أبحاث
كتب فاطيمة طيبى 9 سبتمبر 2025 4:16 م - التعليقات تغير المناخ يهدد الأمن الغذائي واستقرار أسعار الغذاء في العالم اعداد ـ فاطيمة طيبي في عالم يسعى لتوفير الغذاء لمليارات البشر، تتحول الأرض الخصبة إلى ساحة مواجهة لتلبية تلك الاحتياجات في ظل تحديات عديدة على رأسها تواصل نمو السكان، وعوامل المناخ المتقلبة، والصراعات الجيوسياسية، والضغوط الاقتصادية الخانقة. وعاما بعد عام تتفاقم المخاطر التي تهدد قدرة العالم على تأمين الغذاء لسكانه، وهو ما ينعكس بوضوح في ارتفاع أسعار العديد من المحاصيل الرئيسية، في وقت يواجه فيه كوكب الأرض تحديا أساسيا متعلقا بندرة المياه اللازمة للزراعة. ويعرف انعدام الأمن الغذائي، وفقا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، بأنه الافتقار إلى الوصول إلى ما يكفي من الغذاء الآمن والمغذي للنمو، والتطور الطبيعي، والحياة النشطة والصحية. وفي عام 2023، تعرض أكثر من ملياري شخص لمستوى معين من انعدام الأمن الغذائي وافتقارهم إلى الوصول إلى الغذاء المغذي والكافي، وفقا لتقرير صادر عن الفاو. ورغم تقدم التقنيات الزراعية والتعاون الدولي في القطاع الزراعي، لا تزال المخاطر التي تهدد أمن الغذاء آخذة في التصاعد، ما يعرض حياة ملايين الأشخاص حول العالم للخطر. وبحسب بعض الإحصائيات، فإن نمو إنتاج القمح والذرة وغيرهما من المحاصيل لا يتوافق مع النمو السكاني الذي يشهده العالم، فيما تشير بعض التقديرات، إلى أنه في حال استمرار تطرف المناخ فإن محاصيل الغذاء العالمية قد تنخفض بنحو 30% بحلول عام 2050. ـ النمو السكاني الخطر الأكبر: في يوم 15 نوفمبر من عام 2022، بلغ عدد سكان العالم 8 مليارات شخص، وهو ما يمثل أكثر من ثلاثة أضعاف العدد في منتصف القرن العشرين. وقفز عدد سكان العالم بنحو مليار نسمة منذ عام 2010 وبمليارين منذ عام 1998. ومن المتوقع أن يتواصل نمو عدد السكان في العالم، وإن كان بوتيرة أبطأ ليرتفع بنحو ملياري فرد خلال الثلاثين عاما المقبلة، ويصل إلى 9.7 مليار بحلول عام 2050. ووفقا لتوقعات الأمم المتحدة، يرجح أن يبلغ عدد السكان ذروته حين يبلغ 10.4 مليار نسمة في منتصف العقد الثامن من هذا القرن، قبل أن يبدأ في الانخفاض تدريجيا. وتؤدي الزيادة السكانية إلى ارتفاع الطلب على الغذاء بشكل كبير، ولا يقتصر هذا الطلب على الكمية فحسب، بل يشمل أيضا تنوع الأغذية وجودتها، ما يفرض ضغوطًا على الموارد الطبيعية مثل الأراضي والمياه والطاقة، ويهدد استدامة نظم الإنتاج الغذائي. ويدفع الضغط السكاني أيضا إلى استغلال الموارد الزراعية بشكل مفرط، ما يسبب تدهور التربة وفقدان التنوع البيولوجي الأمر الذي يزيد من هشاشة نظم الغذاء العالمية في المستقبل. وكانت جمهورية الكونجو الديموجرافية في عام 2023، هي الدولة التي تضم أكبر عدد من الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث تأثر أكثر من 25 مليون شخص. وتعد القارة الأفريقية الأكثر تضررا من انعدام الأمن الغذائي، حيث تعرض أكثر من 50% من إجمالي سكانها لانعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2023، وهو ضعف المتوسط العالمي. ووفقا لمنظمة الأغذية والزراعة، فإن المناطق الأخرى التي تعاني من نقص الوصول إلى الغذاء الصحي والآمن تشمل أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 28% وجنوب شرق آسيا 25% وأوقيانوسيا 27%. ـ تغير المناخ وعلاقته بالأمن الغذائي: يعتبر تغير المناخ من بين أبرز تحديات الأمن الغذائي، ورغم محاولات دول العالم لوقف الآثار السلبية لتلك الظاهرة من خلال الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون فإن التقدم في هذا الإطار لا يزال محدودا، ما قد يفاقم من الآثار السلبية لها مستقبلا. وتشير الدراسات إلى أنه مع كل زيادة بمقدار درجة مئوية واحدة، قد تنخفض إنتاجية محاصيل الأساسية مثل القمح والأرز والذرة، بنسبة تتراوح ما بين 3 و10%. ويترتب على انخفاض الإنتاج الزراعي بسبب الظروف المناخية القاسية .. ـ ارتفاع أسعار الغذاء، ما يؤثر بشكل خاص على الفئات ذات الدخل المنخفض. ـ تشهد سلاسل التوريد أيضا اضطرابات جراء الأحداث الجوية المتطرفة مثل الأعاصير والفيضانات، ما يعطل البنية التحتية للنقل والتخزين، ويحد من الوصول إلى الغذاء. ـ بحلول عام 2050، قد يدفع تغير المناخ ما بين 80 ـ 120 مليون شخص إضافي نحو الجوع. ـ الثروة الحيوانية والسمكية مهددتان أيضا جراء تغير المناخ، إذ تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تقليل خصوبة الماشية ونموها وإنتاجيتها، مع زيادة انتشار الأمراض. ـ كما تتسبب زيادة درجات حرارة المحيطات وارتفاع حموضتها في التأثير على المخزون السمكي، وهو مصدر بروتين أساسي لملايين الأفراد، خاصة في الدول النامية. ـ ويعمل تغير المناخ على انتشار الأمراض بين الأنواع المختلفة من الماشية، ما يؤثر على صحتها وإنتاجيتها. ـ تهديدات أخرى: يواجه الأمن الغذائي العديد من التهديدات التي تحد من توافره، من بينها .. ـ النزاعات المستمرة في مناطق مثل الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا الشرقية. ـ تدمر الحروب البنية التحتية الزراعية، وتجبر الملايين على النزوح، كما تعطل شبكات الإنتاج والتوزيع الغذائي. ـ الحرب في أوكرانيا مثال بارز على تأثير النزاعات المسلحة في تهديد أمن الغذاء، بعد أن تأثر إنتاج المحاصيل الزراعية في البلاد التي تعد من المنتجين الرئيسين للحبوب، ما تسبب في إحداث آثار سلبية كبيرة على سلاسل إمداد الحبوب العالمية. ـ تشكل الضغوط الاقتصادية والتضخم تهديدا كبيرا للأمن الغذائي، إذ يدفع التضخم العالمي وعدم الاستقرار الاقتصادي أسعار الغذاء إلى مستويات يصعب تحملها، خاصة في الدول ذات الدخل المنخفض. ـ ارتفاع تكاليف الوقود والنقل ومدخلات الزراعة مثل الأسمدة والبذور، كل ذلك يجعل الغذاء أقل توفرا. ـ الطبيعة المترابطة لسلاسل الإمداد الغذائية العالمية تجعلها عرضة للتعطل بسبب الأوبئة أو التوترات الجيوسياسية أو القيود التجارية، وقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن هشاشة هذه الأنظمة. ـ انخفاض أعداد الكائنات الحية التي تسهم في التلقيح مثل النحل نتيجة تدمير المواطن الطبيعية واستخدام المبيدات، يتسبب أيضا في تفاقم تحديات الأمن الغذائي، ويؤدي إلى انخفاض إنتاج المحاصيل. ـ ندرة المياه، إذ يمثل قطاع الزراعة حوالي 70% من استخدام المياه العذبة عالميا، ما يحد من الإنتاج الزراعي ويزيد التنافس على الموارد المائية بين القطاعات المختلفة. ورغم تلك التحديات فإن حوالي ثلث الغذاء المنتج عالميا يهدر، أي ما يعادل 1.3 مليار طن سنويا، هذه الكميات المهدرة تؤدي إلى تقليل توافر الغذاء، خاصة في المناطق التي تعاني بالفعل من نقص الإمدادات ويزيد من فرص انتشار الجوع فيها. كما أظهرت دراسة نشرت بالمجلة العلمية "كومينيكشنز إيرث أند إنفيرومنت" في وقت سابق هذا العام أن التغيرات في متوسط درجات الحرارة الشهرية لها الارتباط الأقوى والأكثر استمرارا مع مستويات الإنتاجية والتضخم. وأوضح "آدم دافيس" الشريك المؤسس لصندوق التحوط الزراعي العالمي "فارير كابيتال" أن تغير المناخ ساعد في دفع أسعار تداول قائمة طويلة من السلع الرزاعية هذا العام، قائلا: ارتفعت أسعار القمح 17% وزيت النخيل 23% والسكر 9%. وأشار المركز البحثي "إنرجي أند كلايمت إنتلجنس يونيت" إلى أن ثلث الزيادة التي شهدتها المملكة المتحدة في أسعار الغذاء في عام 2023 ترجع إلى تغير المناخ، وذكر "فريدرك نيومان" كبير اقتصاديي آسيا لدى "إتش إس بي سي" أن هناك تأثيرا كبيرا لتغير المناخ على أسعار الغذاء العالمية. ـ دراسة حديثة: أوضحت دراسة صادرة عن المركزي الأوروبي و"بوتسدام إنستيتيوت" لأبحاث تأثير المناخ ـ اعتمدت على بيانات تاريخية من 121 دولة من عام 1996 وحتى 2021- أن معدلات التضخم السنوية في أسعار الغذاء على مستوى العالم قد ترتفع بما يصل إلى 3.2% كل عام خلال العقد المقبل نتيجة لارتفاع درجات الحرارة. وهو ما يعني زيادة في التضخم السنوي العام بما يصل إلى 1.18% بحلول 2035 أو نحو ذلك، وأوضح "ماكس كوتز" عالم المناخ والمؤلف الرئيسي للدراسة لشبكة "إيه بي سي نيوز" أن الصدمات التي تتعرض لها الإنتاجية الزراعية هي القناة الرئيسية التي تكمن وراء تأثير تغير المناخ على تضخم أسعار الغذاء، مضيفا: من المرجح أن تكون هناك تأثيرات كبيرة لتغير المناخ في المستقبل على أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم. كما خلصت الدراسة إلى أن الدول المرتفعة والمنخفضة الدخل ستشهد تضخما بسبب المناخ، ولكن الدول في الجنوب العالمي وخاصة أفريقيا وأمريكا الجنوبية ستكون الأكثر تأثرا. وبينت أيضا أن التأثيرات على الأسعار نتيجة لزيادة متوسط درجة الحرارة الشهرية بمقدار درجة مئوية واحدة تستمر لمدة تصل إلى عام بعد الصدمة الأولية. وألقى الباحثون نظرة على حرارة الصيف الشديدة في عام 2022 في أوروبا، ووجدوا أن تضخم أسعار الغذاء ارتفع بنسبة تتراوح بين 0.43% إلى 0.93% في القارة، وبحلول 2035 ستتضخم تلك النسبة بين 30% إلى 50% بناء على توقعات الاحترار الحالية. ـ امكانية استجابة البنوك المركزية : يعد التقييم الشامل للمخاطر المناخية على التضخم عنصرا هاما في توجيه الجهود التي تبذلها الحكومات، فضلا عن توجيه السياسات النقدية. تجدر الإشارة