أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
4 أغسطس 2025 4:06 م
-
حظر التعامل مع جهات تقييم غير معتمدة.. خطوة مهمة لضبط السوق وحماية المنافسة

حظر التعامل مع جهات تقييم غير معتمدة.. خطوة مهمة لضبط السوق وحماية المنافسة

اعداد ـ فاطيمة طيبي

أثار قرار الهيئة العامة للرقابة المالية بتنظيم التعامل مع جهات التقييم العقاري ردود فعل مرحّبة داخل سوق التمويل العقاري، إذ اعتبره عدد من مسؤولي القطاع خطوة تصحيحية تعزز الشفافية وتحد من الممارسات العشوائية.

أكدوا أن تكلفة التقييم المعتمد لا تمثل عبئا حقيقيا على العملاء أو على دورة التمويل، حيث إن أتعاب التقييم العقاري، حتى في الحالات الكبرى، تظل ضئيلة مقارنة بقيمة التمويل، ولا تعد مبررا للتهرب من الجهات المعتمدة، مستبعدين أن يؤدي القرار إلى تعطيل حركة التمويل العقاري. وشدد أحد الاستشاريين العقاريين على أهمية إخضاع السوق لمنظومة تقييم دقيقة ومحدثة، معتبرا أن معايير التقييم الحالية الصادرة منذ عام 2015 لم تعد كافية، وأن غياب قواعد بيانات واضحة للأسعار والمعروض يؤثر سلبا على دقة التقييم وثقة المستثمرين في السوق العقارية المصرية.

وقد أصدرت الهيئة العامة للرقابة المالية، تعميما رقم 4 لسنة 2025 بشأن حظر تعامل الشركات العاملة في نشاطي التمويل العقاري والتأجير التمويلي مع جهات تقييم عقاري غير مسجلة ومعتمدة رسميا بالسجل الرسمي لخبراء التقييم العقاري لدى الهيئة، سواء كانت شخصا طبيعيا أو اعتباريا، ويعتبر ذلك مخالفة صريحة تستوجب المساءلة.

ونص التعميم على أنه يجب الالتزام الكامل بتطبيق المعايير المصرية للتقييم العقاري، الصادرة بقرار مجلس إدارة الهيئة رقم (39) لسنة 2015 في جميع عمليات التقييم التي يتم الاستعانة بها، وأكد التعميم أن تقارير التقييم الصادرة عن جهات غير مقيدة بالسجل الرسمي تعد لاغية وغير معتمدة، ولا يجوز الاعتداد بها في أي تعاملات مالية أو تمويلية. وتعد مخالفة هذه التعليمات مخالفة صريحة لأحكام قانون التمويل العقاري رقم (148) لسنة 2001 ولائحته التنفيذية وتعديلاته، مما يعرض الشركة أو الجهة المخالفة للمساءلة القانونية والرقابية.

 ـ  المقيم غير المعتمد يهدد ضمانات شركات التمويل العقاري :

أكد أيمن عبد الحميد، نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب لشركة "الأولى" للتمويل العقاري، أن الاعتماد على تقييم عقاري صادر عن جهة غير مقيدة لدى الهيئة العامة للرقابة المالية يشكل مخاطرة قانونية ومهنية كبيرة، وقد يفقد عقد التمويل العقاري شرعيته أمام الجهات القضائية في حال حدوث تعثر.

وأوضح أن المقيم العقاري المعتمد يمر بسلسلة من الإجراءات الصارمة قبل قيده، تبدأ ببرنامج تدريبي واختبارات دقيقة لا ينجح بها سوى نسبة محدودة، كما تمنح له رخصة قابلة للتجديد تخضع للرقابة، وتفعل ضده المساءلة في حال ارتكابه تجاوزات مهنية. ولفت إلى أن الهيئة العامة للرقابة المالية تمتلك آلية واضحة لتلقي الشكاوى ومحاسبة أي مقيم يتسبب في انحرافات جوهرية بقيمة الأصول العقارية محل التمويل.

أشار عبد الحميد إلى أن خطورة التقييم غير السليم تكمن في كونه يؤثر مباشرة على ضمانة الشركة الممولة، متسائلا: كيف يمكن لشركة أن تعتمد وحدة، على سبيل المثال، قيمتها الحقيقية 10 ملايين جنيه بينما تم تقييمها بـ100 مليون دون أسس علمية؟ وأضاف أن هذا التفاوت في الأرقام يهدد سلامة المراكز المالية للمؤسسات التمويلية، ويفتح الباب لمخاطر ائتمانية جسيمة.

وقال إن بعض الجهات قد تلجأ إلى التعامل مع مقيمين غير معتمدين لأغراض تتعلق بتضخيم التقييم، وتحقيق أهداف غير مشروعة. لكنه شدد على أن ذلك لا ينطبق على قطاع التمويل العقاري، الذي يفرض التزاما قانونيًا واضحا بقيد اسم المقيم ورقم ترخيصه في عقد التمويل، وفقا للنماذج المعتمدة من الهيئة، ما يجعل من الصعب مخالفة تلك القواعد دون تعريض العقد للبطلان.

أضاف عبد الحميد أن أي جهة تقيم الضمانة بشكل غير معتمد تفقد العقد أساسه القانوني، موضحا أنه في حال حدوث تعثر، فإن المحكمة قد ترفض منح الشركة حقها في استرداد أموالها إذا ثبت أنها اعتمدت على تقرير تقييم غير صادر من جهة رسمية مسجلة.

وتطرق إلى آلية الرقابة اللاحقة، مشيرا إلى أن الهيئة تتدخل عبر لجان مكونة من ثلاثة مقيمين مستقلين في حال اعتراض العميل على تقرير تقييم معين. وإذا تبين وجود انحراف جوهري في السعر المقدر، فإن الهيئة قد تسحب رخصة المقيم، بل وتحيله إلى التحقيق، وقد تصل العقوبة إلى حد المساءلة الجنائية، خاصة إذا ثبت أن التقييم تسبب بخسائر مادية جسيمة للشركة.

وفيما يخص المعايير المصرية للتقييم العقاري، أوضح عبد الحميد أنها كافية وحديثة، وتتماشى مع احتياجات السوق، مشيرا إلى أن اختلافات طفيفة قد تظهر أحيانا بين المساحة المسجلة في العقد وتلك المقيمة فعليا، لكن ذلك يعود لطبيعة احتساب المساحات المشتركة من خدمات ومرافق، وهي اختلافات مأخوذة في الاعتبار لدى المقيمين العقاريين المعتمدين.

وعن مدى توافر المقيمين المعتمدين، قال إن السوق تضم أكثر من 100 خبير تقييم مسجل لدى الهيئة، وهو عدد كاف لتغطية حجم الطلب الشهري على التقييمات، مشيرا إلى أن كل مقيم يتولى تقييم حالتين أو ثلاث حالات في المتوسط، دون أن يؤدي ذلك إلى ضغوط تشغيلية.

وفيما يتعلق بتأثير القرار على جذب الاستثمارات الأجنبية، أشار إلى أن القرار لن يحدث تحولا مباشرا في السوق العقارية، وإنما يكمن أثره الحقيقي في تعزيز مصداقية الضمانات العقارية أمام الجهات الممولة، خاصة البنوك، التي لا تقبل تمويل أي أصل عقاري دون تقييم صادر من مقيم مسجل لدى البنك المركزي أو الهيئة.

وأكد عبد الحميد على أن المقيم العقاري يمثل حلقة محورية في عملية التمويل، وتجاهل اعتماد الجهات الرقابية له يُعد مخاطرة لا تُغتفر من الناحية القانونية أو الائتمانية، مشددا على ضرورة التزام السوق بالضوابط لضمان سلامة التعاملات وثقة المستثمرين.

ـ المعايير المصرية للتقييم العقاري حديثة وتغطي احتياجات السوق :  

قال طارق فهمي، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لشركة التوفيق للتأجير التمويلي، إن قرار الهيئة العامة للرقابة المالية بحظر تعامل شركات التمويل العقاري والتأجير التمويلي مع جهات تقييم غير مقيدة بالسجلات الرسمية هو قرار طبيعي ومنطقي، بل ويعكس ما هو معمول به فعليا لدى الشركات الملتزمة بالضوابط.

أضاف أن الجهات المعتمدة من الهيئة ومن البنك المركزي تخضع لاشتراطات دقيقة تشمل التحقق من السمعة والخبرة وسابقة الأعمال، وبالتالي فإن الاعتماد الرسمي يمنح الثقة للمؤسسات التمويلية وللعملاء، في حين أن التعامل مع مقيم غير معتمد يثير تلقائيا علامات استفهام حول نوايا الشركة أو مدى التزامها بالضوابط المهنية.

وأوضح أن قرارات الهيئة والبنك المركزي، إلى جانب سياسات الشركات نفسها، تنص بوضوح على ضرورة الاعتماد فقط على جهات تقييم معتمدة من الهيئة، ومن يخالف هذه القواعد، سواء عن جهل أو عمد، يتحمل كامل المسؤولية القانونية والرقابية عن ذلك.

