تحليلات
كتب فاطيمة طيبى 24 نوفمبر 2025 2:40 م - التعليقات مصر: أرقام صادمة لأسعار إيجارات الأراضي الزراعية خلال العامين الماضيين
اعداد ـ فاطيمة طيبي في قرى محافظات الدلتا ، لم يعد السؤال الأكثر تداولا بين المزارعين هو: ماذا سنزرع هذا الموسم؟ بل أصبح: هل نستطيع دفع إيجار الأرض هذا العام؟ فخلال الأعوام العشرة الماضية، تغيرت خريطة الزراعة وسجلت الإيجارات مستويات قياسية تجاوزت 4 أضعاف لتسجل أرقاما لم تخطر يوما ببال الفلاحين. وبين شركات تتوسع من أجل التصدير ومزارعين يصارعون للبقاء في المشهد تتشكل سوق جديدة بأسعار إيجارات عند مستويات غير مسبوقة. يقول المزارع في محافظة الغربية، محمد عرفة، إنه منذ أكثر من 10 سنوات مضت اعتاد أن يستأجر مساحات تتراوح بين 25-35 فدانا سنويا لزراعتها بمحاصيل مختلفة، أبرزها القمح والبصل في موسم الشتاء، والذرة والأرز في موسم الصيف، وكانت الإيجارات وقتها تتراوح بين 6 و8 آلاف جنيه للفدان. أوضح أنه بداية من عام 2021 تحديدا، تغير الوضع تماما وبشكل سريع، حيث ارتفع إيجار الفدان إلى 16 ألف جنيه في العام، وخلال الأعوام الأربعة الأخيرة، زادت الإيجارات بشكل متتال حتى وصلت في العام الحالي إلى مستويات تتراوح بين 30 و45 ألف جنيه للفدان الواحد، بحسب المنطقة والمحاصيل التي تشتهر بزراعتها. ـ سبب ارتفاع الإيجارات : ظهرت الطفرة في إيجارات الأراضي الزراعية في مصر بقوة تحديدا مع عام 2021، ومع أول قفزة كبيرة في أسعار بيع محصول مثل الأرز خلال 2021 قرب 13 و14 ألف جنيه للطن مقابل 5 و6 آلاف جنيه في 2020، أصبح ملاك الأراضي يخيرون المزارعين بين دفع مبالغ أكبر للإيجار أو ترك الأرض بحسب عرفة. كما أضاف مالك الأرض مشيرا إلى المكاسب التي حققها فدان الأرز في عام واحد، وأكد أنه ليس عدلا أن يحصل الفلاح على كل هذه المكاسب دون أن يستفيد منها مالك الأرض، وهو ما أجبرني على الاستجابة لمطالبه، خاصة أن عدوى ارتفاع الأسعار عمت مناطق كثيرة. وقال المزارع محمد الصعيدي في مركز منيا القمح بمحافظة الشرقية، ، إن أغلب المساحات في المنطقة يتراوح فيها سعر إيجار القيراط الواحد بين 1350 و1550 جنيها في العام، وتندر المساحات التي تقل أسعار الإيجارات فيها عن هذا الحد. أشار أحمد عبدالرحيم وهو مزارع في محافظة القليوبية، إنه يزرع مساحة تتراوح بين 3 و4 أفدنة سنويا، والمنطقة التي يزرع فيها تشهد تنافسية كبيرة بين المزارعين على المساحة المحدودة المتاحة للإيجار، وتشتهر به زراعة محصول مثل البطاطس والبصل والقمح، لكن ظهرت منافسة أكبر مع مزارعي محصول "الكتان" الذين يقدمون إيجارات تصل إلى 50 ألف جنيه للفدان سنويا. ـ وضع خاص لإيجارات المحاصيل التصديرية : ترتفع إيجارات الأراضي الزراعية التي يمكن زراعتها بالمحاصيل التصديرية بصورة كبيرة مقارنة بالمحاصيل المحلية، وسط منافسة أشد بين المزارعين، ويظهر ذلك بشدة في محاصيل مثل الفراولة والبطاطا الحلوة. قال رئيس شركة الفيروز للتنمية الزراعية، عماد مهدي، إن أسعار إيجارات الأراضي المناسبة لمحصول الفراولة قفزت خلال العامين الأخيرين فقط بما يتجاوز 100%، لتتراوح حاليا بين 90 و125 ألف جنيه للفدان. عزى مهدي هذا الوضع إلى المنافسة الكبيرة على مساحات محدودة من الأراضي، خاصة وأن الفراولة لا تصلح زراعتها في كل المناطق، وتحتاج مجهودات أكبر مقارنة بالمحاصيل الأخرى، كما أن تكاليف الزراعة مرتفعة جدا، خاصة أن عائدات المحصول تعتمد بالدرجة الأولى على شحن كميات أكبر للتصدير. اضف ان سعر تصدير كرتونة الفراولة الموسم الحالي لا يتجاوز 800 جنيه تقريباً، مقابل نحو 2000 جنيه الموسم الماضي، بانخفاض بلغت نسبته 60% تقريبا، ومع إضافة تكلفة الإيجار يتكبد المزارعين هذا الموسم