دراسات


كتب فاطيمة طيبى
8 نوفمبر 2022 2:38 م
-
السندات الخضراء .. مليارات الدولارات في مهمة إنقاذ الكوكب

السندات الخضراء .. مليارات الدولارات في مهمة إنقاذ الكوكب

 

اعداد ـ فاطيمة طيبي

أبرز الأفكار التي تدور داخل عقول سماسرة وول ستريت، قبل أن تدور آلة الهواتف وينطلق المندوبون من ذلك الشارع الشهير، الذي يغطي ثمانية مربعات سكنية في المنطقة المالية في منهاتن في مدينة نيويورك الأمريكية.

يتحررون من أربطة العنق، قبيل استراحة قصيرة ترتاح فيها أعينهم المرهقة من متابعة المؤشر، سهم يرتفع وآخر ينخفض، وربما غفا أحدهم على موسيقى الجاز التي تعزفها باقتدار الأمريكية آديلايد هال، أو اطمأن آخر إلى أنه حصل على تذكرة فيلم السيدة تشيني ممنيا نفسه بسهرة فكاهية، فيما جلس ثالث يفكر في مستقبل البشرية بعد اختراع أول تلفزيون ملون على يد جون لوجي. تلك كانت

أدى الحدث الذي وقع في 24 أكتوبر 1929 إلى انتحار كثيرين واشتهر بيوم "الخميس الأسود"، فيما كانت له بعض الآثار الإيجابية، فقد أعرض الناس عن الاستثمار في البورصة واتجهوا إلى السندات البنكية باعتبارها ملاذا آمنا لأموالهم - والمقصود بالسندات، هي الأوراق المالية التي تطرحها البنوك والحكومات مقابل قيمة معينة، يدفع ثمنها المستثمر ويحصل بعد ذلك على عائد مادي حتى انتهاء فترة السندات التي يسترد فيها أمواله - ورغم أن تلك الأداة متوافرة منذ ازدهار تأسيس البنوك نهاية القرن الـ19، لكنها انتعشت في ثلاثينيات القرن الـ20، باعتبارها حقبة كساد عالمي، اضطرت على إثرها الحكومات إلى طرح سندات لتمويل مشاريعها من جيوب المواطنين.

توضح تقارير البنك الدولي، أنه منذ الثلاثينيات ظلت السندات أداة فعالة في اقتراض الحكومات من مواطنيها العاديين أو المستثمرين، بل وتطورت فتم تصنيفها إلى ثلاث فئات بحسب المدة:

ـ  سندات قصيرة الأجل التي لا تتخطى خمسة أعوام.

ـ  أخرى متوسطة الأجل لا تزيد على عشرة أعوام.

ـ  ثالثة طويلة الأجل لأكثر من عشرة أعوام.

 كما دخلت الشركات هذا المجال فبات من المتاح لها في بعض الدول أن تطلق سندات للمواطنين بجوار الحكومات، كما تشير التقارير إلى أن السندات كانت دوما الحل الأمثل وقت الأزمات العالمية، إذ تنهار البورصات وتزيد المخاطر.

يدلل على ذلك، ما حدث خلال العام الجاري، إذ تعاني دول العالم بعد جائحة كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية أزمة اقتصادية وصفتها بعض الهيئات الاقتصادية كالبنك الدولي، بالأصعب منذ الحرب العالمية الثانية، لذلك لجأ بنك إنجلترا في سبتمبر الماضي 2022  إلى طرح سندات طويلة الأجل بلغت قيمتها 2.1 تريليون جنيه، من أجل السيطرة على التضخم، وهو ما فعلته تونس بعد ذلك بأسابيع، واستمرت مصر التي وصلت قيمة سنداتها المطروحة إلى ثلاثة مليارات دولار من أجل توفير السيولة الدولارية ومواجهة التضخم، أما فرنسا فأعلن برونو لومير وزير ماليتها أن الأزمة التي تواجهها باريس وهي مقدمة على فصل الشتاء بدون طاقة كافية، أكبر من أن تحلها السندات.

بالتزامن مع ذلك، تطورت فلسفة السندات كأداة مالية أكثر، فلم تعد قاصرة فقط على تمويل المشاريع، بل صارت مقياسا لمدى ثقة المواطنين والمستثمرين بحكوماتهم، فكلما زاد الإقبال على شراء السندات يعني ذلك زيادة الثقة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أصبحت السندات وسيلة لتشكيل الوعي، فحين أراد بنك الاستثمار الأوروبي التعريف بقضايا المناخ وجعل المواطن شريكا أساسيا في مواجهة تلك الأزمة، لم يجد وسيلة أفضل من طرح سندات خضراء لأول مرة 2007، التي تعني أنها سندات مخصصة فقط لتمويل مشاريع مواجهة التغيرات المناخية والحفاظ على البيئة، وهكذا أصبح كل مواطن يشتري تلك السندات مطالبا بالحفاظ على البيئة، لأنه يستثمر فيها.

ومن ضمن أهم المشاريع التي يمكن إصدار سندات خضراء لتمويلها، مشاريع الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة والإدارة المستدامة للنفايات، والاستخدام المستدام للأراضي، والنقل النظيف، والإدارة المستدامة للمياه، والتكيف مع تغير المناخ والمدن الجديدة. ومن مزايا السندات الخضراء عن الأخرى التقليدية، أنها تتيح لمصدريها الوصول إلى مستثمرين جدد، وهو ما يجعل هؤلاء المصدرين أقل اعتمادا على أسواق معينة، كما تساعد على زيادة الوعي بالبرامج البيئية للمصدرين، وفتح حوار موسع مع المستثمرين بشأن المشاريع التي تساعد على التصدي لتحدي تغير المناخ وغيره من التحديات البيئية.

وعلى النهج الأوروبي نفسه سارت دول كثيرة، فزاد طرح السندات الخضراء ووصلت قيمتها إلى 255 مليار دولار في 2019، وسط توقعات بالمضاعفة خلال الأعوام المقبلة، وتتصدر قائمة الدول في هذا المجال، الولايات المتحدة الأمريكية، تليها ألمانيا ثم فرنسا. والآن، ومعظم قادة العالم يجتمعون في مدينة شرم الشيخ المصرية، يناقشون التغيرات المناخية وسبل الحفاظ على الكوكب، فهل تمنح السعودية بمبادراتها مزيدا من الحماية للمناخ، بعد أن طرحت سندات خضراء من خلال صندوقها السيادي كخطوة ريادية، كونه أول صندوق يقدم على تلك الخطوة، وحظيت بطلبات فاقت ما تم طرحه بنسبة 420 % وبقيمة 25 مليار دولار، في دلالة على مدى الثقة العالمية برؤية المملكة وقفزاتها غير العادية نحو المستقبل.

 

 

 



التعليقات