تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
10 أغسطس 2025 12:47 م
-
مصر: تراجع العجز التجاري ينعش آمال الاستثمار الخاص بشرط ضمان الاستدامة

مصر: تراجع العجز التجاري ينعش آمال الاستثمار الخاص بشرط ضمان الاستدامة

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

تراجع العجز التجاري لمصر بنسبة 17.8% خلال مايو 2025 يمثل مؤشرا إيجابيا على تحسن أداء الاقتصاد وتعزيز قدرته الإنتاجية، إلا أن هذا التحسن لا يعني بالضرورة أن بيئة العمل للمصنعين قد أصبحت مثالية بعد، موضحين أن استمرار هذا التراجع يتطلب معالجة جذرية للتحديات التي تواجه القطاع الصناعي. هذا ما قاله عدد من أصحاب الشركات والمستثمرين . 

ورغم ارتفاع عجز الميزان التجاري غير البترولي بنحو 4.3 مليار دولار، في الفترة من يوليو 2024 إلى مارس 2025، وفقا لما كشفه ميزان المدفوعات، إلا أن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كشف قبل أيام عن انخفاض قيمة عجز الميزان التجاري لمصر بنسبة 17.8% خلال مايو 2025، ليسجل 3.41 مليار دولار، مقابل 4.15 مليار دولار خلال نفس الشهر من 2024.

أضافوا أن خفض العجز التجاري جاء نتيجة مزيج من زيادة الصادرات وتقليل الواردات، وهو ما يعكس تحسنا نسبيا في الاعتماد على الإنتاج المحلي، لكنه قد يكون مرتبطًا في بعض الأحيان بعوامل مؤقتة مثل فرض قيود على بعض السلع غير الضرورية، مؤكدين أن ضمان استدامة هذا التحسن يحتاج إلى سياسات إنتاجية وتصديرية طويلة المدى.

ولفتوا إلى أن أبرز التحديات التي ما زالت تعوق الصناعة تشمل ..

ـ  ارتفاع تكاليف الإنتاج خاصة الطاقة والخامات المستوردة.

ـ بطء الإجراءات الاستثمارية .

ـ  ضعف القدرة على تصنيع المكونات محليا .

ـ إلى جانب احتياج بعض الصناعات إلى بنية تحتية أقوى وضمانات لتوافر الطاقة بشكل مستمر.

وأوضحوا أن التوقعات بشأن استمرار تراجع العجز التجاري تعتمد على قدرة الدولة على جذب استثمارات جديدة، ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوسيع قاعدة الإنتاج، فضلا عن فتح أسواق تصديرية جديدة وتفعيل برامج دعم الصادرات بكفاءة وسرعة.

ـ  التمويل وتوفير الخامات أهم المتطلبات والسياسات الاقتصادية الحالية تحتاج إلى تيسير نقدي :

قال أحمد صقر نائب رئيس غرفة الإسكندرية التجارية ورئيس مجلس إدارة مجموعة الصقر للصناعات الغذائية، إن تراجع العجز التجاري يعكس زيادة في الصادرات، لكنه أشار في الوقت نفسه إلى أن السياسات الاقتصادية الحالية تحتاج إلى تيسير نقدي. أضاف صقر، أن زيادة الصادرات تتطلب صرف مستحقات دعم الصادرات بشكل منتظم وسريع، باعتباره عنصرا أساسيا لتحفيز المنتجين والمصدرين.

ونوه صقر إلى أن تحسين قيمة الجنيه يرتبط بتعظيم حجم الصادرات وزيادة المكون المحلي في المنتجات بنسبة تتجاوز 50%، مؤكدا أن تمويل المصانع وتوفير المواد الخام في السوق المحلية يمثلان شرطين أساسيين لتحقيق هذا الهدف، إلى جانب دعم التصنيع المحلي لتوفير مستلزمات الإنتاج بدلًا من استيرادها.

ولفت أحمد صقر إلى أن أبرز التحديات التي قد تعوق استمرار تراجع العجز التجاري تتمثل في ضعف تنشيط القطاع الخاص، مؤكدا ضرورة تطويره وتمكينه من لعب دور أكبر في الاقتصاد، عبر إزالة المعوقات وتسهيل الإجراءات، بما يضمن تعزيز مساهمته في الإنتاج والتصدير، ويدعم استدامة التحسن في المؤشرات التجارية. 