خسائر اقتصادية كبيرة ستؤثر على الاستثمار في زراعات المحصول على المدى المتوسط والبعيد. وتحتل مصر المرتبة الأولى عالميا في صادرات الفراولة المجمدة بإجمالي كميات تتجاوز 250 ألف طن سنويا، بينما تحتل المرتبة الرابعة عالميا في تصدير الفراولة الطازجة بإجمالي كميات تقترب من 50 ألف طن، بحسب بيانات وزارة الزراعة المصرية. وزادت إيجارات مساحات زراعة محصول البطاطا الحلوة في 2024 بمعدل 25% تقريبا في محافظتي دمياط وكفر الشيخ، ثم ارتفعت الأسعار مجددا بنحو 50% تقريبا في العام الحالي، بحسب ما قالته المديرة التنفيذية لشركة جي فريش للمنتجات الزراعية، جيهان الشريف لمصادر اعلامية عربية. كما أوضحت الشريف أن التكلفة الإيجارية بالنسبة لشركات الاستثمار الزراعي ارتفعت كثيرا خلال الفترة الأخيرة مدفوعة بشكل رئيسي بالرغبة في زيادة الإنتاج من أجل التصدير، خاصة أن صادرات مصر الزراعية تنمو بوتيرة جيدة خلال السنوات الأخيرة. وخلال السنوات العشرة الأخيرة، قفزت صادرات مصر الزراعية بنحو 260% تقريبا، لتصعد قرب 9 ملايين طن متوقعة بنهاية العام الحالي، مقابل نحو 2.5 مليون طن في عام 2015، بحسب البيانات الرسمية لوزارة الزراعة المصرية. وأشارت الشريف إلى مشكلة أخرى تتمثل في زيادة مساحات زراعة بعض المحاصيل في الموسم التالي لتحقيق محصول ما ارتفاعا في أسعاره ما يهبط بالأسعار ويكبد الفلاحين خسائر، وأضافت:" بعد كل موسم جيد لمحصول ما نجد توسعات كبيرة في زراعته بالموسم التالي، وهنا مهما كانت تكلفة الإيجار صغيرة فإن الخسائر تكون أكبر. ـ الفلاحون والمستثمرون: قال نقيب عام الفلاحين في مصر، حسين أبو صدام، إن أعداد الفلاحين التقليديين في مصر تنخفض بشكل مستمر طول السنوات الماضية نتيجة تدني العوائد الاقتصادية من الزراعة في مقابل الارتفاعات الكبيرة والمتواصلة لتكاليف الإنتاج الزراعي، وتحول النشاط تدريجيا إلى الاستثمارات الكبيرة خاصة مع التوسع في الأراضي الصحراوية الجديدة، كما أصبحت بعض الشركات تستحوذ على مساحات لا بأس بها في الدلتا لتحقيق مستهدفاتهم من البيع المحلي والتصدير. وقالت المديرة التنفيذية لشركة جي فريش للمنتجات الزراعية، جيهان الشريف إن شركات الاستثمار الزراعي أصبحت تسيطر على مساحات أكبر من الأراضي الزراعية خاصة مع التوسع في الصادرات الزراعية خلال السنوات الماضية، موضحة أن هذه الشركات تفضل الحصول على الأراضي بنظام حق الانتفاع أو الإيجار طويل الأمد لتقليل التكاليف قدر الإمكان، خاصة على مستوى تأهيل الأرض للحصول على أكبر إنتاجية ممكنة منها طوال مدة الإيجار. قال المستثمر الزراعي ورئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، علي عيسى إن إيجار الأراضي الزراعية يعد جزءا من تكلفة الإنتاج، وبالتالي فإن أية زيادة فيه تؤثر على الحصيلة النهائية مثلها مثل عناصر التكلفة الأخرى. أوضح عيسى، أن ارتفاع أسعار الإيجارات واكبه نمو في ارتفاع أسعار المحاصيل نفسها، وبالتالي قيمة العائدات الكلية، وما زالت قيمة إيجارات الأراضي عنصر حر في القطاع الزراعي يحكمه العرض والطلب بالدرجة الأولى، لذا قد ترتفع التكاليف في بعض المساحات عن غيرها لارتفاع الطلب عليها، بعكس مناطق أخرى قد تشهد توازنا في التكاليف. على الرغم من ذلك، يرى عيسى، أن الاستثمار الزراعي ما زال ذا جدوى اقتصادية بشكل عام وعلى المدى الطويل، حتى وإن تعرضت المحاصيل لخسارة في بعض المواسم نتيجة الظروف المناخية أو ارتفاع المعروض، وهذا يحدث في كل الدول وليس مصر فقط. أوضح أن مصر مؤهلة لأن تكون في مصاف كبرى الدول في الإنتاج الزراعي لما لديها من أراض صالحة للزراعة تستطيع تطويرها لتكون جزءا من مخازن الإنتاج الزراعي للعالم. قال عيسى، إن استمرار ارتفاع إيجارات