه من المتوقع أن يؤدي صعود الصين في سلسلة القيمة المضافة إلى ترويج الطلب للسلع ذات القيمة المضافة المنخفضة من جانب الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل. ولكن ضعف الطلب المحلي في الصين وتركيز بكين على الاحتفاظ بوظائف التصنيع منخفضة التقنية لم يقلل من فرص التصدير إلى الصين فحسب، بل أدى أيضاً إلى تكثيف المنافسة بين الشركات الصينية في القطاعات منخفضة ومتوسطة التقنية.

ووفق التقرير، فقد شهدت الاقتصادات المتقدمة تكرار هذه القصة  وتخشى أن يؤدي دخول الصين إلى قطاعات التكنولوجيا الفائقة إلى إغراق العمالة في صناعاتها تماما كما حدث في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

 الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، قد تخفق محاولاته لبقاء قوته الصناعية للاقتصاد المنخفض الكربون في الأسواق المحلية والعالمية بسبب الصعود السريع للصين في الصناعات ذات القيمة المضافة العالية. ويمكن للشركات الصينية تهدئة مخاوف التوظيف من خلال الاستثمار في مصانع التصنيع داخل الاتحاد الأوروبي والتي من شأنها أن تمنح المنتجات ختم "صنع في الاتحاد الأوروبي". لكن هذا لن يعالج سوى جزء من المشكلة - ستظل السلع تشبع الأسواق المحلية بينما سيتم إعادة الأرباح إلى الصين.

ـ الاتحاد الأوروبي ليس وحده  :  

الاتحاد الأوروبي ليس وحده في هذا  وفق التقرير  فقد أصبحت الحكومات داخل مجموعة العشرين وخارجها حذرة من صدمة ثانية. وقد ارتفعت التدخلات السياسية التي تستهدف الواردات من الصين من المركبات الكهربائية والبطاريات والألواح الشمسية في السنوات الأربع الماضية .

منذ عام 2023 وحده، أطلقت الأرجنتين ،البرازيل ،الهند ، فيتنام والاتحاد الأوروبي تحقيقات لمكافحة الإغراق ومكافحة الدعم ضد الصين. كما فرضت البرازيل ، كندا ، إندونيسيا  ،المكسيك ،جنوب إفريقيا ، تركيا ،الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية على بعض الواردات الصينية ذات القيمة المضافة العالية، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر المركبات الكهربائية

ـ مخاوف مشتركة :

وفي حين تتشاطر العديد من البلدان مخاوفها بشأن توسع الصادرات الصينية، فإن الأولويات المتباينة فيما يتصل بالتجارة مع الصين تعني أنها ستواجه صعوبة في تنسيق الاستجابة المشتركة.

وبحسب التقرير، فإن الاقتصادات المتقدمة مثل الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، تتخذ بالفعل تدابير للحفاظ على حصصها السوقية في الأسواق ذات القيمة المضافة العالية لتمتعها تقليديا بميزة نسبية داخل أوروبا وخارجها. وسواء كانت الولايات المتحدة تسعى إلى فرض تعريفات جمركية شاملة على السلع الصينية أو تفضل الإعانات المحلية لمواجهة الإعانات الصينية، فإن هذا يعتمد إلى حد كبير على من سيدخل البيت الأبيض في يناير.

وسوف تكون الأسواق الناشئة أكثر حذرا. فهي لا تهدف فقط إلى حماية الصناعات المحلية القائمة، بل وأيضا إلى جلب التصنيع الصيني الجديد إلى الداخل في ضوء سياسات الغرب الصديقة . وغالبا ما ترغب الشركات التي تغادر الصين في الاحتفاظ بسلاسل التوريد في الصين للمدخلات الرئيسية، على الأقل في الأمد القريب - كما تعلمت الهند .

كما تفضل عديد من البلدان ذات الدخل المنخفض التي تعتمد على المدخلات الوسيطة الصينية لتوسيع إنتاجها الصناعي أن تظل متكاملة في سلاسل القيمة الخاصة بها. كما أن البلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط معرضة أيضا للانتقام الصيني. وتتطلب هذه الأولويات مجموعات متميزة من الحوافز والحواجز التي لن تتوافق بشكل أنيق.

ـ التعريفات الجمركية المتزايدة  :

ويخلص التقرير إلى أنه منذ العام 2018، استخدمت الولايات المتحدة التعريفات الجمركية بشكل متزايد لمحاولة تحقيق التوازن في تجارتها مع الصين، وقد نشهد في عام 2025 موجة جديدة من التعريفات الجمركية. لكن الفارق هذه المرة سيكون في أن الاقتصادات المتقدمة الأخرى  ومعظم بلدان مجموعة العشرين  تتفق على أن الاستجابة ضرورية لمشكلة فائض القدرة التصنيعية في الصين.

