تحليلات
كتب فاطيمة طيبى 15 سبتمبر 2025 2:22 م - التعليقات انقسام وضغوط بالاحتياطي الفيدرالي لإجراء أول خفض لأسعار الفائدة هذا العام اعداد ـ فاطيمة طيبي يستعد مجلس الاحتياطي الفيدرالي، الذي يواجه انقساما داخليا وضغوطا شديدة من الرئيس دونالد ترمب، لإجراء أول خفض له في أسعار الفائدة، هذا العام. يأتي هذا القرار في ظل خلاف حول ما إذا كان ضعف سوق العمل يوازن مخاطر التضخم التي تفرضها التعريفات الجمركية التي يفرضها الرئيس الأميركي. يتوقع المستثمرون، على نطاق واسع، أن تقوم اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، المسؤولة عن تحديد أسعار الفائدة، بخفض تكاليف الاقتراض بمقدار ربع نقطة، في تصويتها الأربعاء17 سبتمبر 2025. لكن رئيس المجلس، جيروم باول، قد يجد نفسه في موقف صعب، حيث يقع بين المحافظين، الذين يدفعون نحو خفض أكبر، وبين رؤساء فروع الفيدرالي الإقليمية الذين يفضلون الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية. وقال فنسنت راينهارت، وهو مسؤول سابق في "الفيدرالي" يشغل حاليا منصب كبير الاقتصاديين في "بي إن واي إنفستمنتس": "من المرجح أن يشهد التصويت معارضة من الاتجاهين والتوقعات بأن السياسة النقدية جهد جماعي. ووجود عدد قليل من أعضاء اللجنة لا يتفقون مع الرئيس يشير إلى أن الحجة لاتخاذ الإجراء لم تُبنَ بشكل كاف"، وفق ما نقلت عنه صحيفة "فاينانشال تايمز" . ولم يسبق أن انقسمت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بهذه الطريقة إلى ثلاثة اتجاهات منذ عام 2019. وقال كريشنا جوها، من شركة "إيفركور"، إن احتمالية الانقسام الثلاثي علامة على نوع الضغط المميز الذي تتعرض له اللجنة حاليا وهناك ضغوط سياسية ومؤسسية جديدة تتعارض مع النقاش الاقتصادي الصرف" . ـ خلفية سياسية متوترة : يأتي الاجتماع، الذي يستمر يومين، ويبدأ يوم الثلاثاء 16 سبتمبر ، وسط تصعيد في هجوم الرئيس الأميركي على البنك المركزي. وقد دعا ترمب، في وقت سابق، رئيس"الاحتياطي الفيدرالي" للاستقالة، ووصفه بـ "الأحمق" بسبب تردده في خفض أسعار الفائدة. وفي الشهر الماضي اغسطس 2025، حاول ترمب إقالة حاكمة المجلس ليزا كوك، وسط مزاعم بالاحتيال في قروض عقارية، وهو ما نفته كوك، التي رفعت دعوى قضائية ضد ترمب مدعية أنه لا يملك الحق في فصلها "سبب" . ومن المقرر أن تحضر كوك الاجتماع، بعد أن منحتها محكمة فيدرالية في واشنطن، في وقت سابق من هذا الأسبوع، الحق في البقاء بمنصبها في الوقت الحالي، على الرغم من أن محامي ترمب استأنفوا القرار، ، مطالبين بإلغائه. وبعد أن خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 100 نقطة أساس، العام الماضي 2024 ، أبقى عليها في نطاق يتراوح بين 4.25 % و4.5 % منذ ديسمبرالماضي 2024 . يأتي التوجه المتوقع نحو التيسير النقدي بعد أن قال باول، في جاكسون هول، الشهر الماضي، إن تراجع سوق العمل سيكون، على الأرجح، كافيا لمنع تعريفات ترمب الجمركية من أن تؤدي إلى ضغوط سعرية أوسع نطاقا. ـ خلاف حول تأثير التعريفات الجمركية : وبينما يرى باول أن أي تأثير للتعريفات