 ـ انكماش الطلب بسبب التضخم قد يكون أحد أسباب تراجع العجز التجاري:

قال المهندس علي عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين وعضو المجلس التصديري للحاصلات الزراعية، إن تراجع العجز يرتبط بانخفاض حجم الطلب في الأسواق بسبب ارتفاع الأسعار، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على الصناعة المحلية وارتفاع حجم الإنتاج المحلي، خاصة في قطاع الأغذية الذي شهد توسعا ملحوظا في المعروض. أضاف عيسى أن هذا التراجع يحمل في طياته جانبين؛ أحدهما إيجابي يتمثل في تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، وجانب سلبي قد يرتبط بانكماش الطلب في بعض القطاعات.

وأوضح المهندس علي عيسى، أن خفض العجز التجاري يعود بشكل أساسي إلى تقليص الاعتماد على المواد المستوردة، مع الاتجاه نحو دعم المنتج المحلي. كما أشار إلى أن مصر تعتمد بشكل كبير على البضائع المستوردة، لكنه شدد على أنه ليس ضد الاستيراد بشكل مطلق، بل يدعم سياسة ترشيده والحد من الاعتماد المفرط عليه، مع التركيز على النهوض بالصناعة المحلية.

ونوه عيسى إلى أن نحو 80% من حجم الاستيراد المصري يتضمن مستلزمات إنتاج، وهو ما يستدعي تحديد أنواع المستلزمات التي شهدت انخفاضا في استيرادها خلال الفترة الأخيرة، لضمان استمرار عجلة الإنتاج دون تأثر.

وتابع رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين، أنه يتوقع استمرار تراجع العجز التجاري في الفترات المقبلة، مدعوما بسياسات اقتصادية رشيدة وطفرة إنتاجية تشهدها البلاد حاليا، حيث تتوسع مصر في إنشاء المصانع، وإبرام شراكات كبرى، واستقطاب استثمارات ضخمة من كبريات الشركات العالمية.

أشار علي عيسى إلى أن عدة قطاعات استفادت بشكل مباشر من تراجع العجز التجاري، وفي مقدمتها الصناعات الكيماوية، ومواد البناء، والصناعات الغذائية، فضلا عن الصناعات الهندسية التي شهدت نموا في الإنتاج والتصدير.

ـ ضرورة جذب استثمارات لتصنيع المكونات وخطة للتوسع في أمريكا اللاتينية واستغلال الميزة الجمركية بالسوق الأمريكية :

 قال المهندس شريف الصياد رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية ورئيس مجلس إدارة شركة جلايد لوسائل النقل، رئيس مجلس إدارة شركة تريدكو للصناعات الهندسية، إن انخفاض العجز التجاري لمصر خلال مايو يعكس تحسنا في مؤشرات التجارة الخارجية.

وأوضح أن هذا التراجع جاء نتيجة زيادة حجم الصادرات، حتى وإن كانت بنسبة طفيفة، بالتزامن مع انخفاض الواردات، وهو ما يعزز المسار الصحيح نحو تحسين الميزان التجاري. أضاف الصياد  ، أن خطة الدولة يجب أن تركز على مواصلة زيادة الصادرات وخفض الواردات، من خلال إستراتيجية واضحة تتضمن فتح أسواق جديدة أمام المنتجات المصرية، وضمان توافقها مع المواصفات العالمية، بجانب تفعيل برنامج قوي لرد أعباء الصادرات يتميز بسرعة الصرف وكفاءته.

وأوضح أن جزءا كبيرا من نمو الصادرات في العام الحالي يرجع إلى الاستثمارات الأجنبية التي دخلت السوق المصرية خلال عامي 2023 و2024، حيث بدأت نتائجها الإيجابية في الظهور، مشيرا إلى أن الصادرات في قطاع الصناعات الهندسية شهدت نموا بنحو 15% خلال الفترة من يناير حتى يونيو 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي 2024. وأعرب عن أمله في الوصول إلى الهدف المحدد بقيمة 7 مليارات دولار بنهاية العام.