الأراضي الزراعية يعني وجود طلب قوي ومستمر أيضا، وهو ما يؤدي بنا إلى نتيجة هامة هي مناسبة العائدات مع التكاليف الكبيرة للإيجار مثلا، وإذا كان الوضع معكوسا لم نكن سنجد طلبا، لأن الأرض الزراعية مثل أية سلعة أخرى ـ أراضي "الأوقاف" و"الري" : قال مصدر بوزارة الري ، إن الوزارة أصبحت تسعر أراضيها في العقود الجديدة اعتمادا على الطلب في السوق بداية من العام الماضي تحديدا، وارتفعت تكلفة الإيجارات فيها بصورة كبيرة بعد أن كانت لا تتجاوز 4000 جنيه للفدان قبل سنوات قليلة إلى مستويات تقترب حاليا من 30 ألف جنيه للفدان. أوضح المصدر أن الوزارة رفعت أسعار الإيجارات الجديدة في العام الحالي بأكثر من 77% لتسجل ما قيمته 1200 جنيه للقيراط الواحد (28.8 ألف جنيه للفدان) بعد أن كانت لا تتجاوز 675 جنيها في العام الماضي 2024 ، وأقل من 200 جنيه قبل أعوام عدة. وقال نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام، إن بعض أراضي الأوقاف كانت بور غير صالحة للزراعة، وحصل عليها مؤجرين لخدمتها لسنوات طويلة، ومؤخرا ارتفعت عليهم القيمة الإيجارية بصورة كبيرة للدرجة التي دفعت الوزارة لتخييرهم بين الالتزام بالدفع وفقا للقيم الجديدة أو ترك الأرض، وهو ما أجبر المستأجرين على قبول الأسعار التي تحددها الحكومة. ـ نقص الأراضي الزراعية : قال رئيس جمعية تطوير وتنمية الحاصلات البستانية "هيا"، محسن البلتاجي، في تصريحات خاصة ، إن مصر تعاني ندرة في الأراضي الزراعية الجيدة والمنتجة في مقابل الطلب الحقيقي عليها سواء في المناطق الجديدة والصحراوية أو في وادي النيل والدلتا، وإلا لم تكن الأسعار لترتفع بهذه المستويان في الإيجارات، وما زال صغار المزارعين يستحوذون على المساحات الأكبر من الأراضي في مصر. ذكر أن المشروعات القومية الجديدة التي تعمل عليها الدولة مثل مشروع الريف المصري لاستصلاح 1.5 مليون فدان، أو مشروع مستقبل مصر لاستصلاح مليوني فدان، ستضيف كثيرا إلى المعروض القابل للزراعة، لكن بشرط توفير المياه. كلما وجدت المساحات الزراعية والمياه اللازمة، تحقق الإنتاج مستقر ويزيد بمرور الوقت لتغطية الطلب المرتفع سواء محليا أو عالميا أثناء التصدير"، بحسب البلتاجي. أوضح أنه مع ارتفاع الطلب ترتفع تكاليف الأراضي الزراعية سواء لغرض التملك أو الإيجار، وإن كانت تكاليف الإيجار ستظل أعلى من التملك، لكن أسعار بيع الأراضي حاليا أصبحت مرتفعة جدا خاصة في منطقة الدلتا. وقدر حسين أبو صدام، أسعار الأراضي الزراعية في منطقة الدلتا حاليا بمتوسط يتراوح بين 1.5 و2 مليون جنيه للفدان الواحد، مقابل قيم لم تتجاوز 60 ألف جنيه للفدان قبل نحو 10 سنوات. وبحسب بيانات وزارة الزراعة ، تملك مصر نحو 9.5 مليون فدان من الأراضي الزراعية حاليا . ـ كيفية تسعير الإيجارات : قال حسين أبو صدام، نقيب الفلاحين، إن تكلفة إيجار الأراضي تختلف من منطقة لأخرى، ومن حوض لآخر، حتى داخل الحوض الواحد، وتعتمد بالدرجة الأولى على نوعية الري، فالأراضي التي تروى بمياه النيل تكون أغلى سعرا بعكس الأراضي التي يتم ريها بالمياه الجوفية، كما تختلف بحسب قربها من مورد المياه نفسه، أو قربها من الطرق الرئيسية. أوضح أن صغار الفلاحين يفضلون الأراضي القريبة منهم لتجنب التكاليف المرتفعة في عمليات التنقل وسهولة الخدمة، خاصة المهتمين بتربية الثروة الحيوانية، وهو ما يرفع الطلب على الأراضي القريبة من المساكن، وبالتالي تكون إيجاراتها أعلى من غيرها. أضاف أن بعض المؤجرين لا يستخدمون الأراضي بغرض الزراعة، بل لأغراض تجارية مثل مناشر "البصل والثوم"، أو كمخازن مفتوحه لـ"تبن القمح" و"الكومبسوت"، وهو ما يمكن تسميته تعديا على الأراضي الزراعية بطرق غير مباشرة.
|
|||||||||||||||