أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
16 سبتمبر 2025 4:00 م
-
الأقساط الطويلة ترفع عبء التمويل وتحول المطورين إلى شركات رهن عقاري

الأقساط الطويلة ترفع عبء التمويل وتحول المطورين إلى شركات رهن عقاري

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

تدفع نماذج البيع على المخطط شركات التطوير العقاري إلى تبني توقعات متشائمة لسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، كجزء من عمليات التحوط لضمان عدم تغير هيكل التكاليف عند بدء أعمال البناء، لكن مؤشرات الاقتصاد المصري الإيجابية والهبوط السلس للتضخم وبالتبعية أسعار الفائدة، فضلا عن تقلص المخاطر ما أكسب العملة المحلية فرصة لاستعادة جزء كبير من خسائرها خلال السنوات الثلاث الماضية، غير المشهد بالكامل.

وباتت الشركات في معركة للدفاع عن سمعة العقار كمخزن للقيمة ورهان رابح مهما تغيرت الظروف من جهة، وتغير مشهد التكاليف وسط تباطؤ في الطلب خاصة المضاربي من الجهة الأخرى.

خلال عامي 2022 و2023 كان تسعير العقارات مرتبط بصورة مباشرة بتوقعات سعر الصرف، وفي غياب سعر موحد لجأت الشركات إلى التحوط على أسعار وصلت في بعض الحالات إلى 100 جنيه للدولار. ورفعت بعض الشركات سعر وحداتها بأكثر من 150% خلال عام 2023، مع الإبقاء على مدد التقسيط الطبيعية من 5 إلى 8 سنوات.

من ناحية أخرى، حقق بعض المضاربين أرباح خيالية خلال مدد قصيرة، مقدم بسيط لا يتجاوز 10% من سعر الوحدة وإعادة البيع مع أول طرح تالي في المشروع يكفي لتحقيق مئات الآلاف وربما الملايين.

بعض التقديرات الحالية تشير إلى أن أكثر من 60% من حجم الطلب على العقارات في مصر كان من المضاربين، ومع تحسن الأوضاع الاقتصادية باتت الرهانات على تحقيق أرباح من طفرات مماثلة موضع شك.

ومع تباطؤ الطلب في السوق تحاول شركات التطوير عدم المساس بسمعة العقار كمخزن للقيمة، والاكتفاء بتمديد الأقساط على مدد أطول وصلت إلى 14 سنة في المتوسط وفي بعض الأحيان تتخطى 15 سنة لأسماء كبيرة في السوق.

من جانبه انتقد الملياردير المصري، نجيب ساويرس، الأوضاع الحالية سواء في تسعير العقار والذي اعتبر أن 70% من قيمته فوائد تمويلية، فضلا عن تمديد الأقساط، في حين لا تتجاوز القيمة الفعلية للوحدة 30% فقط من السعر الإجمالي وهو يمثل عبئا ماليا ضخما على العميل لا يعكس القيمة الحقيقية للوحدة.

وأوضح أن المطورين اضطروا إلى تقديم خطط سداد ممتدة تصل أحيانا إلى 15 عاماً، في محاولة للتعامل مع ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للعملاء، مضيفاً أن هذا الدور ينبغي أن تقوم به البنوك عبر أدوات التمويل العقاري، لا شركات التطوير التي تتحمل أعباء مالية إضافية نتيجة ذلك.

وأوضح أن منح آجال سداد طويلة بفوائد تصل إلى 25% يضغط بشكل كبير على ربحية الشركات، مؤكداً أن أرباح شركات التطوير العقاري تراجعت خلال السنوات الأخيرة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة وتقلبات سعر الصرف، وطالب بضرورة مواصلة سياسة خفض الفائدة وصولا إلى نحو 8%، بما يساهم في تحفيز نمو القطاع الخاص.

ـ عبء الفوائد :

وقال رئيس إدارة البحوث بشركة العربي الإفريقي الدولي لتداول الأوراق المالية محمود جاد، إن تسعير الوحدات العقارية لا يعتمد فقط على تكلفة الأرض ومواد البناء، بل يتأثر بشكل مباشر بمدد السداد الطويلة وارتفاع أسعار الفائدة، موضحاً أن كلما زادت سنوات الأقساط ارتفعت معها تكلفة التمويل المحملة على سعر الوحدة.

وأوضح  أن المطورين يضيفون إلى السعر النقدي ـ  الذي يشمل تكلفة الإنشاءات وهامش الربح ـ  تكلفة الفائدة المتوقعة والتضخم المستقبلي، لتعادل تكلفة التمويل المحملة 50% وأكثر من سعر البيع المعلن.

وأشار جاد إلى أن الخصومات الكبيرة المعلنة في حالة الدفع الكاش، والتي قد تصل إلى 50%، ليست خفضا فعليا في السعر، وإنما انعكاس لإلغاء تكلفة الفوائد الممتدة على سنوات طويلة.

ولفت إلى أن عدم دقة بعض المطورين في احتساب المتغيرات الاقتصادية والمالية ومخاطر السوق قد يعرضهم لأزمات مالية، في حين أن الشركات الكبرى ذات الخبرة قادرة على مواجهة هذه التحديات من خلال توريق شيكات العملاء مع البنوك بأسعار فائدة متفق عليها مسبقا

وبحسب جاد، يؤدي تمديد فترات السداد لعشر أو خمس عشرة سنة إلى رفع أسعار الوحدات بشكل أكبر، نتيجة زيادة تكلفة التمويل والمخاطر التي يتحملها المطور على المدى الطويل، معتبرا أن مثل هذه المدد غير منطقية في الظروف الحالية.

