تحليلات
كتب فاطيمة طيبى 27 يوليو 2025 12:50 م - التعليقات فرنسا على حافة الهاوية.. هل تقترب من سيناريو أزمة الديون على الطريقة اليونانية اعداد ـ فاطيمة طيبي
بين تحذيرات المؤسسات الدولية وقلق الأسواق المالية، تواجه فرنسا واقعا ماليا مقلقا قد يتحول إلى أزمة سيادية خطيرة إن لم تتخذ قرارات جذرية في أسرع وقت . فما الذي يحدث بالفعل في قلب الاقتصاد الفرنسي.. ولماذا يحذر البعض من تدخل محتمل لصندوق النقد الدولي أو البنك المركزي الأوروبي كما حدث في اليونان؟. ـ أزمة الدين: لماذا لا تُستبعد فرنسا من سيناريو كارثي؟: قالت صحيفة "لكسبريس" الفرنسية، إنه في غضون أيام قليلة، بدت رسالتان متضاربتين حول الاقتصاد الفرنسي، بإمكانية تدخل من البنك المركزي الأوروبي، أو إشراف من صندوق النقد الدولي، موضحة أن تلك الرسائل تدل على أن المعركة لا تزال بعيدة عن نهايتها. وقالت الصحيفة الفرنسية إنه في 4 يونيو الجاري، أعلن المفوض الأوروبي للشؤون الاقتصادية، فالديس دومبروفسكيس، أن بروكسل "تعلق" إجراءات العجز المفرط بحق عدة دول أعضاء، من بينها فرنسا". وقد بررت المفوضية قرارها بالإشارة إلى أن باريس، حتى الآن، تفي نسبيا بالخطة المالية والهيكلية متوسطة الأجل، أي مسار تقليص العجز العام، المرسلة قبل أشهر. وفي وزارة المالية الفرنسية (بيرسي)، اكتفوا بـ"أخذ العلم بهذا التقييم الإيجابي"، لكن اللغة قد تكون مضللة: الواقع أن العملية لا تزال جارية. من جانبه، حذر يحذر جيروم كريل، مدير قسم الدراسات في مرصد الأوضاع الاقتصادية الفرنسية (OFCE) قائلا:" إذا لم نحقق أهدافنا، ستصدر توصيات جديدة. لم نخرج بعد من هذه الآلية". وبعد أقل من أسبوع، حلت أميلي دو مونشالان، وزيرة الحسابات العامة الفرنسية، ضيفة على إذاعة "إر.تي.إل" الفرنسية في مقابلة حذرت خلالها من "خطر الوصاية من قبل المؤسسات الدولية، الأوروبية أو حتى الدائنين"، في إشارة إلى تدخل محتمل لصندوق النقد الدولي أو البنك المركزي الأوروبي. ـ نحو 100 مليار يورو فوائد ديون سنوية : ذلك السيناريو القاتم "على الطريقة اليونانية" لم يعد محض خيال. فقد أنهت فرنسا عام 2024 بعجز بلغ 5.8% من الناتج المحلي الإجمالي - من بين الأعلى في منطقة اليوروـ ودين عام يقدر بـ 113% من الناتج، وهو من بين الأسوأ كذلك. من جهته، قال أوليفييه ريدوليس، مدير الدراسات في معهد Rexecode"نحن في مسار انحدار مالي لا مفر منه. الوضع يشبه دولا واجهت أزمات قبلنا"، في إشارة إلى اليونان. وفيما يأمل المسؤولون الفرنسيون أن يتراجع العجز إلى 5.4% هذا العام، إلا أن الأمر يبدو غير مضمون، كما أشار المجلس الأعلى للمالية العامة في 16 أبريل ، رغم تمرير موازنة 2025 بصعوبة. بالتالي، لا تزال فكرة استقرار الدين العام مؤجلة. وتتوقع فيتش أن يتجاوز الدين الفرنسي 120% من الناتج المحلي بحلول 2028. ومنذ بداية 2025، أنفقت فرنسا 67 مليار يورو (76.9 مليار دولار) فقط على فوائد الديون، ما يعادل ثاني أكبر بند في الميزانية بعد التعليم، متقدما على الدفاع. وإن استمرت الوتيرة الحالية، فقد تصل التكلفة إلى 100 مليار يورو (114.7 مليار دولار) في السنة المقبلة، لتصبح البند الأول في الإنفاق . ـ مؤشرات حمراء... ولكن لا أحد يقرع الجرس : من جهته، قال مسؤول من ديوان وزير الاقتصاد الفرنسي إريك لومبارد، إن "خطر تدخل صندوق النقد أو البنك المركزي غير وشيك، لكنه وارد في حال فقدنا السيطرة على الدين"، وذلك في محاولة لتهدئة المخاوف، وفقا للصحيفة الفرنسية. بدوره، قال المستشار الاقتصادي في مجموعة أوسيوم باتريك أرتوس إن التحذير سياسي قبل كل شيء، موضحا أن "دو مونشالان تحاول إثارة نوع من القلق لإقناع الرأي العام بالتدابير المالية". في المقابل، شدد وزير الاقتصاد الفرنسي الأسبق جان أرتوي، على الفرنسيين أن يفهموا أنه لا يوجد مال سحري". ـ تساهل الأسواق والوكالات... حتى إشعار آخر : وقالت صحيفة "لكسبريس" إنه "على المدى القريب، تبقى الأسواق المالية العامل الأكثر حساسية، كما أن فرنسا لا تزال حتى الآن محظوظة، رغم حل البرلمان والشكوك السياسية". ـ سيناريو الإنقاذ: البنك المركزي الأوروبي.. أم صندوق النقد الدولي؟ : من جانبه، يرى أوليفييه بلانشار، كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد، أن سيناريو "وضع فرنسا تحت وصاية الصندوق" ليس مستبعدا إذا استمر تدهور العجز. وأضاف أنه "ربما ترتفع الفوارق في العوائد مما يجبر السياسيين على التفاعل أو في أسوأ الأحوال، لا ترتفع بشكل كاف، فتستمر الديناميكية السلبية ويضطر الصندوق للتدخل". وقالت الصحيفة الفرنسية:" هل يمكن للاتحاد الأوروبي المساعدة؟"، موضحة أن الإجابة:" نعم، عبر "آلية الاستقرار الأوروبي"، ولكن قد يتم اللجوء لصندوق النقد كوسيط قاس خارجي لفرض الإصلاحات، كما حدث في اليونان لتجنب الصدامات بين الدول الأوروبية. كما يبقى البنك المركزي الأوروبي الملاذ الأخير، لا سيما بفضل أداة حماية الانتقال التي تسمح له بالتدخل غير المحدود لكن بشروط ، كما أن فرنسا يجب أن تلتزم بقواعد الانضباط المالي الأوروبي ". ـ صعوبة الوصول الى اتفاق شامل في الحرب التجارية بين امريكا واوروبا :
قال خبراء اقتصاد فرنسيون إن مفاوضات التهدئة التجارية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي باتت على حافة الانهيار، وسط تصعيد متبادل يهدد بإشعال حرب تجارية شاملة بين حلفاء الناتو. وفي حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول 9 يوليو ، سترتفع الرسوم الجمركية المتبادلة إلى 50%، ما ينعكس سلبا على النمو والاستثمار في القارتتين. وقالت المحللة الاقتصادية والاستراتيجية لدى مركز CPRAM، جولييت كوهين إن المشهد المالي العالمي "يقف على حافة هاوية"؛ لأن التصعيد الجمركي "لن يقتصر أثره على التبادل الثنائي، بل سيمتد إلى الأسواق العالمية من حيث الثقة والطلب وتدفقات الاستثمار"
وأضافت كوهين أن مفاوضات اللحظة الأخيرة بين واشنطن وبروكسل "تتقدم ببطء شديد بسبب التوترات السياسية الداخلية لدى الجانبين، والمناخ الجيوسياسي الهش". ويوافقها الرأي الخبير الاقتصادي الفرنسي في معهد "Cercle des économistes"، باتريك أرتوس، في تصريحات له مؤخرا مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تستخدم سلاح الرسوم "ليس فقط لأهداف اقتصادية، بل سياسية وانتخابية، فيما يجد الأوروبيون صعوبة في التحدث بصوت واحد نتيجة خلافاتهم الداخلية"، ما يجعل من التوصل إلى اتفاق "أمرا بالغ التعقيد وغير مضمون". بدوره، قال الباحث الاقتصادي الفرنسي في معهد "OFCE" للدراسات الاقتصادية، الدكتور لوك دومونتييه، إن "العقدة الجوهرية في الحرب التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لا تكمن فقط في الأرقام أو الرسوم الجمركية، بل في الرؤية الاقتصادية ذاتها". وأوضح أنه بعد قانون خفض التضخم الأمريكي، أصبح من الواضح أن واشنطن تتجه نحو سياسات صناعية حمائية شرسة مدعومة بسخاء من الدولة، في سعي منها لإعادة تمركز التصنيع على أراضيها، خاصة في مجالات الطاقة والرقمنة والسيارات الكهربائية. واعتبر أن هذا التوجه، رغم أنه مفهوم من زاوية الأمن الاقتصادي الأمريكي، يصطدم بالمبادئ الأوروبية القائمة على حرية السوق والتنافسية المتكافئة، ويجعل الحوار صعبا، موضحا أن الأوروبيين يعتبرون أن هذه الامتيازات الأمريكية للصناعة الوطنية تخل بالتوازن وتقوض فرص شركاتهم في المنافسة، خاصة في القطاعات الخضراء. ورأى أن المشكلة الأكبر أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة لتقديم تنازلات متعددة الأطراف كما فعلت في الماضي. نحن أمام مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية العابرة للأطلسي، تتسم بعدم الثقة، وتغير موازين القوة، وتراجع دور المؤسسات الدولية كمنصة للحل، ما يجعل أي اتفاق شامل مهمة شاقة وطويلة الأمد. ـ التوترات تتصاعد.. وماكرون يحذر : خلال قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة في لاهاي، لم يتردد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في التعبير عن استيائه من الموقف الأمريكي. ووصف احتمال نشوب حرب تجارية بين حلفاء الناتو بـ"العبثي"، مؤكدا أن العلاقات الاقتصادية بين الحلفاء يجب أن تسير على درب السلام والتعاون، لا التصعيد والمواجهة. وقال ماكرون: "لا يمكن أن نطالب الحلفاء بزيادة إنفاقهم الدفاعي، ثم ندخل معهم في حرب تجارية. هذا تناقض غير مقبول ". كما دعا واشنطن إلى "خفض جميع الحواجز الجمركية التي تم فرضها أو تشديدها في السنوات الأخيرة"، مشددا على أن "السلام التجاري يجب أن يكون القاعدة بين الحلفاء، لا الاستثناء". ورغم الأجواء الودية التي حاول قادة القمة الحفاظ عليها، كانت المخاوف من تصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حاضرة، خاصة بعد أن لوح مؤخرا بفرض رسوم جديدة على المنتجات الأوروبية. ـ اقتصاد إسبانيا "مهدد بالتدمير" : والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، المعروف بموقفه المتشدد حيال التجارة، فرض بالفعل رسوما لا تقل عن 10% على معظم الواردات الأمريكية. وبعد أن هدد برفعها إلى 50% اعتبارا من 1 يونيو ، أرجأ القرار حتى 9 يوليو لإعطاء فرصة للتوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي. لكن في لهجة تصعيدية جديدة، وجه ترامب تهديدا مباشرا إلى إسبانيا، عضو الناتو، بسبب اعتراض رئيس وزرائها بيدرو سانشيز على رفع ميزانية الدفاع إلى مستوى 5% من الناتج المحلي، وهو الهدف الذي أقرته القمة. وقال ترامب غاضبا: "إسبانيا الدولة الوحيدة التي ترفض الالتزام. هذا أمر رهيب... واقتصادها قد يدمر بالكامل". ـ أزمة متشابكة : ما يجعل الأزمة أكثر تعقيدا هو تداخلها مع ملفات أمنية ودفاعية داخل حلف الناتو، إلى جانب التوترات الجيوسياسية العالمية والتباطؤ الاقتصادي المحتمل. وتبدو محاولات التهدئة محدودة حتى الآن. فالرئيس الفرنسي، رغم ما يقال عن علاقة شخصية جيدة تربطه بترامب، لم يتمكن من انتزاع التزام واضح منه بشأن الاتفاق التجاري، وقال بوضوح أمام الصحافة: "طرحت الأمر أكثر من مرة، علنا وخلف الأبواب. لكن هل هو مستعد؟ اسألوه أنتم". وفي ختام قمة لاهاي، جدد ماكرون دعوته إلى إنقاذ الشراكة الاقتصادية عبر نهج متوازن ومسؤول، يحترم وحدة الغرب ويجنب العالم صدمة اقتصادية جديدة.
|
||||||||||