تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
7 أغسطس 2019 4:31 م
-
الرئيس الأمريكي المسؤول الأول عن حرب العملات وعن كساد مقبل الأيام

الرئيس الأمريكي المسؤول الأول عن حرب العملات وعن كساد مقبل الأيام

إعداد ـ فاطيمة طيبي

 

 بين عشية وضحاها تحول الصراع الأمريكي- الصيني من حرب تجارية تصيب الاقتصاد العالمي ، إلى حرب عملات يهدد اتساع مداها بكارثة اقتصادية عالمية يصعب أن يخرج منها أحد سالما. 

 هذا ما يفسر دخول المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين مرحلة  جديدة، وسط تحذيرات في أوساط الاقتصاديين من تكرار سيناريو الفترة التي سبقت الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي. وفتح البلدان جبهة متفجرة، وأكثر خطورة في رحى الصراع الدائر بينهما، الذي يزداد اتساعا يوما بعد آخر. 

  مخاطر تحول التوترات التجارية إلى حرب عملات، التي  حذر منها العديد من المختصين اذ قد يشهد  هذا الوضع نوعا من  انفلات الأمور وخروجها عن مسارها، فإن انخفاض اليوان الصيني في الخامس من شهر اغسطس الحالي  إلى أدنى مستوى له في 11 عاما، يوضح أن تلك التحذيرات لم تجد آذانا صاغية. فاليوان اخترق حاجز سبعة اليوانات للدولار، وهي خطوة عدّها كثير من المتعاملين في سوق العملات بداية كسر الحاجز النفسي في العلاقة بين اليوان الصيني والدولار الأمريكي، وكما كان متوقعا امتدت سريعا آثار الانخفاض إلى عملات أخرى أخذت أيضا في الهبوط. 

الرواية الأمريكية تبنى على أساس أن الصين سمحت لقيمة عملتها الخاضعة لسيطرة محكمة بالانخفاض، خطوة تجد فيها الإدارة الأمريكية أنها اتُخذت لإلحاق الضرر بالمنتجين الأمريكيين، وجعل منتجاتهم أغلى سعرا للعملاء الصينيين وفي الأسواق الأخرى التي ينافسون فيها المنتجين الصينيين. 

أما الرواية الصينية فتقف على النقيض من ذلك، وبالنسبة إليها فإن انخفاض اليوان جاء بناء على عوامل السوق أي العرض والطلب، وأن ما حدث قد حدث بعد أيام من إعلان الرئيس ترمب، أنه سيفرض تعريفة جمركية بنسبة 10 % على واردات صينية بقيمة 300 مليار دولار. يعد الدكتور وليم هارولد رئيس قسم الاقتصاد السابق في جامعة لندن، والاستشاري في الأمم المتحدة، أن الصراع بين البلدين دخل مرحلة خطيرة، كما أن انخفاض اليوان الصيني يدفع واشنطن إلى ما يطلق عليه "الخيار القاتل" وهو وقف جميع الواردات من الصين. ويؤكد أن خيار وقف واشنطن الواردات الصينية قد يكون الحل النهائي، وقد يسبقه طلب الإدارة الأمريكية من منظمة التجارة العالمية اتخاذ إجراءات صارمة ضد الصين، أو حشد واشنطن لحلفائها الدوليين لتقييد التجارة مع الصين. ويضيف "ترمب ينظر بصورة شخصية إلى خفض الصين قيمة اليوان كعمل من أعمال العدوان الاقتصادي، وسيدفعه ذلك إلى تبني إجراءات أكثر عدوانية تجاه الاقتصاد الصيني، وبالطبع لن تفوت السلطات الصينية الفرصة دون رد". 

تباطؤ النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة والصين، يعد أخطر العواقب المحتملة لمعركة العملات، ومع تراجع أكبر اقتصادين في العالم فمن المتوقع أن يصاب الاقتصاد الدولي بالركود. وتبدو الأصوات الآن متشائمة للغاية تجاه المستقبل، حيث إن تباطؤ نمو الصين وانخفاض عملتها يدفعها إلى إغراق الأسواق الدولية بالسلع، ما سينعكس سريعا على المنافسين خاصة الأوروبيين، الذين سينضمون بطبيعة الحال إلى واشنطن في تلك المعركة، ما يؤشر على بروز تحالف بين الدولار واليورو والاسترليني وحتى الفرنك السويسري، وبطبيعة الحال الين الياباني في مواجهة اليوان الصيني الذي سيكون عليه البحث عن حلفاء يرتكن إليهم في المواجهة. 

تبدو الباحثة الاقتصادية كيث موريس أحد الأصوات المتشائمة تجاه المستقبل، في ظل ما تصفه بالطلقة الصينية الأولي في معركة حرب العملات. وتقول  "إن ما يحدث الآن يعكس أصداء تاريخية مشابهة للخطوات التي سبقت الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، لقد أقام الجميع حينها حواجز جمركية، وتنافس الجميع لتخفيض العملة الوطنية على أمل زيادة الصادرات وخفض الواردات، والنتيجة كساد اقتصادي عظيم ما زال العالم يتذكره حتى الآن".

