أبحاث
كتب فاطيمة طيبى 9 مارس 2021 9:24 ص - التعليقات خبراء: خلافات من يقود عملية الضخ المالي في القطاع الصحي مستقبلا الحكومات أم القطاع الخاص اعداد ـ فاطيمة طيبي خلال فترة انتشار الوباء خاصة في ذروة الموجتين الأولى والثانية، خصصت الأغلبية العظمى من حكومات العالم قدرا هائلا من الموارد لمكافحة فيروس كورونا، بالطبع كانت شركات الرعاية الصحية من أبرز المستفيدين من تلك المخصصات سواء لزيادة الطلبات والمبيعات على منتجاتها أو نتيجة تدفق الاستثمارات عبر ارتفاع قيمة أسهم الشركات الطبية في جميع البورصات العالمية. ـ تكثيف الاستثمارات في قطاع الصحة الاستراتيجي: انعكست الجائحة على القطاع الصحي إيجابيا، بتنامي الوعي الحكومي والمجتمعي بأهمية وضرورة تكثيف الاستثمارات في هذا القطاع الاستراتيجي، لكن تنامي الوعي بهذا الشأن لا يتناقض مع طرح البعض تساؤلات بشأن المستقبل، وهل تؤدي العودة إلى الوضع الطبيعي إلى تقلص الزخم الراهن بالاهتمام بالقطاع الصحي، خاصة مع اكتشاف لقاح للفيروس، أم أن اكتشاف اللقاح لن يمنع من مواصلة تدفق الاستثمارات إلى قطاعات الرعاية الصحية والصناعات الطبية بعد أن يعاد توجيهها إلى مجالات جديدة . ؟ من جانبها، اعتبرت الدكتورة اليزابيث دانيال المتخصصة في مجال الرعاية الصحية، أن: ـ القطاع الصحي بما في ذلك الصناعات الطبية حقق نجاحات اقتصادية حتى قبل تفشي الوباء. ـ الاستثمار في هذا القطاع كان دائما مجالا جذابا لرجال الأعمال. ـ تفشي وباء كورونا زاد من المعدلات الاستثمارية فيه. ـ تلك الزيادة ستواصل تألقها حتى بعد اكتشاف لقاحات فعالة لمواجهة الفيروس، حيث تجرى حاليا أبحاث على نحو 100 لقاح للتصدي للفيروس. واضافت قائلة : "إن النمو السكاني المتواصل، وارتفاع معدلات الشيخوخة خاصة في الدول المتقدمة، وتحسن مستوى الطبقة المتوسطة في الاقتصادات الناشئة، تجعل من الضروري للغاية زيادة معدلات الإنفاق على الرعاية الصحية سواء من قبل الفرد أو الأسرة أو في الميزانيات العامة للحكومات، وهذا الاتجاه سيتزايد في المرحلة المقبلة سواء من قبل القطاع الخاص أو الدولة، خاصة أن تفشي الوباء كشف عن مدى تهالك وعدم حداثة البنية الصحية في كثير من الدول". إضافة إلى وجهة النظر تلك يعتقد بعض الخبراء أن تفشي وباء كورونا والاهتمام الإعلامي الشديد به، وتجاوز معدلات الوفيات أكثر من مليوني شخص وسياسات الإغلاق التي اتبعت على المستوى العالمي، بما تضمنته من تقييد للحركة والحد من السفر، كل هذا أحدث تغييرا في مفاهيم الرأي العام وعزز من القناعة بأهمية البقاء مستعدين، خاصة أن بعض الدراسات الطبية خلص إلى احتمال تعرض البشرية لهجمات مستقبلية من أنواع أخرى من الفيروسات، ما سيترجم على المستويين الاقتصادي والاستثماري في مزيد من التدفقات المالية في مجال الإنفاق الصحي والصناعات الدوائية والطبية. ـ المشهد الاستثماري الصحي قبل الوباء: من ناحيته، أوضح روبرت جيمس الخبير الاستثماري، المشهد الاستثماري في قطاع الرعاية الصحية قبل تفشي الوباء قائلا، "قبل الجائحة تركزت أغلب الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا واستحوذت شركات فيسبوك وأبل وأمازون ونيتفليكس وجوجل ومايكرسوفت على 56 % من العائد في S&P 500، بينما لم تتجاوز حصة جونسون وجونسون ويونايتد هيلثكير من مؤشرS&P 500 إلا على نسبة 1.46 و1.07 % على التوالي مع الأخذ في الحسبان أنهما أكبر شركتين للرعاية الصحية في هذا المؤشر". ويضيف قائلا " ان هذا المشهد يتوقع أن يتغير بشكل جذري حتى في فترة ما بعد التوصل إلى لقاح لفيروس كورونا المستجد ، فالمرجح أن نشهد مزيدا من التدفقات الاستثمارية على القطاع الطبي، لكن الأمر لن يتوقف عند هذا الحد، بل إن شكل ونمط الاستثمارات سيكون مختلفا، إذ ستشهد الفترة المقبلة مزيدا من عمليات الاندماج وصفقات الاستحواذ بين الشركات العاملة في المجال الطبي سواء أفرع الرعاية أو إنتاج الدواء والمستحضرات والمعدات الطبية، كما أننا سنشهد مزيدا من التنسيق بين الدول