إلى أن العديد من البنوك المركزية تستبعد أسعار الغذاء والطاقة من المؤشر الذي يقيس التضخم الأساسي، لتقييم مدى تحرك الأسعار في البلاد بدون تلك البنود المتذبذبة، ولكن بعدما أصبح تغير المناخ يسبب ضغوطًا تضخمية مستدامة تزايد الجدل حول ما إذا كان على صناع السياسات منح المزيد من الاهتمام لتلك الأسعار. ويؤدي التأثير المتنامي لتغير المناخ على الزراعة إلى إعادة إشعال الجدل حول ضرورة استجابة البنوك المركزية لصدمات أسعار الغذاء كما تفعل مع الزيادات السعرية العامة من خلال رفع الفائدة. وأوضح "مارك بوروي" الأستاذ المشارك للاقتصاد بجامعة "بواتييه" الفرنسية أنه على مدار فترة طويلة من الزمن كان هناك إجماع بين الاقتصاديين على ضرورة عدم تحرك البنوك المركزية بناء على تضخم أسعار الغذاء وذلك لأنه كان يحدث بشكل مؤقت وبصورة متذبذبة، وبالتالي لا أحد يرغب في أن تكون الفائدة متقلبة. وأشار "راجورام راجان" محافظ المركزي الهندي في الفترة من 2013 وحتى 2016 إلى أن البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة كانت دائما أكثر استجابة لأسعار الغذاء. بينما أوضح "كوتز" أن المركزي الأوروبي يستهدف بقاء التضخم عند مستوى 2% تقريبا، إلا أن ارتفاع تضخم أسعار الغذاء سيجعل تحقيق ذلك الهدف أكثر صعوبة. ـ حلول لمواجهة مخاطر الأمن الغذائي : يسعى الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة إلى "القضاء على الجوع"، وخلق عالم خال من الجوع بحلول عام 2030. ومن بين الحلول التي يمكن أن تسهم في توفير أمن الغاء .. ـ تعزيز الزراعة المستدامة والتي تعتمد على اعتماد ممارسات تراعي المناخ، وتقليل الاعتماد على المدخلات الكيميائية، والاستثمار في الطاقة المتجددة للزراعة. ـ تعزيز التعاون الدولي عبر تقوية الاتفاقيات التجارية الدولية، وخفض الحواجز التجارية، وتعزيز برامج المساعدات الغذائية العالمية من شأنه دعم الأمن الغذائي. ـ الابتكار والتكنولوجيا يلعبان أيضًا دورًا محوريًا في تحسين الإنتاج الغذائي، إذ إن تطوير تقنيات حديثة مثل الزراعة الدقيقة والزراعة الرأسية يمكن أن يزيد من الإنتاجية الزراعية بشكل كبير. ـ استنباط محاصيل مقاومة للجفاف والظروف المناخية القاسية يعزز من قدرة الأنظمة الزراعية على الصمود أمام تغير المناخ. ـ تقليل هدر الغذاء خطوة هامة نحو تحسين الأمن الغذائي حيث يمكن للحكومات تطبيق سياسات تهدف إلى الحد من فقد الأغذية على طول سلاسل الإمداد، مع رفع مستوى الوعي لدى المستهلكين حول أهمية ترشيد الاستهلاك. ـ إدارة المياه تعتبر من العناصر الفعالة في استدامة الأمن الغذائي، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني تقنيات ري حديثة مثل الري بالتنقيط، وإعادة تدوير مياه الصرف لاستخدامها في الزراعة، وتطوير سياسات تهدف إلى الحفاظ على الموارد المائية العذبة. أخيرا، تتطلب مواجهة التحديات المعقدة للأمن الغذائي استراتيجيات شاملة مثل أنظمة الإنذار المبكر للتكيف مع الظروف المناخية المتغيرة، والزراعة الحرجية التي تدمج بين الزراعة والغابات لتحسين المرونة البيئية.
|
||||||||||