وتابع أن اللجوء لمقيم غير معتمد في عمليات التمويل العقاري أو التأجير التمويلي لا يمثل فقط مخالفة صريحة، بل يعكس أيضا خللا في المنهج الائتماني. وأشار إلى أن التقييم العقاري عنصر جوهري في اتخاذ قرار التمويل، وأي تلاعب أو تجاوز فيه قد يؤدي إلى قرارات تمويلية خاطئة، ترتد آثارها السلبية على السوق بأكمله.

كما  أنه لا يوجد أي مبرر اقتصادي للتعامل مع جهات تقييم غير معتمدة، حتى من زاوية التكاليف. ولفت إلى أن هذه التكاليف لا تتحملها الشركات، بل يتم تحميلها على العميل ضمن المصروفات الإدارية. وأوضح أن الفرق بين تقييم معتمد وآخر غير معتمد لا يبرر المخاطرة بسمعة الشركة أو مخالفة القرارات التنظيمية.

واعتبر أن من غير المنطقي أن تتعامل شركة محترفة مع جهة تقييم لا ترغب أصلا في استيفاء شروط الاعتماد، متسائلا عن أسباب امتناع تلك الجهات عن التسجيل، إلا إذا كانت تفتقر إلى الشروط الفنية أو المهنية المطلوبة.

وفيما يتعلق بمدى كفاءة المعايير المصرية للتقييم العقاري الأخيرة ، أوضح فهمي أن شركته تتبع أسلوبا مزدوجا في التقييم من خلال الاستعانة بجهتين مستقلتين كلتاهما معتمدة من هيئة الرقابة المالية، وكذلك معتمدة من البنك المركزي المصري، وغالبا ما تكون النتائج متقاربة للغاية، وهو ما يعكس انضباطًا في منهجية التقييم وسلامة المعايير المعتمدة.

كما أكد أن السوق لا تعاني من نقص في عدد خبراء التقييم المعتمدين لدى الهيئة، مشيرا إلى أن شركته لم تواجه أي صعوبة في إيجاد مقيمين معتمدين خلال تنفيذ أي عملية. وأوضح أن السوق تضم عددا كافيا من المقيمين المعتمدين، ما يسمح بتوزيع الضغط وتفادي أي تأخير في العمليات.

وشدد على أن العودة إلى الجهات غير المعتمدة تمثل خروجا غير مبرر عن المنظومة الرقابية، وأن التشديد على هذا الملف من قبل الهيئة يأتي في محله لحماية نزاهة السوق وضمان سلامة القرارات التمويلية التي تعتمد على تقييمات دقيقة ومحايدة.

ـ تنظيم جهات التقييم يعزز المصداقية ويقنن السوق :

 ورحب الدكتور طارق الغمراوي، استشاري التطوير العقاري وإدارة المشروعات، بقرار تنظيم التعامل مع جهات التقييم العقاري، مؤكدا أنه قرار إيجابي طال انتظاره، ويعكس توجه الدولة لتقنين النشاط العقاري وضبط المنظومة التمويلية بشكل احترافي، بما يضمن حماية السوق والمستهلك في آن واحد.

قال الغمراوي إن غياب التنظيم الرقابي على جهات التقييم لفترة طويلة أتاح الفرصة أمام العديد من الجهات غير المقيدة أو الخاضعة لرقابة الهيئة العامة للرقابة المالية، ما أضر بالشركات الجادة الحاصلة على رخص رسمية.

أضاف: "في أحد المشروعات التي كنت أعمل فيها سابقا، حصلنا على رخصة التمويل العقاري من الهيئة بعد عام ونصف من الإجراءات والتكلفة المرتفعة، ثم فوجئنا بأن بعض البنوك والشركات تتعامل مع وسطاء وسماسرة غير مقيدين، فقط لأنهم يطلبون عمولات أقل، ما كبدنا خسائر".

وأوضح أن إخضاع جميع الأنشطة العقارية لجهات رقابية سيؤدي إلى رفع كفاءة الأداء المهني وحماية السوق من الممارسات غير الرسمية.

وحول ما إذا كان القرار سيؤثر على حجم التمويلات العقارية أو مدة الإنجاز، أشار الغمراوي إلى أن تكلفة التقييم العقاري ضئيلة ولا تشكل عبئا على العملية التمويلية. وفي حالة تمويل وحدة بـ30 مليون جنيه مثلًا، فإن أتعاب المقيم غير الرسمي لا تتجاوز 5 آلاف جنيه، وهو مبلغ لا يذكر في معادلة التمويل العقاري" .