ـ إجراءات حمائية :

جميع الدول الصناعية تحاول فرض نوع من الحمائية لحماية منتجاتها الصناعية من التوغل الصيني في قطاع الصناعة. وأرجع السبب وراء توغل الصناعات الصينية إلى رخص الأيدي العاملة المتوفرة في بكين، وهذا ما ينطبق أيضا على الهند.

نجد أن الدول الغربية عاشت تجربة تأثير المنتجات الصناعية الصينية على منتجاتها، وبشكل خاص في قطاع المنسوجات، موضحا أن كثيرا من مصانع الأقمشة في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا تضررت بشكل كبير، بل الكثير منها أغلقت أبوابها . لم يتم هذا التأثير على إنتاج الأقمشة فقط بل تسلل إلى مصانع ماكينات النسيج التي تنتجها سويسرا على سبيل المثال، ما يدفع تلك الدول نحو اتخاذ بعض الإجراءات الحمائية لحماية منتجاتها.

ومن  الضروري أن تكون الإجراءات الحمائية على قدر من التوازن والمعقولية، و أن جميع هذه الدول تتبادل مع الصين اقتصاديا؛ فحجم التبادل الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين مثلا يصل إلى أكثر من 800 مليار دولار سنويا، والامر نفسه بالنسبة  لأوروبا، لذا يتعين أن تكون القرارات معقولة ومتزنة ولا تلحق الضرر الكبير بحجم التبادل الاقتصادي البيني

ـ محاربة التوسع الصيني :

  أفاد مستشار البنك الدولي، الدكتور محمود عنبر، في تصريحات اعلامية، بأن الوضع الاقتصادي الحالي يشير إلى انقسام العالم إلى معسكرين، وأن العالم يتهيأ إلى إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية، وعدم الاستمرار على  نظام أحادي القطبية تتزعم فيه الولايات المتحدة الأميركية وحدها سيادة العالم، فإما أن يتحول إلى ثنائي القطبية أو إلى متعدد الاقطاب،  ستكون الصين واحدة من أهم القوى الإقليمية التي سوف تتزعم العالم.

فالحرب  الاقتصادية ضد الصين خاصة من قبل أميركا حتى ان، وصل الأمر إلى أنه بسبب بكين غيرت واشنطن من رؤيتها الاقتصادية، فبعد أن كانت تفرض على الدول النامية ما يطلق عليه سياسة التكيف الهيكلي والتي تعني سياسة الحرية الاقتصادية وحرية الأسواق بدخول وخروج السلع دون أي حواجز، أصبحت تفرض بعض العقبات على عديد من المنتجات الصينية.

كما أن الصين تعد قوة كبيرة خاصة من الناحية الاقتصادية، حيث استطاعت أن تصل إلى وضع اقتصادي إلى حد كبير مستقر، بغزو صادراتها  كافة دول العالم، في ظل التداعيات الاقتصادية التي فرضتها الأزمة المالية العالمية إلا أن بكين استطاعت أن تحرز أخيرا كثيرا من الأهداف لصالحها على حساب الصادرات الأميركية.

هذا وأن الولايات المتحدة والدول الكبرى لن تصمد أمام توسع الصين خصوصا فيما يتعلق بصادراتها وتطورها المفزع بالنسبة لهم، خاصة بعد مشروع طريق الحرير الذي تتبناه الصين، وكذلك مع إقامة الصين عديد من التحالفات والعلاقات الاقتصادية مع الكثير من الدول، وأيضا مع  الدعم الذي تقدمه لكثير من الدول وخاصة الدول الإفريقية التي أصبحت بكين الشريك الأول لها.

ومن المتوقع أن تستخدم أميركا ودول أوروبا كافة الوسائل المتاحة لمحاربة التوسع الصيني، بداية من العقوبات الاقتصادية واستخدام أدوات الاقتصاد، فيما يتعلق بالضغط أو غلق الأسواق، ما يهدد المنتجات الصينية ودخولها السوق الأميركي والأوروبي.

  كل الخيارات مفتوحة في ظل حالة اللايقين التي تحكم العالم الآن، وهو ما يفتح الباب واسعا أمام كافة التكهنات وصولا إلى احتمالية حدوث صراع عسكري وتحول الأمر إلى حرب عالمية ثالثة، يسبقها استعمال الاقتصاد كأداة للضغط خاصة  العقوبات الاقتصادية، مع الأخذ بالاعتبار رد  فعل الطرف الصيني أو الدول المؤيدة والمساندة للصين أمام الطرف الآخر.

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 8 ساعاتانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات