تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
11 مايو 2025 1:30 م
-
"لوموند": مفتاح حل فجوات الثروة الاجتماعية بنظام ضريبي جديد في فرنسا

"لوموند": مفتاح حل فجوات الثروة الاجتماعية بنظام ضريبي جديد في فرنسا

اعداد ـ فاطزيمة طيبي

حذرت صحيفة "لوموند" الفرنسية في افتتاحية لها السبت 10 من مايو 2025  من أن البلاد تمر في صمت بتحول خطير يقوض أسس عقدها الاجتماعي. على الرغم من أن قادتها لا يزالون يؤكدون على أهمية العمل والابتكار والجدارة، فإن البلاد أصبحت بشكل متزايد مجتمعا تحدد فيه الثروة والفرص من خلال الوراثة والانتماء الطبقي، كما كان الحال في القرن التاسع عشر.

وتشير افتتاحية "لوموند"، إلى تقارير ودراسات عديدة، تفيد بأن الثروة الموروثة أصبحت تتفوق على الثروة الناتجة عن العمل في تشكيل الثروات الفردية. ويعد هذا التحول نقيضا مباشرا لفكرة "تكافؤ الفرص"، إحدى الركائز الأساسية للجمهورية الفرنسية. ومع أن تزايد عدم المساواة في توزيع الثروة ظاهرة عالمية، فإن تكرسها في فرنسا ينذر بعواقب خطيرة.

وفي أوائل السبعينيات، شكلت الثروات الموروثة نحو 35% من إجمالي الثروة الوطنية في فرنسا، أما اليوم فقد ارتفعت هذه النسبة إلى 60%. وجاء هذا التحول نتيجة عوامل مالية متعددة منها :

1 ـ  ازدهار سوق العقارات والأسهم من جهة .

2 ـ تراجع الأجور وارتفاع معدلات البطالة من جهة أخرى، مما جعل من الصعب على معظم الفرنسيين تكوين الثروة من خلال العمل.

وعلى الرغم من هذه المؤشرات، لم تبادر الحكومات المتعاقبة إلى تصحيح المسار. بل على العكس، تم تفريغ ضريبة الميراث من مضمونها عبر سلسلة من الإعفاءات والثغرات، وهي إجراءات تثير استياء حتى لدى من لا يمتلكون ثروات ولن يتأثروا بها مباشرة. ولهذا التوجه عواقب كبيرة. فالفجوة المتزايدة بين ما يوفره العمل وما تضمنه الوراثة تهدد بجعل فرنسا اقتصادا ريعيا، تكافأ فيه الملكية الساكنة بدلا من الإنتاجية أو الابتكار. هذا النظام يقصي فئات واسعة من السكان عن فرص تكوين الثروة، خاصةً بين الأجيال الشابة.

أما الشباب في فرنسا حاليا ، فيواجهون صعوبة متزايدة في الانتقال إلى مرحلة النضج والاستقلال المالي، مثل امتلاك منزل أو بدء مشروع، ما لم يتلقوا هدية أو ميراثًا من عائلاتهم. ولم يعد العمل كافيا للصعود الاجتماعي، مما يعمق الإحباط والانقسام داخل المجتمع.

ـ أثر التغير الديموغرافي :

ويفاقم التغير الديموغرافي هذا الواقع؛ فجيل "طفرة المواليد"، وهو الأغنى في تاريخ فرنسا، يورث ثروات متزايدة لعدد أقل من الورثة، ما يعزز من تركز الثروة. وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات إصلاحية، فستزداد هذه الديناميكية حدة خلال العقود المقبلة.

وكانت آخر محاولة جادة للإصلاح الضريبي في عام 2013، عندما اقترح رئيس الوزراء الاشتراكي جان مارك أيرولت إصلاحا شاملا، لكن الرئيس فرنسوا هولاند رفضه بسبب حساسية الملف سياسيا. ومنذ ذلك الحين، لم تنجح أي قوة سياسية في فتح نقاش جدي حول "ميثاق ضريبي جديد"، في ظل حالة الاستقطاب الحاد.

وتأتي سياسة الرئيس إيمانويل ماكرون، القائمة على "عدم فرض ضرائب جديدة"، لتضيف مزيدا من الجمود، على الرغم من حاجة البلاد إلى معالجة دين عام متضخم يتطلب نحو 100 مليار يورو بحلول عام 2029. وفي الوقت نفسه، تثقل الضرائب على الأجور ومساهمات الضمان الاجتماعي كاهل العاملين، بينما تتيح الثغرات القانونية للأثرياء التحايل على ضرائب الميراث.

وحذرت الصحيفة من أن تجاهل هذه التحديات، أو رفض مواجهتها بحجة غياب التوافق السياسي، يعمق الأزمة الاجتماعية في فرنسا. فالبلاد بحاجة ماسة إلى ميثاق ضريبي جديد يعيد التوازن ويعزز العدالة، قبل أن تتحول تدريجيا إلى مجتمع وراثي مغلق، وتفقد إحدى ركائز جمهوريتها، وهي أن النجاح متاح لكل من يعمل ويجتهد، لا لمن يرث فقط

ـ النقابات تغضب وتهدد بخطوات تصعيدية واتهامات بـ"إخفاء" الصراع الاجتماعي:

رغم الدعوات المتكررة لإضراب واسع النطاق في شركة السكك الحديدية الفرنسية SNCF، تجنبت البلاد هذا الأسبوع شللاً كان متوقعًا نتيجة للخارجين عن الإضراب. ولقبت وسائل الإعلام الفرنسية هؤلاء بـ"كاسري الإضراب"، وهم المتطوعون الذين استعانت بهم هيئة السكك الحديدية لتعويض غياب رؤساء القطارات.. 

لكن خلف القطارات التي واصلت سيرها، احتدم جدل آخر: اتهامات بـ"إخفاء" الصراع الاجتماعي، وغضب النقابات من لجوء الإدارة إلى كوادر "كاسري إضراب"، ما دفع بعضها إلى التهديد باللجوء إلى القضاء وتحديد مواعيد جديدة للتصعيد في يونيو ، بحسب صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية. وتعتبر النقابات أن إدارة SNCF قد "أخفت الصراع" من خلال الاستعانة بكوادر متطوعة لتعويض غياب رؤساء القطار. وقد أعلنت نقابة SUD Rail نيتها رفع دعوى قضائية ضد هذا الإجراء  

وشهدت حركة القطارات اضطرابات موضعية في القطارات الإقليمية، بينما سارت قطارات "فائقة السرعة" بشكل شبه طبيعي، ما حال دون تحقق "الأسبوع الأسود" الذي كانت النقابات المعترضة تأمله داخل المجموعة. هذه النقابات تتهم الإدارة باستخدام "كاسري الإضراب".

وقال فابيان فيلديو، السكرتير الفيدرالي في نقابة هيئة السكك الحديدية، مستنكرا: "هناك نية لإخفاء الصراع تماما". وقد دعت نقابته، التي تقود الاحتجاج، السائقين إلى الإضراب يوم الأربعاء 7 مايو ، ثم المراقبين طوال عطلة نهاية الأسبوع بدءا من الجمعة 9 مايو 2025 . من جهتها، أعلنت  CGT Cheminotsفي 7 مايو ، عن دعوة جديدة للإضراب لعدة أيام في يونيوالقادم  لتشمل فئات مختلفة من موظفي هيئة السكك الحديدية للمترو في باريس، وتحث هذه النقابة، وهي الأكبر داخل الشركة، "جميع العاملين في السكك الحديدية، من كل الفئات والوظائف، على الإضراب" يوم 5 يونيو "لفرض جدول مفاوضات يلبي مطالبنا".

كما دعت إلى إضراب السائقين في 4 يونيو ، ومراقبي القطارات في 11 يونيو  تزامنا مع اجتماعات مهنية لهاتين الفئتين.

وتطالب نقابتا SUD Rail و CGT Cheminots   بإجراءات تتعلق بالرواتب وتحسين تنظيم الجداول الزمنية، التي يعتبرونها غير متوقعة بشكل مفرط. أما النقابتان الأخريان،UNSA Ferroviaire وCFDT Cheminots، فلم تدعوا إلى الإضراب.

ووفقا لفابيان فيلديو، فإن "40% من سائقي القطارات في فرنسا شاركوا في الإضراب" يوم الأربعاء. وكانت المناطق الأكثر تضررا هي  .ز إيل دو فرانس، حيث أُلغي نصف القطارات في المتوسط، ونوفيل أكيتين، التي لم يعمل فيها سوى 4 قطارات TER من أصل عشرة. أما قطارات TGV، فكانت تسير بشكل طبيعي.

وفي بداية الأسبوع، تركزت الاضطرابات في منطقة أو دو فرانس، وهي معقل لنقابة CGT. وبحسب الإدارة، فإن إضراب المراقبين المقرر أيام 9 و10 و11 مايو سيؤدي إلى إلغاء 10% فقط من رحلات TGV.

  ـ  7 أيام من التدريب :

ونجحت SNCF في الحد من آثار الإضراب من خلال الاستعانة الواسعة بـ"المرافقين المتطوعين العرضيين" (VAO)، وهم بعض الأشخاص في الشركة تلقوا تدريبا سريعا ومكلفون مؤقتا بتعويض رؤساء القطارات الغائبين. ووصف فابيان فيلديو هؤلاء بـ"المرتزقة كاسري الإضراب"، مؤكدا أنهم "غير مؤهلين بدرجة كبيرة ويتقاضون أجورا مفرطة".

ويحصل هؤلاء المتطوعون على تدريب لمدة سبعة أيام، ويتقاضون ما بين 15 و50 يورو في الساعة حسب نوع الخدمة التي يقدمونها أثناء تعويض المراقبين المضربين. وعلقت الأمينة العامة لـCGT، صوفي بينيه، بقولها: "من غير المقبول استغلال هؤلاء بهذه الطريقة". وأعلنت نقابة SUD Rail نيتها الطعن قضائيا في هذا الإجراء.

ومع ذلك، يقول أحد كوادر SNCF النقابيين إن "الحراك لم يكن بالزخم الذي توقعته (نقابتا CGT  و  SUD   .  قد نجت بعض المناطق تقريبا من الإضراب، مثل مركز ـ فال دو لوار، حيث بلغت نسبة المضربين من السائقين 16% فقط .. أما بين المراقبين، فقد بلغت نسبة نوايا الإضراب ليوم الجمعة 31%، منهم نحو 60% على خطوط TGV، بحسب التصريحات المسبقة للموظفين. وتشير وثيقة داخلية للإدارة إلى أن هذه النسبة قد ترتفع قليلا .

ـ يوم تعبئة جديد :

وقال جيل دانسار، رئيس تحرير Mobilettre المتخصصة في النقل: "بالنسبة للمراقبين، لا تحظى هذه الحركة بشعبية كالاحتجاجات السابقة". وأوضح أن الجيل الجديد من المراقبين لا يتماشى تماما مع القدامى، المنضوين في "التجمع الوطني للمراقبين" (CNA)، الذين يركزون بشدة على قضايا نهاية الخدمة وحقوق التقاعد.

وأضاف دانسار: "غالبية النقابات لا تؤيد الحركات الفئوية". ورغم تفادي "الأسبوع الأسود"، إلا أن "فرضية صراع اجتماعي كبير لم تكن واقعية"، بحسب رأيه. وأشاد دانسار باستراتيجية الإدارة التي اعتمدت على المتطوعون من كاسري الإضراب، معتبرا إياها فعالة. من جهته، أكد فابيان فيلديو من SUD Rail أن "الغضب سيبقى. ولن نتوقف هنا". فبعد فشل الحركة السابقة ضد تفكيك Fret SNCF في نهاية العام الماضي 2024 ، تراهن النقابات المعترضة كثيرا على هذا الملف.

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 7 ساعاتفايننشال تايمز: الرابحون والخاسرون في اتفاقية ترامب التجارية مع بريطانيا7 مايو 2025 1:27 مغموض سياسات "ترامب" تدفع بالفيدرالي على تحديد تثبيت الفائدة لاعتماده على البيانات الاقتصادية6 مايو 2025 3:45 ممصر:الاحتياطي الأجنبي يواصل الارتفاع إلى 48.14 مليار دولار6 مايو 2025 2:12 مفي 5 سنوات 40 مليار دولار إيرادات قناة السويس.. شريان عالمي يقاوم التحديات5 مايو 2025 2:20 مالأوروبي لإعادة الإعمار يؤكد التزامه بضخ المزيد من الاستثمارات في مصر4 مايو 2025 2:43 م"أوبك بلس" ترفع إنتاجها النفطي 411 ألف برميل يوميا بداية من يونيو202529 أبريل 2025 1:40 م"عمر أطول".. تقرير معرفي مهم في سبع نقاط من القمة العالمية للحكومات28 أبريل 2025 3:00 محوافز وتيسيرات غير مسبوقة في مختلف أنواع الضرائب لتخفيف الأعباء والالتزامات27 أبريل 2025 3:04 مواشنطن: المشاط .. فعاليات جلسة البنك الدولي حول مشروعات البنية التحتية لنمو القطاع الخاص27 أبريل 2025 2:35 مواشنطن: المالية.. تطورات التجارة العالمية تخلق بيئة أعمال أفريقية تنافسية وجاذبة للاستثمارات

التعليقات