وأضاف أن معظم شركات التمويل العقاري الكبرى تتعامل بالفعل مع جهات تقييم مسجلة ومعتمدة، وبالتالي فإن الأثر الفعلي للقرار سيكون في تقنين السوق ورفع مستوى المصداقية، لا في إبطاء أو تقليص حجم التمويل الممنوح.

وشدد الغمراوي على أن القرار من شأنه تعزيز مصداقية السوق العقارية المصرية أمام المستثمرين المحليين والأجانب، موضحا أنه لا يوجد في مصر آلية واضحة وموحدة للتقييم العقاري. وأضاف أن التقييم العقاري السليم يبدأ من وضع آلية دقيقة لاحتساب المساحات وفق معايير هندسية متفق عليها، على غرار النظم الدولية المعتمدة. وأشار إلى أن غياب هذه المنهجية يفتح الباب أمام التضليل العقاري، حيث تعرض الوحدات بمساحات غير مطابقة للواقع، ما يخلق فجوة في الثقة ويعيق فكرة تصدير العقار للخارج.

واعتبر الغمراوي أن معايير التقييم الصادرة عام 2015 باتت غير كافية لمواكبة التحولات الكبرى في السوق العقارية المصرية، خاصة في ظل غياب قاعدة بيانات دقيقة. وقال: "نحن نعيش في سوق بلا أرقام موثقة، لا نعرف حجم المعروض الحقيقي، ولا أسعار المناطق، ولا نسب الإشغال أو التأجير. الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء يقدم بياناته كل عشر سنوات، في حين أن الأسواق المتقدمة تعتمد على قواعد بيانات محدثة يوميا لتوجيه الاستثمارات" .

وأشار إلى أن مصر تمتلك ثروة عقارية ضخمة تقدر بنحو 50 مليون وحدة، لكن لا توجد جهة تستطيع حتى الآن تحديد عدد الوحدات المشغولة أو المغلقة أو المعروضة للإيجار أو البيع، وهي فجوة معلوماتية تؤثر على دقة التقييم العقاري، وتضعف من قدرة الدولة على رسم سياسات عمرانية وتمويلية فعالة.

وأشار الغمراوي إلى أن التمويل العقاري في مصر لا يزال يعاني من عراقيل هيكلية، تتمثل في ارتفاع أسعار الفائدة ـ حتى بعد الخفض الأخيرـ  إلى مستويات غير ملائمة للنشاط العقاري، معتبرا أن الفائدة المثالية لنمو هذا القطاع يجب ألا تتجاوز 12%، في حين أنها تقف حاليا عند حدود الـ25% .

وأشار كذلك إلى أن الإجراءات المعقدة، ومتطلبات إثبات الدخل، وارتفاع مستوى البيروقراطية، كلها عوامل تفرغ السوق من العملاء المؤهلين للحصول على تمويل، وتبقي النشاط محصورا في فئات محدودة، دون أن يتحول إلى أداة فعالة لدعم الطبقة المتوسطة أو تنشيط الاقتصاد الكلي .

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 55 دقيقةتحديات أمام تسريع مشروعات الهيدروجين الأخضر ونقل الكهرباء وبيع المنتج النهائي3 أغسطس 2025 2:30 موسط أسواق العملات تذبذب حاد للدولار ومفاجآت بقرارات الفيدرالي الجديدة30 يوليو 2025 2:50 مقراءة أداء ميزان المدفوعات تبشر بتحسن البنود الرئيسية كالتحويلات والسياحة والصادرات28 يوليو 2025 3:30 مالذكاء الاصطناعي يحفز خطط الاستثمارات الرأسمالية للشركات العملاقة27 يوليو 2025 1:24 مسعر الصرف المرن أحد أهم إيجابيات السوق خاصة للاستثمار الأجنبي المباشر27 يوليو 2025 1:13 متطوير شركات الغزل والنسيج يكتمل الا بتوفير خامات الصناعة وتدريب العمالة27 يوليو 2025 12:07 موزراء مالية دول البريكس يقترحون إصلاح صندوق النقد وإيران تبحث عن حلفاء7 يوليو 2025 2:29 مقمة "بريكس" المالية.. في الذكرى العاشرة لتأسيسه اجتماع بنك التنمية الجديد بالبرازيل6 يوليو 2025 3:54 مرئيس الوزراء: نسعى للحفاظ على المسار التنازلي لنسبة الدين من الناتج المحلي الإجمالي2 يوليو 2025 4:36 ماشبيلية: لقاءات ومباحثات رئيس الوزراء على هامش مشاركته بمؤتمرالأمم المتحدة الرابع لتمويل التنمية

التعليقات