تابع أن خفض الواردات لا يقل أهمية عن زيادة الصادرات، خاصة أن الصناعات الهندسية تستورد نحو 50%  من المكونات من الخارج لغياب البدائل المحلية أو لضعف جودتها وارتفاع أسعارها مقارنة بالمستورد، مؤكدًا ضرورة جذب استثمارات داخلية وخارجية لتصنيع المكونات والخامات ومستلزمات الإنتاج محليا.

ونوه شريف الصياد إلى أن السنوات الماضية شهدت استثمارات تركزت على إنتاج المنتج النهائي، بينما ما زالت المكونات تستورد من الخارج، مشددا على أهمية توطين الصناعات المحلية بهدف إحلالها محل المكونات المستوردة، بما يسهم في تقليل فاتورة الاستيراد وتعزيز القيمة المضافة للصناعة الوطنية.

أضاف أن أبرز العقبات التي ما زالت تعوق تحقيق طفرة حقيقية في القطاع الصناعي تتمثل في المناخ الاستثماري الذي يحتاج إلى تطوير، وبطء الإجراءات المتعلقة بتأسيس الشركات والحصول على التراخيص، فضلا  عن برنامج رد أعباء الصادرات الذي لا يزال بحاجة إلى تحسين في صورته الحالية. وأكد أن هذه التحديات معروفة منذ فترة طويلة، ورغم بدء وضع حلول لبعضها، إلا أن وتيرة الإصلاح أبطأ مما هو مطلوب، ما يستدعي الإسراع في الإصلاحين الاقتصادي والصناعي.

ونوه إلى أن المجلس يعمل على تعزيز تسويق المنتج المصري في أسواق جديدة، حيث تتضمن الخطة للعام الجاري والعام المقبل 2026 التوسع في أسواق أمريكا اللاتينية، مؤكدا أن هذه الأسواق تعد  خاما  بالنسبة للصادرات المصرية التي ما زالت محدودة للغاية إليها.

ولفت إلى أن السوق الأمريكية تمثل فرصة ذهبية للصادرات المصرية حاليا، في ظل وجود جمارك لا تتجاوز 10% على المنتجات المصرية مقارنة بـ50% و60% على منتجات دول أخرى، ما يمنح مصر ميزة تنافسية يمكن استغلالها لجذب استثمارات خارجية، خاصة من الصين، التي قد ترى في مصر بوابة مثالية للاستفادة من الامتيازات الجمركية.

ـ تراجع العجز التجاري مؤشر إيجابي لكنه غير كاف للحكم على الاتجاه:

قال مصطفى شفيع رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين، إن البيانات المتاحة لشهر مايو تشير إلى تراجع العجز في الميزان التجاري، إلا أن هذه القراءة لا يمكن اعتبارها مؤشرا قويا على اتجاه مستدام .

وأوضح أن التقرير الأخير يغطي شهرا واحدا فقط، بينما التقرير الأشمل الصادر حتى الآن يغطي تسعة أشهر، وأظهر صورة مغايرة نسبيا.

أضاف شفيع ، أن تراجع العجز جاء نتيجة عاملين رئيسيين، هما ..

ـ زيادة الصادرات .. لافتا إلى أن ارتفاع الصادرات قد يعكس تحسنا في النشاط الصناعي المصري.

ـ انخفاض الواردات. الذي  قد يكون مرتبطًا بعوامل مؤقتة، منها نقص الدولار أو فرض قيود على بعض السلع غير الضرورية، وهو ما قد يجعل هذا التراجع غير مستدام.

ونوه إلى أن الميزان التجاري يتضمن شقين ..

ـ الأول خاص بالسلع البترولية.

ـ والثاني بالسلع غير البترولية .

واشارإلى أن قراءة الأشهر التسعة السابقة أظهرت انخفاض الصادرات البترولية وارتفاع وارداتها، بينما في السلع غير البترولية ارتفعت الصادرات والواردات معا، لكن بوتيرة أعلى في الواردات.

كما أوضح أن مصادر النقد الأجنبي في مصر تتنوع بين إيرادات قناة السويس، وقطاع السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، إلا أن المصدر الرئيسي يبقى في قوة الصادرات وانتعاشها، رغم وجود عناصر أخرى مؤثرة مثل الديون المستحقة على الدولة خلال عامي 2026 و2027.