الجمركية على الأسعار سيكون صدمة لمرة واحدة يمكن للبنك المركزي أن يتجاهلها، فإن بعض رؤساء البنوك الفيدرالية الإقليمية غير مقتنعين بذلك. ويشمل هؤلاء أوستان جولسبي من فرع شيكاجو، وجيف شميد من فرع كانساس سيتي، وألبرتو مسالم من فرع سانت لويس. ويجادل هؤلاء بأن مؤشرات التضخم لا تزال في تصاعد ولم تعكس بعد التأثير الكامل للسياسات التجارية، في حين أن معدل البطالة، البالغ 4.3 %، لا يزال منخفضا . ويرى البعض أن باول قد يكون قادرا على إقناع المتشددين في السياسة النقدية بدعمه. وقال ديريك تانغ، المحلل في LHMeyer، إن باول قد يعقد صفقة كبرى من خلال الإشارة إلى شروط أكثر صرامة لأي تخفيضات مستقبلية بأسعار الفائدة، إذا صوتوا معه في هذا الاجتماع. من جانبه، قال جوها إنه من منظور سياسي، قد يستفيد باول من المعارضة المتشددة: "إنها توازن الضغط قليلا من ترمب ـ ومن المعينين من قبل ترمب ـ لخفض أسعار الفائدة بشكل أكثر عدوانية" . ـ احتمالية خفض أكبر: قد يرى حاكم الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر، وهو مرشح بارز ليحل محل باول رئيسا في مايو المقبل، أن بيانات الوظائف الأخيرة مقلقة بما يكفي لتبرير خفض كبير بمقدار 50 نقطة أساس. فقد ارتفعت مطالبات البطالة الأولية، هذا الأسبوع الثاني من سبتمبر، إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2021، بينما كشف أحدث تقرير عن بيانات الرواتب في القطاعات غير الزراعية عن أول خسائر شهرية في الوظائف منذ جائحة فيروس كورونا. وقد يدعم حليف آخر للرئيس، ستيفن ميران، خفضا بمقدار 50 نقطة أساس أو أكثر، إذا جرى تأكيد تعيينه في منصب حاكم للمجلس من قبل مجلس الشيوخ في الوقت المناسب لتصويت سبتمبر . في المقابل، تعد احتمالية دعم ميشيل بومان لخفض أكثر حدة، أعلى، على الرغم من دعمها دعوة والر لخفض بمقدار 25 نقطة أساس في تصويت يوليو لكن إذا دعمت بومان، التي هي أيضا على القائمة المختصرة للمرشحين المحتملين لخلافة باول، خفضا أكبر، فسيكون ذلك المرة الأولى التي لا يصوت فيها ثلاثة حكام مع الرئيس منذ عام 1988. ـ توقعات غير واضحة : قد تؤدي الخلفية الاقتصادية غير المؤكدة والمناخ السياسي المتوتر إلى تباين في رسالة الاحتياطي الفيدرالي حول ما سيحدث لاحقا. وستصدر اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أحدث توقعاتها الفصلية ـ التي تحدد ما يعتقده أعضاؤها الـ19 المصوتون وغير المصوتين بشأن النمو، والتضخم، والبطالة، وأسعار الفائدة - بعد اختتام الاجتماع. قال مايكل فيرولي، من جيه بي مورجان : "من المرجح أن يكون المعتدلون والمتشددون في اللجنة حذرين بشأن الالتزام بمسار تيسيري؛ نظرا للوضع التضخمي". وقال راينهارت: "ستكون التوقعات الاقتصادية منتشرة بقدر ما رأينا. مخططات النقاط (dot plots) هي بمثابة لوحة قماشية كبيرة فارغة يملأونها بنيات مختلفة... نحن نصل هنا إلى مرحلة الرسم العشوائي" . ـ الفيدرالي على مفترق طرق: بيانات متضاربة وضغوط سياسية متنامية قبل القرار الكبير: بينما يترقب العالم قرارا حاسما من مجلس "الاحتياطي الفيدرالي" بشأن أسعار