في الواقع فإن بوادر الذعر العالمي من السير في اتجاه الكساد الكبير مجددا، نتيجة حرب العملات، يتضح من تراجع قيمة عدد من عملات الاقتصادات الناشئة، وسط بحث المستثمرين عن ملاذات آمنة، فزاد الإقبال على شراء الذهب والدولار الأمريكي. بينما ابتعدت الأسواق العالمية أكثر فأكثر عن الأصول وانخفضت أسواق الأسهم بنسبة 3 %   في يوم واحد، كما انخفض عائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات إلى 1.74 %.

ويعتقد المختصون أن التحركات الإيجابية في أسواق الذهب ستتواصل الفترة المقبلة، محطمة بذلك مستويات قياسية لعدد من العملات مثل الجنيه الاسترليني والين الياباني والدولار الأسترالي والكندي، فالمعدن الأصفر يشهد ارتفاعا يوميا يبلغ في المتوسط 3 %  مع هذا، ما زال بعض المختصين يراهنون على عدم انزلاق بكين وواشنطن إلى حرب عملات مفتوحة بشكل مباشر وفج.

يعتقد الدكتور تي .إس .كوارد نائب رئيس اللجنة المالية في بنك إنجلترا سابقا، أن الصين لن تمضي قدما في تلك الحرب إذ إن خسائرها لن يمكنها تحملها. ويقول  "إن بكين لديها حافز لمنع أي تخفيض إضافي في قيمة العملة، لمنع هرب رؤوس الأموال، حيث إن هرب رؤوس الأموال بين عام 2015 - 2016 دفع البنك المركزي الصيني إلى إنفاق نحو تريليون دولار من احتياطات النقد الأجنبي البالغة أربعة تريليونات دولار، والانخفاض الشديد في قيمة العملة سيؤدي إلى نشوب أزمة ديون، فالمقترضون الصينيون يكافحون لسداد ديونهم من العملات الأجنبية، التي زادت قيمتها نتيجة انخفاض اليوان". وأوضح أن الشركات غير المالية الصينية مدينة بنحو 800 مليار دولار أي 6 % من الناتج المحلي الإجمالي، وديون البنوك الصينية 5 % من الناتج المحلي الإجمالي، ومطورو العقارات أصدروا سندات بعشرات المليارات من الدولارات لاستغلال أسعار الفائدة الأمريكية المنخفضة، ومنذ العام الماضي يلاحظ تزايد في عمليات التخلف عن سداد الديون في الصين، وإذا اتسعت تلك الموجة نتيجة الإجهاد الاقتصادي فإن الصين ستعاني عمليا أول ركود اقتصادي منذ عصر الزعيم ماو.

لكن وجهة نظر الدكتور تي.إس. كوارد لا تبدو وجهة النظر السائدة بين السواد الأعظم من المختصين حاليا. وربما يعود ذلك إلى أن الصين ربما تدفع دفعا لمواصلة حرب العملات، حتى إن لم يكن السبب الولايات المتحدة الأمريكية. فعديد من الاقتصادات الآسيوية الأخرى تتعامل مع تداعيات حرب العملات. فعملة كوريا الجنوبية الوون انخفضت بنسبة 1.4 % مقابل الدولار، والعملة الكورية تعد جزءا مما يعرف بـ"كتلة اليوان" وهي مجموعة العملات التي ترتبط باليوان وتتأثر به، وأغلب تلك البلدان تربطها بالصين علاقات اقتصادية قوية وواسعة النطاق. لكن كوريا الجنوبية لا تزال أيضا جزءا من الكتلة الدولارية، فديون الشركات غير المالية بلغت 16 % من الناتج المحلي الإجمالي، و86 % من إجمالي ديون الشركات الكورية مقومة للخارج، وتبلغ ديون الشركات المالية الكورية 305 مليارات دولار أي 19 % من الناتج المحلي الإجمالي، وتقلبات أسعار الصرف سترهق الاقتصاد الكوري بشدة.

اليابان لديها مشكلة لكن من نوع آخر، فتراجع العملة الصينية يعني في المقابل ارتفاع قيمة الين الياباني، ومن ثم تراجع الاستثمارات القادمة لليابان، وعلى الرغم من أن اليابان أكبر دائن في العالم، حيث امتلكت العام الماضي أصولا أجنبية صافية بلغت 3.2 تريليون دولار، ما يعني أن زيادة قوة الين نتيجة تراجع اليوان الصيني، سيؤدي إلى تراجع عائدات اليابان من الاستثمارات الخارجية، ما يضعف عائدات الشركات والأسر ويؤثر في الاقتصاد الياباني.