وأضاف أن إيرادات قناة السويس ما زالت دون المستويات المحققة سابقا، إذ تراجعت من نحو 10 و11 مليار دولار إلى ما يقارب 5 مليارات دولار، متأثرة بالتوترات الجيوسياسية في المنطقة. وأشار إلى أن أدوات الدين الحكومية تجتذب الأجانب بفضل عوائدها المرتفعة مقارنة بمعظم دول العالم، وهو ما يمنح فرصة للتحكم في سعر الصرف على المدى القصير، لكنه يظل صعب التنبؤ على المديين المتوسط والطويل.

ـ تحسن قطاعات الحديد والسياحة ومواد البناء مقابل تراجع صادرات الأسمدة والطاقة:

وتابع أن أبرز المخاطر التي تهدد استدامة التحسن تشمل التوترات الجيوسياسية، وتأثيرها على استثمارات أدوات الدين، وإيرادات قناة السويس، وسعر الصرف، مشيرا إلى أن بعض القطاعات الإنتاجية مثل الصناعات الثقيلة، والألومنيوم، والحديد والصلب، ومواد البناء، بالإضافة إلى السياحة، شهدت انتعاشا ملحوظا، بينما تراجعت صادرات قطاعات أخرى مثل الأسمدة والطاقة.

ولفت إلى أن الحفاظ على هذا الاتجاه يتطلب تدخلا إضافيا من الدولة، من خلال معالجة مشاكل المصانع المتعثرة، وتسهيل إجراءات الاستثمار، وضمان توافر العملة الأجنبية، وخفض تكاليف الإنتاج، خاصة في مجالات الطاقة والكهرباء، مؤكدا أن هذه الخطوات ستنعكس إيجابا على حجم الصادرات.

أضاف أن سياسات دعم الاستثمار وتوسيع قاعدة الإنتاج، تعزز من قدرة الاقتصاد على تحقيق نمو مستدام، وتوليد فرص تشغيل إضافية في مختلف القطاعات.

ـ استدامة التحسن مرهونة بتسهيل الاستثمار وخفض تكاليف الإنتاج وتوافر العملة الصعبة:

وتابع أن الأثر الإيجابي لهذه السياسات لن يقتصر على سوق العمل فقط، بل سيمتد إلى تحسين مستويات المعيشة، خاصة إذا تزامن مع استقرار سعر الصرف وانخفاض معدلات التضخم. لافتا إلى أن نجاح هذه السياسات مرهون بقدرة الدولة على الموازنة بين متطلبات النمو الاقتصادي والحفاظ على استقرار المؤشرات المالية والنقدية .

 

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
6 أغسطس 2025 12:16 مإطلاق برنامج جامعي لتدريس العلوم المصرفية بعدد من كليات التجارة بدءا 2025/20265 أغسطس 2025 1:06 مأمريكا: اقالة مفوضة مكتب الإحصاءات بعد أزمة حادة اشعلها تقريرالوظائف4 أغسطس 2025 2:22 مالصكوك السيادية ترفع جودة الدين وتقلل تكلفته بجانب تنويع مصادره وآجاله3 أغسطس 2025 11:51 صالتخطيط: تطوير 380 مركزا تكنولوجيا بالمحليات والقرى والمدن30 يوليو 2025 1:16 مأبرز عناصر الاتفاق التجاري بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة28 يوليو 2025 2:11 مفرص أكبر في التجارة الداخلية يبحث عنها القطاع الخاص في مصر27 يوليو 2025 12:59 م"الفاو": كمية الطعام المهدر سنويا تكفي لإطعام نحو 2 مليار شخص27 يوليو 2025 12:50 مفرنسا على حافة الهاوية.. هل تقترب من سيناريو أزمة الديون على الطريقة اليونانية27 يوليو 2025 11:59 صمطورون: الوجهة الاستثمارية القادمة ستكون نحو البحر الأحمر بعد تنمية "رأس شقير"7 يوليو 2025 4:02 مقمة"بريكس": مدبولي.. فعالية عمل مجموعة بريكس على تحسين آلية الدين الدولي لدعم استدامة الديون

التعليقات