أبحاث
كتب فاطيمة طيبى 30 يوليو 2025 2:50 م - التعليقات قراءة أداء ميزان المدفوعات تبشر بتحسن البنود الرئيسية كالتحويلات والسياحة والصادرات اعداد ـ فاطيمة طيبي
في 27 يوليو أكد خبراء اقتصاديون أن بيانات ميزان المدفوعات عن الأشهر التسعة الأولى من عام 2024/2025 تنبئ بتحسن الأداء الاقتصادي الكلي لمصر، وذلك رغم التحول من تحقيق فائض كلي إلى عجز كلي، مشددين على أن ذلك التحول لا يبعث عن أي مخاوف أو مؤشرات سلبية، بل يأتي في ظل تحسن ملحوظ في عدد من البنود الرئيسية. وأوضح الخبراء في قراءة تحليلية لبيانات ميزان المدفوعات، أن التحسن في الحساب الجاري، وارتفاع تحويلات المصريين بالخارج، وصعود إيرادات السياحة، ساهم في تقليص حدة الضغوط الخارجية، وهو ما قد يمهد لتحقيق فائض خلال الربع الأخير من العام المالي. وأكدوا أن قراءة الأرقام يجب ألا تقتصر على قيمة العجز المعلنة فقط، بل على مكونات هذا العجز. ففي الوقت الذي تراجع فيه الاستثمار الأجنبي المباشر، وارتفعت المدفوعات المتعلقة بأرباح الشركات الأجنبية، هناك تعاف ملحوظ في عدد من البنود الرئيسية المرتبطة بالنشاط الاقتصادي المحلي. وشهدت الفترة من يوليو 2024 حتى مارس 2025 تسجيل عجز كلي قدره نحو 1.9 مليار دولار مقارنة بفائض بلغ 4.1 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي السابق، وذلك رغم التحسن الملحوظ في عجز الحساب الجاري الذي تراجع بنحو 22.6% ليصل إلى 13.2 مليار دولار، والذي جاء مدفوعا بارتفاع تحويلات العاملين بالخارج ونمو الإيرادات السياحية وزيادة الصادرات السلعية غير البترولية، ما أسهم في تقليص العجز التجاري غير البترولي، بالإضافة إلى تحسن عجز ميزان دخل الاستثمار. ـ فرص أكبر لتحول ميزان المدفوعات تدريجيا إلى فائض العام المالي الجاري : قال مصطفى شفيع رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، إن التحول في ميزان المدفوعات فائض إلى عجز جاء نتيجة مباشرة لتراجع التدفقات في بند المعاملات الرأسمالية والمالية، رغم التحسن النسبي في المعاملات الجارية. كما أن هناك طفرات إيجابية في حساب المعاملات الجارية، أبرزها قفزة تحويلات المصريين بالخارج، بنحو 83%، مرجعا هذه الزيادة إلى تبني البنك المركزي سياسة مرنة لسعر الصرف، والتي أدت إلى إنهاء السوق الموازية للعملة وعودة التحويلات إلى القنوات الرسمية، لكنه لفت إلى أن استمرار الأداء مرهون بظروف خاصة قد لا تتكرر بسهولة إذ إن المقارنة تمت مع عام شهد اضطرابات كبيرة في سوق الصرف. وتطرق شفيع إلى قطاع السياحة، واعتبره من أكثر القطاعات التي شهدت نموا، مشيرا إلى أن عدد السائحين والليالي السياحية تجاوز مستويات ما قبل 2011، حيث بلغ عدد الزوار نحو 15 مليونا، في ظل سعي الدولة للوصول إلى 18 مليونا. وأوضح أن تحسن مؤشرات السياحة ارتبط بالاستقرار النسبي وانخفاض قيمة الجنيه، مما جعل من مصر وجهة مفضلة، لكنه حذّر من الاعتماد الكامل على القطاع نظرا لحساسيته مع التوترات السياسية. ورغم التحسن في بعض البنود، أشار إلى وجود أخرى حدت من هذا التقدم، وعلى رأسها زيادة العجز في الميزان البترولي نتيجة ارتفاع الواردات وتراجع الصادرات. كما لفت إلى زيادة العجز في الميزان التجاري غير البترولي ليصل إلى 28 مليار