الفائدة، تلقي الضبابية المحيطة بتشكيلة لجنة السياسة النقدية بظلالها على هذا الحدث. فقبل أقل من أسبوع على اجتماع اللجنة، لا يزال مصير بعض أعضائها معلقا، وسط معركة قانونية وسياسية تثير تساؤلات حول استقلالية البنك المركزي. يأتي هذا في ظل بيانات اقتصادية متضاربة وضغوط سياسية غير مسبوقة من الرئيس دونالد ترمب، مما يجعل قرار الأربعاء لحظة مفصلية في مساعيه للتأثير على السياسة النقدية الأميركية من جهة، ويضع المؤسسة النقدية الأهم في العالم أمام تحد مزدوج لتحقيق مهمتها المزدوجة المتمثلة في مكافحة التضخم والحفاظ على سوق العمل من جهة أخرى. ففيما يستمر ترمب في ممارسة الضغط لخفض أسعار الفائدة والتي تبلغ اليوم نطاق 4.25 % - 4.50 %، بالتزامن مع محاولاته لتغيير تركيبة لجنة السياسة النقدية، تطرح تساؤلات جدية حول استقلالية البنك المركزي، في ظل ما يراه بعض الاقتصاديين مؤشرات على أن الولايات المتحدة قد تتجه نحو فترة من "الركود التضخمي" ـ بيانات اقتصادية تضغط لخفض الفائدة: على الرغم من ارتفاع التضخم في أغسطس فإنه لم يكن كافيا لثني "الاحتياطي الفيدرالي" عن التوجه نحو خفض أسعار الفائدة في اجتماعه ليومين (الثلاثاء والأربعاء)، كما هو متوقع على نطاق واسع. فقد أظهر تقرير أسعار المستهلكين ارتفاع التضخم بعيدا عن هدف البنك المركزي البالغ 2 %، لكن هذا لم يقلل من مخاوفه الرئيسية الأخرى: تباطؤ سوق العمل . وأظهر تقرير منفصل صادر عن وزارة العمل الأميركية، أن عدد الأشخاص الذين تقدموا بطلبات للحصول على إعانات البطالة، بلغ 263 ألف شخص الأسبوع الاول من سبتمبر ، وهو أعلى مستوى فيما يقرب من 4 سنوات. وتعد هذه البيانات آخر المؤشرات الاقتصادية الكبرى التي اطلع عليها "الفيدرالي" قبل اجتماع لجنته السياسية. ويرى محللون أن "الاحتياطي الفيدرالي" يواجه وضعا صعبا للغاية، نظرا لضعف سوق العمل ووجود مؤشرات على ارتفاع التضخم. عادة، إذا واجه "الاحتياطي الفيدرالي" ضعفا في سوق العمل، فسيرغب في خفض أسعار الفائدة. وإذا واجه ارتفاعا في التضخم، فسيرغب في رفعها. لكنه الآن في وضع توجد فيه قوى معاكسة. وقال كبير الاقتصاديين الأميركيين في أكسفورد إيكونوميكس ، رايان سويت: "يواجه الاحتياطي الفيدرالي" وضعا صعبا، حيث تظهر البيانات الجديدة أن كلتا مهمتيه (التضخم وسوق العمل) تتجه في الاتجاه الخاطئ"، وفق موقع إنفستوبيا الأميركي المتخصص. ورغم هذا التضارب، تشير أسواق المال، وفقا لأداة "فيد ووتش" التابعة لمجموعة "سي إم إي"، إلى شبه يقين بأن الفيدرالي سيخفض سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية على الأقل. ـ داخل الفيدرالي معركة على مقاعد التصويت: في موازاة هذه التطورات الاقتصادية، يواصل ترمب الضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، في محاولة لدعم الاقتصاد قبل الانتخابات. لكن الأمر لا يقتصر على التصريحات؛ بل يمتد إلى محاولات لإعادة تشكيل لجنة السياسة النقدية نفسها. فلغاية الآن، لم يتضح بعد من هم الأعضاء الذين سيصوّتون على قرار سعر الفائدة، وهو ما يزيد من الغموض الذي يحيط بالاجتماع؛ إذ إن المعركة القضائية بين محافظة الفيدرالي ليزا كوك وإدارة ترمب ما زالت قائمة. فبعد أن أقالها ترمب في اغسطس بزعم ارتكابها احتيالا عقاريا، وهو ما تعده سابقة، قضت محكمة لصالحها مما يسمح لها بالاستمرار في منصبها. ورغم أن محكمة قضت لصالح كوك بالسماح لها بالاستمرار في منصبها، فإن إدارة ترمب استأنفت الحكم، مطالبةً بقرار عاجل قبل اجتماع اللجنة. وفي تطور بهذا الملف قد يقوض مزاعم إدارة ترمب، أشار مستند قرض لكوك، إلى أن شقتها السكنية التي اشترتها في يونيو 2021، هي منزل لقضاء العطلات ؛ إذ أظهرت وثائق حصلت عليها وكالة أسوشييتد برس»، أن كوك وصفت العقار في نموذج ثان قدمته للحصول على تصريح أمني، بأنه منزل ثان . ـ غموض حول تركيبة اللجنة والتصويت : الغموض لا يقتصر على البيانات الاقتصادية أو الضغوط السياسية، بل يشمل أيضا هوية الأعضاء الذين سيصوتون على قرار الفائدة. فإلى جانب قضية كوك، يسعى ترمب لملء الشاغر المؤقت في مجلس المحافظين بعد الاستقالة المفاجئة لأدريانا كوجلر. وصوتت لجنة في مجلس الشيوخ لصالح ترشيح ستيفن ميران، مستشار البيت الأبيض الاقتصادي، ليحل محلها. ومن الممكن أن يصوت مجلس الشيوخ بكامل أعضائه على ترشيحه في وقت مبكر ، مما قد يمهد الطريق لمشاركته في التصويت على سعر الفائدة. هذا التغيير المحتمل في تركيبة اللجنة قد يؤثر بشكل مباشر على نتيجة التصويت، ويزيد من حالة عدم اليقين في الأسواق. وعلى صعيد الترشيحات المرتقبة لخلافة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول، بعد انتهاء ولايته في مايو 2025 ، يبدو أن المدير التنفيذي في شركة بلاك روك ، ريك ريدر، يتقدم قائمة المرشحين، وفق مسؤول في إدارة ترمب. وقد حصل لقاء موسع دام لأكثر من ساعتين، بين وزير الخزانة سكوت بيسنت، وريدر، يوم الجمعة 12 سبتمبر ، حيث تمت مناقشة السياسة النقدية، وهيكلية عمل الاحتياطي الفيدرالي والسياسات التنظيمية . ـ ضغوط سياسية واستقلالية مهددة: تثير الضغوط المتواصلة من ترمب لخفض أسعار الفائدة، إلى جانب إقالته لكوك وتعيينه لميران، مخاوف بين الاقتصاديين من أن يقوم الفيدرالي بخفض الفائدة استجابة لرغبة الرئيس، وليس لمصلحة الاقتصاد. هذا الأمر يهدد استقلالية البنك المركزي، الذي يعد حجر الزاوية في استقرار الاقتصاد الأميركي. ويشير الاقتصاديون الذين يدافعون عن استقلالية البنوك المركزية، إلى أن الدول التي تتمتع بنوكها المركزية باستقلالية أقل، غالبا ما تشهد معدلات تضخم أعلى. ففي حالة تركيا مثلا، وبعد أن ضغط الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة في عام 2022، ارتفع التضخم في البلاد إلى 85% وعلى الرغم من هذه التحديات، من المتوقع على نطاق واسع أن يخفض الفيدرالي سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة، بغض النظر عن تركيبة اللجنة، في محاولة لدعم سوق العمل ومنع ارتفاع البطالة. ومع ذلك، فإن هذا الخفض يظل أقل بكثير من التخفيضات الكبيرة التي طالب بها ترمب، مما ينذر بأن القرارات المستقبلية قد تكون أكثر إثارة للجدل، وقد يصبح كل صوت في اللجنة حاسما .
|
||||||||||