أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
10 سبتمبر 2025 3:45 م
-
في قمة شنغهاي.. الصين تطرح نظاما عالميا جديدا وتتحدى أمريكا

في قمة شنغهاي.. الصين تطرح نظاما عالميا جديدا وتتحدى أمريكا

اعداد ـ فاطيمة طيبي

 لا الجبال ولا المحيطات تستطيع أن تبعد بين شعوب تتشارك الطموحات"، بهذه الحكمة الصينية القديمة خاطب الرئيس شي جين بينغ قادة منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) في يوليو  2024 بالعاصمة الكازاخية أستانا.

حينها بدت العبارة بعيدة عن الواقع، خاصة مع غياب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي عن القمة، في إشارة إلى فتور واضح تجاه التكتل الذي تقوده بكين وموسكو.

لكن بعد عام واحد فقط، تغيرت الخريطة الجيوسياسية بصورة لافتة، فالقمة التي تستضيفها الصين حاليا تشهد أكبر حشد من القادة منذ تأسيس المنظمة، والأبرز هو عودة مودي إلى الواجهة بزيارته الأولى لبكين منذ 2018، مدفوعا بتداعيات الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الصادرات الهندية، ما دفع نيودلهي لإعادة النظر في تحالفاتها وتعزيز الروابط مع بكين وشركاء أوراسيا.

وسط اضطراب الأسواق العالمية بفعل قرارات ترامب الاقتصادية وتهديداته المتكررة، يرى محللون أن قمة تيانجين ستكون منصة مثالية لشي جين بينغ ليقدم بلاده كقوة استقرار قادرة على جمع صفوف الجنوب العالمي في مواجهة الضغوط الغربية، خصوصا الأمريكية.

وفي بكين، وصف مساعد وزير الخارجية الصيني ليو بين، القمة بأنها "واحدة من أهم فعاليات الدبلوماسية على مستوى القادة وفي أرض الوطن هذا العام"، مؤكدا وزنها السياسي بالنسبة لبكين.

ـ مكان انعقاد  قمة شنغهاي ومن يحضر :

تنعقد القمة يومي 31 أغسطس  و1 سبتمبر 2025  في مدينة تيانجين الساحلية شمالي الصين على بحر بوهاي، وبحسب وزير الخارجية الصيني، فإنها تشهد مشاركة أكثر من 20 زعيما أجنبيا ورؤساء 10 منظمات دولية.

وتشهد القمة حضور قادة الدول الأعضاء في المنظمة: ناريندرا مودي (الهند)، وفلاديمير بوتين (روسيا)، ومسعود بزشكيان (إيران)، وشهباز شريف (باكستان)،و ألكسندر لوكاشينكو (بيلاروسيا)، وقاسم جومارت توكاييف (كازاخستان)، وشوكت ميرضيائيف (أوزبكستان)، وصادير جاباروف (قرجيزستان)، إمام علي رحمان (طاجيكستان) .

وفي مشهد يعكس استعراضا كبيرا للتضامن بين دول الجنوب العالمي، تضم القمة قادة آخرين بينهم: رجب طيب أردوغان (تركيا)، ومين أونغ هلاينغ (ميانمار)، وكيه بي شارما أولي (نيبال)، وبرابوو سوبيانتو (إندونيسيا)، وأنور إبراهيم (ماليزيا)، ومحمد معيزو (المالديف)، وعلى المستوى الدولي، يشارك الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) كاو كيم هورن.

ـ بين التوسع والبحث عن هوية:

عند الحديث عن أهمية منظمة شنغهاي للتعاون (SCO)، لا بد من العودة إلى جذورها، فقد وُلدت عام 1996 تحت اسم "الخمسة في شنغهاي" كمنصة أمنية جمعت الصين وروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان، لتسوية النزاعات الحدودية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي.

لكن في يونيو  2001 تطورت الصيغة لتتحول رسميا إلى المنظمة الحالية، مع انضمام أوزبكستان واتخاذ بكين مقرا دائما لها، ومنذ ذلك الحين، توسعت العضوية بشكل متسارع، حيث انضمت الهند وباكستان عام 2017، تلتها إيران في 2023 وبيلاروسيا في 2024.

وإلى جانب الأعضاء الدائمين، تضم المنظمة 14 شريكا رئيسيا في الحوار، من بينهم السعودية ومصر وتركيا وميانمار وسريلانكا وكمبوديا، وتشكل دولها 43% من سكان العالم وقرابة ربع الاقتصاد العالمي .

ـ رمزية التوقيت وتباين المواقف :

تكتسب قمة شنغهاي للتعاون هذا العام أهمية خاصة، ليس فقط بسبب التوسع غير المسبوق في الحضور، بل أيضا لتزامنها مع سلسلة من الأزمات الدولية الكبرى، أبرزها استمرار الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب غزة والاحتلال المتواصل للضفة الغربية، وتصاعد التوترات الأمنية في جنوب آسيا ومنطقة آسيا- المحيط الهادئ، إضافة إلى الحرب التجارية التي يشعلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وبعد يومين فقط من ختام القمة، ستستضيف بكين في 3 سبتمبر  عرضا عسكريا ضخما لإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية في آسيا، ومن المتوقع أن يبقى العديد من القادة المشاركين مثل بوتين ولوكاشينكو وبرابوو سوبيانتو   لحضور العرض، فيما يرتقب وصول الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون أيضا، ما سيعزز صورة الصين كمنصة تجمع قادة معسكرات متباينة.

ـ خلافات على القضايا الجوهرية:

لكن وراء هذه الرمزية، تكشف مواقف المنظمة عن انقسامات عميقة بشأن الملفات الدولية، فرغم مظاهر الوحدة التي تحاول بكين إبرازها في قمة تيانجين، إلا أن الانقسامات بين أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون تبقى حاضرة بقوة.

ونجحت روسيا في جذب غالبية الأعضاء لمواقف أقرب إليها، لكن الهند تحاول الموازنة بين الدعوة للسلام والحفاظ على علاقات مع كييف، في الوقت الذي تشتري فيه كميات قياسية من النفط الروسي، فيما دعت أوكرانيا أعضاء المنظمة إلى إظهار موقف واضح ورفض "العدوان الروسي".

ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي   بأنه "صديقه العزيز" وقال إن العلاقات بين البلدين تتطور بشكل ديناميكي، وذلك وفقا لمقطع فيديو نشره الكرملين. وأجرى الجانبان محادثات في مدينة تيانجين الساحلية الصينية، على هامش القمة. من جانبه، عبر مودي عن أمله في أن تتوصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق لإنهاء الحرب بينهما قريبا.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن اجتماع تيانجين غير مرحب به، حيث هاجم الرئيس الأمريكي مرارا تكتلات الجنوب العالمي، مهددا بـ"شل" مجموعة بريكس عبر تعريفات جمركية عقابية، وواصفًا إياها بأنها "معادية لأمريكا".

اليوم، ينظر مراقبون إلى القمة على أنها اختبار لموازين القوى قبيل انعقاد قمة "الرباعية" (Quad)  في وقت لاحق من العام، والتي تستضيفها الهند بمشاركة الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، في إطار مواجهة النفوذ الصيني المتصاعد في منطقة آسيا المحيط الهادئ.

لكن فرض ترامب رسوما بنسبة 50% على السلع الهندية، على خلفية استيرادها النفط الروسي رغم الحرب في أوكرانيا، جعل واشنطن تتابع باهتمام خاص اللقاء المرتقب بين مودي وشي جين بينغ في تيانجين.

ـ دعوة إلى نظام عالمي جديد:

وحث الرئيس الصيني، أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون على الاستفادة من "سوقهم الضخمة"، في الوقت الذي كشف فيه عن طموحه لتأسيس نظام أمني واقتصادي عالمي جديد يشكل تحديا مباشرا للولايات المتحدة. وقال شي، في كلمته الافتتاحية، إن منظمة شنغهاي للتعاون تمثل "نموذجًا لنوع جديد من العلاقات الدولية"، مضيفًا: "يتعين أن ندعو إلى تعددية الأقطاب المتساوية والمنظمة في العالم، والعولمة الاقتصادية الشاملة، وتعزيز بناء نظام حوكمة عالمي أكثر عدلا وإنصافًا".

ـ مساعدات وقروض صينية للأعضاء :

وفي خطابه، أعلن شي أن الصين ستقدم ملياري يوان (280 مليون دولار) كمساعدات للدول الأعضاء هذا العام، إضافة إلى 10 مليارات يوان أخرى كقروض لصالح كونسورتيوم البنوك التابع للمنظمة، مؤكدا: "يجب أن نستفيد من السوق الضخمة لتحسين مستوى تيسير التجارة والاستثمار"، داعيا إلى تعزيز التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية والعلوم والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

شي جين بينغ دعا شركاء المنظمة إلى "معارضة عقلية الحرب الباردة والمواجهة بين التكتلات"، مؤكدا ضرورة دعم أنظمة التجارة متعددة الأطراف. وتعتبر هذه الرسالة إشارة واضحة إلى حرب الرسوم الجمركية التي يشنها البيت الأبيض، وانعكست بشكل غير متناسب على اقتصادات الدول النامية، بما فيها الهند. وفي هذا السياق، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، قال إن الصين تلعب دورا "أساسيا" في دعم التعددية العالمية.

ويرى محللون أن بكين تسعى عبر هذه القمة، التي تعد الأكبر في تاريخ المنظمة، إلى إبراز رؤيتها البديلة للحوكمة العالمية في مواجهة النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، في وقت يشهد ارتباكا في صناعة القرار، وتراجعا في التزامات واشنطن تجاه المؤسسات متعددة الأطراف، فضلًا عن تقلبات جيوسياسية متسارعة.

ـ بوتين يقترح على أعضاء منظمة شنغهاي إصدار سندات مشتركة :

اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. في الاول من سبتمبر ، أن تبيع الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون سندات مشتركة، في خطوة من شأنها أن تعزز التعاون الاقتصادي فيما بينها. وطرح بوتين أيضا خلال قمة للمنظمة في الصين فكرة عمل منظومة مدفوعات مشتركة للتسويات التجارية .


تأسست منظمة شنغهاي للتعاون في عام 2001، وتضم عشر دول هي الصين وروسيا والهند وباكستان وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وروسيا البيضاء.

وقال بوتين لرؤساء الدول الأعضاء في المنظمة في مدينة تيانغين الساحلية بشمال الصين "ندعو الدول الأعضاء إلى إصدار سندات مشتركة".

وذكر أنه يؤيد "إنشاء آلية خاصة بنا للدفع والتسوية والإيداع وفتح بنك للمشروعات الاستثمارية المشتركة  سيزيد كل هذا من فاعلية تبادلاتنا الاقتصادية وسيحميها من تقلبات البيئة الخارجية".

وتضغط روسيا من أجل إيجاد آليات تسوية تتجنب التعامل بالدولار واليورو بعد أن عطلت العقوبات، التي فرضها الغرب على أنظمة الدفع وبنوك صينية، التجارة الروسية عقب حربها أوكرانيا في عام 2022. وقال بوتين إن اقتصادات منظمة شنغهاي للتعاون نمت 5% في المتوسط في 2024.

يجدر الاشارة ان الرئيس الصيني شي جين بينغ افتتح  قمة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين (شمال)، بحضور 20 من قادة منطقة أوراسيا. والتقط زعماء الدول العشر الأعضاء في منظمة شنغهاي للتعاون صورة جماعية على السجادة الحمراء.

وانطلقت القمة في تيانجين قبل أيام من عرض عسكري ضخم يقام في العاصمة بكين لمناسبة مرور 80 عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية.

وتضم منظمة شنغهاي للتعاون 10 دول أعضاء هي الصين والهند وروسيا وباكستان وإيران وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان وبيلاروس، و16 دولة بصفة مراقب أو شريك، وتمثّل قرابة نصف سكان العالم و23.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وهي تقدم على أنها قوة موازنة لحلف شمال الأطلسي (الناتو). وتضم بلدانها كميات كبيرة من مصادر الطاقة.

ووصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صباح الأحد بعيدا عن الإعلام رغم أنه يترأس وفدا سياسيا واقتصاديا كبيرا، بحسب وسائل الإعلام الرسمية الروسية والصينية.

وعقد الرئيس الصيني سلسلة من الاجتماعات الثنائية المتتالية مع عدد من القادة من بينهم الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشنكو، أحد حلفاء بوتين المقربين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي يقوم بأول زيارة له للصين منذ العام 2018.

وقال مودي لشي إن الهند ملتزمة "المضي قدما في علاقاتنا على أساس الثقة المتبادلة والكرامة". وتتنافس الصين والهند، وهما الدولتان الأكثر تعدادا للسكان في العالم، على النفوذ في جنوب آسيا، وقد خاضتا اشتباكا حدوديا داميا عام 2020.

لكن العلاقات بين البلدين بدأت تتحسن في أكتوبر الماضي عندما التقى مودي شي للمرة الأولى منذ خمس سنوات في قمة عقدت في روسيا. وتخضع القمة لتدابير أمنية وعسكرية مشدّدة ونشرت مركبات مصفّحة في بعض الشوارع وقطعت الحركة المرورية في أجزاء كبيرة من تيانجين ونشرت لافتات في الشوارع بالماندرية والروسية تشيد بـ"روحية تيانجين" و"الثقة المتبادلة" بين موسكو وبكين.

وتعد هذه القمة الأكثر أهمية للمنظمة منذ إنشائها في العام 2001، وتعقد هذه السنة في ظل أزمات متعددة تطول أعضاءها بصورة مباشرة، من المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين والهند إلى الحرب الروسية على أوكرانيا، مرورا بالملّف النووي الإيراني.

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 سبتمبر 2025 1:25 مأزمة سيولة تهدد دور الأمم المتحدة وإجراءات تقشفية غير مسبوقة.23 سبتمبر 2025 12:34 ممبادرة تمويل المصانع المتعثرة تحتاج لآليات تنفيذ واضحة وتوفير تسهيلات كافية للمستثمرين23 سبتمبر 2025 12:28 مالسردية الوطنية: حوكمة الاستثمارات العامة تعظم العائد وتفسح المجال للقطاع الخاص21 سبتمبر 2025 1:34 مطرح الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية للحوار المجتمعي وحوافز ومزايا للملتزمين17 سبتمبر 2025 4:47 مامكانية تخلى العالم عن الدولار.. والاحتياطي الفيدرالي بين مأزق التضخم وهروب المستثمرين للتحوط16 سبتمبر 2025 4:00 مالأقساط الطويلة ترفع عبء التمويل وتحول المطورين إلى شركات رهن عقاري15 سبتمبر 2025 3:59 مالبنك الدولي: انخفاض استثمارات التنمية البشرية يحد من الأداء الاقتصادي ونمو الدخل14 سبتمبر 2025 4:04 مالتيسير النقدي يدعم نمو سوق السيارات وتوقعات بارتفاع المبيعات 20%9 سبتمبر 2025 4:16 متغير المناخ يهدد الأمن الغذائي واستقرار أسعار الغذاء في العالم8 سبتمبر 2025 12:35 مأسئلة وأجوبة عن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية

التعليقات