دولار، مقابل 23.7 مليار دولار في العام الذي قبله، مما يعكس استمرار الفجوة الكبيرة بين الصادرات والواردات. وشدد على أن مصر لا تزال دولة مستوردة بالأساس، وبالتالي فإن تحسن الصادرات وحده لا يكفي لتحقيق توازن واضح في الميزان التجاري. ـ قناة السويس فقدت نصف إيراداتها والتعافي مرهون بانفراجة في الأوضاع الجيوسياسية: وتناول مصطفى شفيع أيضا انخفاض إيرادات قناة السويس، نتيجة تأثر حركة التجارة العالمية بالحرب في غزة وهجمات الحوثيين في البحر الأحمر، ما دفع العديد من السفن إلى استخدام طرق بديلة، وأثر بالتبعية على أعداد السفن العابرة والحمولات. ورأى شفيع، أن السبب الجوهري لتحول ميزان المدفوعات إلى العجز تمثل في التراجع الكبير ببند المعاملات الرأسمالية والمالية، نتيجة تضمن العام السابق تنفيذ صفقة “رأس الحكمة” التي وفّرت وحدها نحو 35 مليار دولار، منها 24 مليارًا تدفقات نقدية. وأضاف أن الاستثمار الأجنبي المباشر تراجع إلى 9.8 مليارات دولار، بينما انخفضت استثمارات المحافظ إلى نحو 2 مليار دولار، مقارنة بأكثر من 14 مليارا في الفترة المقابلة من العام الماضي. ولفت إلى أن صفقات بحجم "رأس الحكمة" لا يمكن التعويل عليها بشكل متكرر، وأن المشروعات التي تم الإعلان عنها مثل رأس بناس و رأس شقير و رأس جميلة لم تترجم فعليا على الأرض حتى الآن. وفيما يخص الاستثمار العقاري من غير المقيمين، أشار إلى أن الدولة تعمل على تصدير العقار، وبدأت الشركات في استهداف الجاليات العربية والمصريين بالخارج، لكن هذا المسار لا يزال في بدايته ولم يتحول بعد إلى مصدر فعلي ومستدام للنقد الأجنبي. كما أن التوازن المستدام في ميزان المدفوعات يتطلب تركيزا أكبر على دعم الإنتاج والتصدير، وهو ما يحتاج إلى وقت طويل، لكنه شدد على أهمية دعم القطاعات القادرة على توليد تدفقات سريعة في المرحلة الحالية، مثل السياحة والتحويلات وقناة السويس، بالتوازي مع تسريع وتيرة الإصلاحات المؤسسية والتشريعية لجذب استثمارات أجنبية جديدة. وعن التوقعات للربع الأخير من العام المالي المنصرم، رجح شفيع أن تحقق مصر فائضا كليا مجددا، إذا توفرت ظروف مشابهة لتلك التي صاحبت صفقة رأس الحكمة، إلا أن فرص هذا السيناريو ضعيفة بنهاية العام المالي، مع وجود احتمال أكبر لتحسن تدريجي خلال السنة المالية 2025/2026، في حال استعادة قناة السويس جزءا من نشاطها، واستمرار زخم قطاع السياحة، وثبات مستوى التحويلات من العاملين بالخارج. ـ استثمارات الأجانب في العقارات ليست كافية للرهان ونحتاج صفقات إنتاجية كبرى لرفع الاستثمار الأجنبي المباشر: كما قال منصف مرسي العضو المنتدب ورئيس قطاع البحوث بشركة سي آي كابيتال، إن أداء ميزان المدفوعات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام المالي 2024/2025 شهد تحسنًا ملحوظًا، لا سيما في الربع الثالث، والذي عكس تحولًا إيجابيًّا في عدة مكونات رئيسية أبرزها الصادرات، والتحويلات من الخارج، والقطاع السياحي. كما أن هذا التحسن ظهر بوضوح في المؤشرات الكلية، وتزامن مع استقرار نسبي في سعر الصرف، ما انعكس بدوره على تحركات العملة، وأدى إلى مناخ أكثر توازنا في المعاملات الجارية. مشيرا إلى أن النمو الاقتصادي المسجّل في تلك الفترة، والذي بلغ نحو 4.8%، كان مدعوما أيضا بأداء قوي في قطاع الصادرات، وهو ما يعطي إشارة إيجابية بشأن قدرة الاقتصاد المصري على التعافي عبر بوابة التجارة الخارجية. ورغم هذا التحسن، أوضح مرسي، أن تحول ميزان المدفوعات من فائض كلي بلغ 4.1 مليار دولار في نفس الفترة من العام المالي الماضي إلى عجز قدره 1.9 مليار دولار هذا العام، يرجع بالأساس إلى تراجع صافي التدفقات المالية والرأسمالية، مشيرا إلى أن المقارنة تتأثر جزئيا بصفقة رأس الحكمة، والتي دعمت الاستثمارات الأجنبية المباشرة حينها بقيمة ضخمة لن تتكرر سنويا. وفيما يخص الفائض في الميزان الخدمي، خاصة في إيرادات السياحة، أكد منصف مرسي أن المؤشرات تدعو للتفاؤل بقدرة القطاع على الاستمرار في تسجيل معدلات نمو جيدة، مدعوما باستقرار الأوضاع الجيوسياسية نسبيا، واهتمام الحكومة المتزايد بتحفيز الاستثمارات في القطاع السياحي. وأشار كذلك إلى أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتي وصلت إلى 32.8 مليار دولار خلال 11 شهرا فقط، تمثل رقما قياسيا يدعم استقرار ميزان المدفوعات، ويعكس تعافي الثقة في القنوات الرسمية للتحويل، مشددا على أن استمرار هذا الأداء سيمنح الاقتصاد المصري مرونة أكبر في إدارة ملف النقد الأجنبي. ـ تراجع الحاد في إيرادات قناة السويس : أما بشأن التراجع الحاد في إيرادات قناة السويس، والذي يقدر بنحو 6 إلى 7 مليارات دولار خلال الأشهر الماضية، أكد أنه طرقم كبير جدا نسبيا "، وأن أي تحسن تدريجي في أداء القناة سيعزز بدوره استقرار العملة ويدفع ميزان المدفوعات نحو التعافي. وفيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية في العقارات ومدى إمكانية التعويل عليها في دعم ميزان المدفوعات، أوضح مرسي أنها تمثل شقًا من الاستثمارات الأجنبية لكنها ليست الرهان الأكبر. وأشار إلى أن العقارات قد تكتسب أهمية في حال تحولت إلى صفقات ضخمة مثل تلك التي يتم الحديث عنها بين مصر وقطر أو في البحر الأحمر، لكنها ليست كافية وحدها لدفع الاستثمار الأجنبي المباشر بقوة. ولفت إلى أن الأوضاع مرشحة للتحسن حال حدوث مزيد من الاستثمارات في قطاعات إنتاجية متنوعة، وخاصة في ضوء خطة الحكومة للتخارج من عدد من الشركات، وفقا للاتفاق مع صندوق النقد الدولي. ـ تحسن إضافي مرتقب في الربع الأخير قد يؤدي إلى تحويل العجز الكلي إلى فائض: وتوقع مرسي، أن يشهد الربع الأخير من العام المالي تحسنا إضافيا قد يؤدي إلى تحويل العجز الكلي إلى فائض، شرط توافر عناصر محددة، على رأسها: استمرار قوة التحويلات، استقرار إيرادات السياحة، عودة تدريجية لعائدات قناة السويس، وتنفيذ بعض صفقات الاستثمار الأجنبي المباشر المنتظرة. وأكد أن الأداء الإيجابي في الربع الثالث يمنح إشارات واعدة، خاصة إذا حافظ القطاع التصديري على زخمه الحالي، مشيرا إلى أن بداية العام المالي الجديد قد تحمل مؤشرات أكثر تفاؤلا حال استمرت هذه الاتجاهات مجتمعة. ـ التحول إلى العجز في ميزان المدفوعات طبيعي بعد فترة استثنائية : قال الدكتور فخري الفقي رئيس لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، إن العجز المسجل في ميزان المدفوعات خلال الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية 2024/2025، لا يعد مؤشرا سلبيا، بل يعكس أوضاعا طبيعية بعد فترة استثنائية شهدت تدفقات ضخمة، مؤكدا وجود خمسة مؤشرات إيجابية تنبئ بتحسن في الأداء الاقتصادي الكلي وأوضح الفقي، أن المقارنة مع الفترة المناظرة من العام المالي قبل الماضي ، تستدعي أخذ المتغيرات الاستثنائية في الاعتبار، وعلى رأسها صفقة رأس الحكمة، التي تبعها إجراءات ضبط سعر وسوق الصرف ما أدى إلى فائض استثنائي في ميزان المدفوعات خلال تلك الفترة. وأضاف أن العجز الحالي يأتي في ظل عودة الأوضاع الاقتصادية لمسارها الطبيعي، مشيرا إلى أن الحساب الجاري، رغم بقائه في منطقة العجز شهد تحسنا ملحوظًا مع تراجع العجز إلى 13.2 مليار دولار، مدفوعا بتحسن الميزان التجاري السلعي غير البترولي وارتفاع الصادرات، مقابل زيادة العجز في الميزان البترولي نتيجة استيراد الغاز لتغطية احتياجات الكهرباء والصناعة في موسم الصيف. وأشار إلى أن ميزان الخدمات، وتحديدا قطاع السياحة، سجل أداء إيجابيا بتحقيق إيرادات بلغت 12.5 مليار دولار مقابل 10.9 مليارات دولار، في مؤشر على تعافي النشاط السياحي وزيادة كفاءة الجهود المبذولة في هذا القطاع. كما نوه الفقي إلى الطفرة النوعية التي شهدتها تحويلات المصريين العاملين بالخارج، والتي قفزت إلى 26.4 مليار دولار خلال 9 أشهر، مقابل 14.5 مليار دولار بزيادة تقارب 12 مليار دولار، مدفوعة بسياسة سعر الصرف المرن والقضاء على السوق الموازية، ما أعاد الثقة في الجهاز المصرفي كقناة رئيسية لتدفق النقد الأجنبي. وفي بند المعاملات الرأسمالية والمالية، أشار الفقي، إلى تحسن صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع البترول، الذي بلغ 0.7 مليار دولار مقابل 0.2 مليار فقط في العام السابق، نتيجة تسديد مستحقات الشركات الأجنبية التي أعادت استثمارها في عمليات حفر وتوسعة، وهو ما ساهم في تعزيز ميزان المدفوعات. كذلك، أوضح أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات غير البترولية سجلت صافي تدفقات بلغت 9.1 مليارات دولار، ما رفع إجمالي صافي الاستثمار المباشر إلى نحو 9.8 مليارات دولار خلال 9 أشهر، وهو مؤشر إيجابي يعكس تحسن مناخ الاستثمار. كما أن بند تصدير العقار أصبح يمثل موردا نوعيا ضمن تدفقات المعاملات الرأسمالية، حيث سجلت استثمارات غير المقيمين نحو 1.6 مليار دولار، مدفوعة بتحوطات خليجية في ظل التوترات الجيوسياسية في الإقليم، ما يعكس ثقة متزايدة في السوق العقارية المصرية، لا سيما في العلمين والعاصمة الإدارية الجديدة. وأوضح أن إجمالي صافي التدفقات ضمن المعاملات الرأسمالية والمالية بلغ 11.4 مليار دولار، وإذا ما تم طرحها من العجز في الحساب الجاري البالغ 13.2 مليار دولار، يتبقى عجز كلي في ميزان المدفوعات قدره 1.9 مليار دولار فقط. ـ الربع الأخير مرشح لتعويض العجز بدعم من تحويلات المصريين والسياحة : وعن توقعاته للربع الأخير من العام المالي، أشار الفقي إلى احتمالات تحول العجز إلى فائض، مع استمرار تحسن إيرادات السياحة وتحويلات المصريين بالخارج، منوها إلى احتمالات قوية بقيام الخليج باستخدام ودائعه لدى البنك المركزي المصري لشراء أصول عقارية على البحر الأحمر والساحل الشمالي، بما يعزز التدفقات الدولارية خلال الفترة القادمة.
|
|||||||||||||||