ـ الشراء النقدي سعر حقيقي :

بينما يرى الشريك ورئيس العمليات بشركة نايت فرانك للاستشارات في مصر تامر الفقي، أن خطط السداد الطويلة في السوق العقارية لا تعكس قيمة مادية مباشرة بقدر ما تمثل أداة تسويقية تهدف إلى جعل المنتج أكثر جاذبية للعملاء.

وأوضح أنه عادة ما تلجأ كثير من الشركات بعد بدء التسليم إلى البنوك لتوريق الشيكات الخاصة بالعملاء وتحويلها إلى سيولة فورية، وهو ما يخفف العبء عن المطورين، بينما تنتقل المخاطر الفعلية إلى القطاع المصرفي.

وأضاف   أن المطور لا يتضرر من هذه الخطط الممتدة، إذ يقوم بزيادة أسعار الوحدات بنسبة تتراوح بين 20 و50% مقابل فترات السداد الطويلة، بما يضمن له نفس القيمة التي كان سيحصل عليها من خطط الدفع التقليدية الممتدة بين 5 و7 سنوات.

في المقابل، يتحمل العميل العبء الأكبر نتيجة ارتفاع الفوائد المتراكمة على الأقساط، بحسب الفقي، مشيرا إلى أن العملاء عادة يربطون التزاماتهم المالية المستقبلية بتوقعات نمو دخولهم، مع الأخذ في الاعتبار معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة، معتبرا أن الاستثمار العقاري يظل ملاذا آمنا نظرا لثبات قيمته وعدم تعرضه للخسارة عبر الزمن.

ولفت إلى أن الشراء النقدي يظل الخيار الأمثل، كونه يوفر سعرا حقيقيا للوحدة بعيدا عن الأعباء الإضافية للفوائد، موضحا أن "القيمة المتصورة"(Perceived Value) أصبحت العامل الأبرز في تسعير العقارات بمصر، حيث يدفع العملاء مقابل الموقع والخدمات واسم المطور أكثر مما يدفعون مقابل تكلفة البناء الفعلية .

ـ تنظيم خطط السداد :

قال الرئيس التنفيذي لشركة "أدير العالمية" التابعة لمجموعة "أدير القابضة"، باسل الصيرفي، إن السوق العقارية المصري يشهد حاليا أطول فترات سداد مقارنة بأسواق المنطقة، مشيرا إلى أن السوق السعودية، منذ تطبيق نظام البيع على الخارطة عام 2018 وحتى 2024، لم تتجاوز فترات السداد فيه 36 شهرا مع تسليم الوحدة خلال نفس المدة.

وأوضح أن منصة "وافي" في السعودية تنظم هذه الآلية من خلال اشتراط استكمال تراخيص البناء قبل البيع، وصرف أموال المبيعات للمطور وفق نسب التنفيذ، بما يضمن حماية العملاء واستمرار التمويل.

وأضاف أن فترات السداد هناك امتدت مؤخرا إلى 5 أو 7 سنوات بحسب حجم المشروع، فيما يحتاج السوق المصرية إلى مزيد من التنظيم لتحقيق التوازن بين المطور والعميل.

ولفت الصيرفي إلى أن الأفضل هو ربط تحصيل الأقساط بموعد تسليم الوحدة، موضحا أن شركته تتبع نظاما يضمن تحصيل التكلفة الكاملة للوحدة، شاملا الأرباح، قبل انتهاء فترة السداد، بما يعزز من استقرار التدفقات المالية للشركة.

واختتم قائلا إن مفهوم التطوير العقاري لم يعد يقتصر على البناء فقط، بل أصبح يعتمد بشكل أساسي على الإدارة المالية للتدفقات النقدية التي تمثل 70% من عوامل نجاح المشروع، مقابل 30% لأعمال المقاولات وإدارة المرافق.

 


أخبار مرتبطة
 
24 سبتمبر 2025 1:25 مأزمة سيولة تهدد دور الأمم المتحدة وإجراءات تقشفية غير مسبوقة.23 سبتمبر 2025 12:34 ممبادرة تمويل المصانع المتعثرة تحتاج لآليات تنفيذ واضحة وتوفير تسهيلات كافية للمستثمرين23 سبتمبر 2025 12:28 مالسردية الوطنية: حوكمة الاستثمارات العامة تعظم العائد وتفسح المجال للقطاع الخاص21 سبتمبر 2025 1:34 مطرح الحزمة الثانية من التسهيلات الضريبية للحوار المجتمعي وحوافز ومزايا للملتزمين17 سبتمبر 2025 4:47 مامكانية تخلى العالم عن الدولار.. والاحتياطي الفيدرالي بين مأزق التضخم وهروب المستثمرين للتحوط15 سبتمبر 2025 3:59 مالبنك الدولي: انخفاض استثمارات التنمية البشرية يحد من الأداء الاقتصادي ونمو الدخل14 سبتمبر 2025 4:04 مالتيسير النقدي يدعم نمو سوق السيارات وتوقعات بارتفاع المبيعات 20%10 سبتمبر 2025 3:45 مفي قمة شنغهاي.. الصين تطرح نظاما عالميا جديدا وتتحدى أمريكا9 سبتمبر 2025 4:16 متغير المناخ يهدد الأمن الغذائي واستقرار أسعار الغذاء في العالم8 سبتمبر 2025 12:35 مأسئلة وأجوبة عن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية

التعليقات