خاصة الاقتصادات الناشئة في هذا المجال، وسيتضمن ذلك تأسيس شركات متعددة الجنسيات من قبل دول تنتمي إلى الاقتصادات الناشئة، ومرجع ذلك إلى الشعور العام بأن جائحة كورونا كشفت عن خطورة الاعتماد فقط على آليات التجارة الدولية لتوفير الاحتياجات الطبية، ففي أوقات الأزمات واسعة النطاق مثل أزمة كورونا وهي أزمة قابلة طبيا للتكرار، تفضل الدول تبني سياسات ذات طابع حمائي، وتضع عديدا من القيود التي تحول دون تصدير المنتجات الطبية". لكن سيادة القناعة بأن القطاع الصحي سيكون موضوع استثمار رئيسي حتى بعد خلاص البشرية من وباء كورونا، لا ينفي وجود خلافات حادة بين الخبراء حول من سيقود أو بصورة أكثر دقة من يجب أن يقود عملية الضخ المالي في القطاع الصحي مستقبلا، الحكومات أم القطاع الخاص. هنا تلعب قضية الكفاءة دورا محوريا في تبرير بعض الخبراء مواقفهم الداعية إلى تعزيز دور القطاع الخاص في المجال الصحي مستقبلا، فالعبء المالي على الميزانيات الوطنية والتأمين الصحي على أصحاب العمل يعزز فكرة مزيد من التحول إلى القطاع الخاص طبيا، فعلى سبيل المثال ما بين 30 إلى 40 % من الإنفاق على الرعاية الصحية في الولايات المتحدة يهدر، ما يوفر فرصة هائلة لرفع مستويات الكفاءة بالتحول إلى مزيد من الخصخصة في القطاع الطبي. كما أن نسبة الإنفاق الطبي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تبلغ في المتوسط نحو 5 % من الإنفاق العام، ويضع ذلك ضغوطا متزايدة على ميزانيات تلك الدول في وقت يتوقع أن يتزايد فيه إجمالي الدين الحكومي العام. ـ ربط البحوث الصحية بدرجة التقدم الاقتصادي للدولة : بدوره، قال الدكتور"رامزي لوي" أستاذ التنمية الدولية في جامعة دارهام، "يجب ربط الأمر بمدى درجة التقدم الاقتصادي في الدولة محل البحث، مثلا: ا ـ ففي الاقتصادات النامية والناشئة: يصعب التعويل التام على القطاع الخاص عند الحديث عن الرعاية الصحية على مستوى الدولة، إذ إن درجة تطور القطاع الخاص لا تسمح له بتحمل هذا العبء، كما أن البنية الصحية سواء كانت متهالكة أو قديمة في تلك الدول تتطلب استثمارات مالية ضخمة للغاية، قد يكون العائد المتحقق منها بعيد المدى، وهذا لا يتفق مع كثير من المفاهيم الاستثمارية للقطاع الخاص، ولهذا في الاقتصادات الناشئة أو النامية يجب أن تلعب الدولة الدور الرئيس في الاستثمار في القطاع الصحي، مع ترك هامش مرن ومربح للقطاع الخاص للتقدم إلى الأمام وتخفيف الضغط نسبيا على ميزانيات الصحة العامة". ب ـ في الدول المتقدمة : تختلف الصورة: حيث تسمح مستويات المعيشة المرتفعة بدور أكبر للقطاع الخاص في المجال الطبي، كما أن القدرات المالية الضخمة للشركات العاملة في مجال إنتاج الدواء والمستحضرات والمستلزمات الطبية تمكنها من الاستثمار الرأسمالي الكثيف. ـ عدم قدرة القطاع الخاص على التعامل مع حجم الازمة لا ينفي مساهماته الإيجابية: مع هذا ترى الدكتورة فيكتوريا بارت أستاذة الطب العام في جامعة جلاسكو أن جائحة كورونا، على الرغم من المساهمات الإيجابية للقطاع الخاص، كشفت عدم قدرة القطاع الخاص على التعامل مع أزمة بهذا الحجم، وأن أعواما متتالية من تقليص الحكومات للميزانيات الصحية العامة، وإهمال بناء مستشفيات جديدة أو تطوير القائمة، وضعت القطاع الطبي برمته تحت ضغط شديد خلال الجائحة، دفع بالحكومة في دولة مثل بريطانيا - تحتل المرتبة الخامسة على مستوى الاقتصاد العالمي - إلى نشر نحو خمسة آلاف من أفراد القوات المسلحة لمساعدة القطاع الطبي على التعامل مع الأزمة. كما انه لا يمكن بطبيعة الحال استبعاد القطاع الخاص من المنظومة الصحية سواء على مستوى الرعاية أو الأبحاث، لكن الدولة يجب أن تكون المساهم الرئيس في هذا القطاع عبر ضخ استثمارات ضخمة تسمح بتطوير القطاع الطبي، خاصة في مجال الطب الوقائي، مع تقديم حد أدني من الرعاية الصحية الجيدة للجميع، على أن يظل القطاع الخاص خيارا شخصيا للمواطن القادر، وليس الخيار الوحيد أمام المواطن لتلقي العلاج" .
|
|||||||||||||||