ولهذا يخشى الاقتصاديون من أن تؤدي العملة الضعيفة إلى زيادة الصادرات، ورفع تكلفة الواردات، ما يعني زيادة معدلات التضخم الداخلي والإضرار بالإنفاق، وسيجبر ذلك في الغالب البنوك المركزية على زيادة أسعار الفائدة للحد من التضخم، الأمر الذي يقلص الاستثمار وضرب النمو الاقتصادي، والخطر كل الخطر أن يتفشى هذا النمط على مستوى العالم إذا قررت بلدان أخرى الانتقام. ومن ثم يمكن أن تدفع الصين إلى مواصلة المعركة التي انطلقت، ليس بالضرورة لأن واشنطن تطلق عليها النيران، إنما لأنها تتلقى صفعات اقتصادية من جيرانها في شرق وجنوب شرق آسيا.

بالطبع هناك كثير من المختصين ومن بينهم مختصون اقتصاديون داخل الولايات المتحدة، يحملون الرئيس الأمريكي مسؤولية ما حدث وما سيحدث في المقبل من الأيام.فالتشنج التجاري في مواجهة الصين لا بد من الحد منه، ففي الصراعات التجارية يمكن التلاعب في الأسواق حسب الرغبة من خلال زيادة التعريفة الجمركية أو خفضها. لكن في مجال العملات الأمر مختلف فالطبيعة الداخلية للعملات، تجعل تجاوز السقف المحدد للصراع أمرا ممكنا دائما، ما يوجد خسائر مالية غير متوقعة.

ويشير هؤلاء المختصون إلى أن مستشاري الرئيس الأمريكي يعتقدون أن اقتصاد الولايات المتحدة محصن في مواجهة الصين، إلا أن والتر هازلت المحلل المالي في بورصة لندن يرى العكس.ويقول "إن الأسواق تقول العكس، فمؤشر داو جونز الصناعي الآن أقل مما كان عليه في  يناير  2018 عندما بدأ الشجار التجاري مع الصين".

على الرغم من تحقيق الشركات الأمريكية أرباحا قوية ومرتفعة خلال العامين الماضيين، فإن عدم اليقين تجاه الرسوم الجمركية أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي من 3 % إلى 2 %، كما أن الاستثمار في الأعمال التجارية يتراجع وكذلك التصنيع". ويؤكد أنه مع تحول الصراع التجاري إلى حرب عملات، يحتمل أن تتآكل منجزات الرئيس الأمريكي الاقتصادية وتحديدا الإصلاح الضريبي والتخلص من عديد من القيود البيروقراطية، ما يعني أن المواجهة الاقتصادية مع الصين قد تنتهي بخسارة الجميع.

حتى الآن أطلقت الصين الطلقة الأولى في معركة حرب العملات، وهو ما يعني أن المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة ازدادت تعقيدا، وأن إبرام صفقة بين الطرفين بات أكثر صعوبة. ووسط تلك التفاعلات تتجه الأنظار الآن إلى البيت الأبيض، فإذا ما أقدمت واشنطن على إضعاف الدولار بعيدا عن قوى السوق، وعبر آليات إدارية صادرة من الاحتياطي الفيدرالي، مثل بيع الدولار لخفض قيمته، يعني أن إدارة ترمب تخلت رسميا عن سياسة الدولار القوي، التي تبنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة بيل كلينتون، فإن ذلك يعني عمليا تدشين حرب عملات دولية ستترك بصمات غائرة في وجه الاقتصاد العالمي.

 

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 22 ساعةنحو التكافؤ في السلطة.. دورالمرأة على طاولة نقاشات دافوس 202521 يناير 2025 11:30 صالمالية: نسعى لرفع كفاءة إدارة المالية العامة للتوسع في الإنفاق على الصحة والتعليم20 يناير 2025 2:04 موعود ترامب.. خطة حاسمة لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي19 يناير 2025 4:01 ممنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تختار مصر لإطلاق النسخة العربية من إرشاداتها للسلوك المسئول للشركات15 يناير 2025 2:37 مشرق أوسط جديد يحمل بصمات لارث ثقيل من إدارة الرئيس جو بايدن14 يناير 2025 3:31 مخالد عبد الغفار يوجه بتأسيس لجنة استشارية عليا للتنمية البشرية12 يناير 2025 12:37 متمكين المرأة اقتصاديا من خلال توفير الخدمات المالية وغير المالية للمشروعات وبرامج التدريب8 يناير 2025 3:06 ممصر: سيناريوهات استيراد الغاز المسال في الربع الأول من 20256 يناير 2025 12:40 معودة أعمال تنمية حقل غاز"ظهر" يناير 2025 مع طرح مناطق للتعدين5 يناير 2025 2:56 مارتفاع أسعار الخامات والأدوات والأجور.. أبرز تحديات صناعة الأثاث

التعليقات