أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
5 مارس 2023 1:18 م
-
ارتفاع قلق بعض الدوائر الاقتصادية الدولية من الموقف الحقيقي للولايات المتحدة من حرية التجارة

ارتفاع قلق بعض الدوائر الاقتصادية الدولية من الموقف الحقيقي للولايات المتحدة من حرية التجارة

اعداد ـ فاطيمة طيبي

الولايات المتحدة بوصفها قائد الاقتصاد الحر في مقدمة المدافعين عن حرية التجارة وحرية حركة رؤوس الأموال، تغير اتجاهها في الأعوام الأربعة التي تولى فيها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب السلطة، إذ تبنى مواقف اقتصادية وتجارية حمائية، متخذا العديد من القيود التي تعيق التبادل التجاري الحر مع أكبر شركاء امريكا التجاريين ـ الصين والاتحاد الأوروبي.

ـ خيبة آمال :

بوصول الديمقراطيين إلى البيت الأبيض، غابت امال أنصار التجارة الحرة والتي لم تتغير بالشكل المرجو وبات كثيرون يعبرون عن تشككهم في التزام إدارة الرئيس بايدن بالدفاع عن التجارة الحرة في الواقع العملي، ومع مرور الوقت تحولت الظنون الى قناعات وزاد عدد الخبراء الذين يرون أن البيت الأبيض يدافع في العلن عن التجارة الحرة، لكنه يتبنى موقفا مغايرا على أرض الواقع.

النظر الى معدلات التضخم المرتفعة الشغل الشاغل لمحافظي البنوك المركزية، و بات شبح الركود يهدد كل من الولايات المتحدة بما فيها العديد من الاقتصادات الأوروبية، اضف اليه العجز عن سداد الديون الخطر الحتمي الذي تتعرض له الاقتصادات الناشئة... في ظل الأوضاع الصعبة ، نجد ان ما  كان يناقش  في السر من مختلف المشاكل اصبح الآن يناقش في العلن . وسط تخوفات وتساؤلات في ان تكون  الولايات المتحدة تخلت حقا عن مناصرتها للتجارة الحرة.

خطورة الحروب التجارية تكمن في قدرتها التدميرية، لأن الدول التي تخوض تلك الحروب تميل إلى الانتقام من خلال إقامة حواجز تجارية متزايدة الارتفاع، وفرض تعريفات تميزية على الواردات.  لكن يزداد القلق لدى بعض الدوائر الاقتصادية الدولية من الموقف الحقيقي للولايات المتحدة من حرية التجارة.

يعتقد الدكتور إيدور بوبي أستاذ التجارة الدولية في جامعة كامبريدج، أن الحرب التجارية على نطاق عالمي مستبعدة على الأقل هذا العام، لكن جميع العوامل والظروف مهيأة لاندلاعها بمجرد توقف الحرب الروسية - الأوكرانية.

ويقول "منذ 2017  سحبت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب دعم الولايات المتحدة لمنظمة التجارة العالمية، جينها كانت بداية الحرب   التجارية مع الصين، اذ فرضت رسوما شاملة على مواد وسلع مهمة مثل الصلب والألمنيوم، كما  فرضت رسوما وضرائب جمركية  اخرى على السلع المستوردة من حلفائها في أوروبا وبريطانيا، الا ان  أوروبا لم ترد بالمثل وامتنع الشركاء التجاريين للولايات المتحدة عن الرد بعنف على أمل أن تقوم الإدارة التالية بإعادة الأمور إلى نصابها، الا ان هذا لم يحدث .

ويضيف قائلا:"إدارة بايدن لم تلغ تدابير إدارة ترمب التجارية، لكن الجميع التزم الصمت بسبب الحرب الروسية - الأوكرانية، ما يجعلني أشك في أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا سيلتزمان الصمت حول تعرضهما للمشاكل التجارية من الولايات المتحدة بمجرد انتهاء الحرب".

ـ قوانين وتدابير لمراجعة الاستثمارات الخارجية:

تربط الدكتورة ماريان آدم أستاذة النظم الاستثمارية في جامعة جلاسكو بين مخاطر الحرب التجارية من جانب، وما تصفه بالقيود التي تفرض على تحركات رأس المال على المستوى الدولي من جانب آخر، إذ تقول  ": "الاستثمارات الدولية تعاق في الوقت الحالي مع تبني السلطات الأمريكية وحكومات البلدان الأوروبية وبريطانيا وحتى الصين قوانين وتدابير لمراجعة الاستثمارات الخارجية تحت ذريعة الأمن القومي".

وأكدت أنه إذ أخذ في الحسبان التداخل الدولي بين التجارة الخارجية والاستثمارات الأجنبية، فإننا نشهد نهجا أكثر صرامة وأقل ترحيبا بالاستثمارات الدولية، وهذا يعطي مؤشرا كبيرا إلى أن التجارة الحرة تتعرض الآن لضربات مؤلمة، لكن الحرب الروسية - الأوكرانية تجبر الجميع على التزام الصمت.

وتضيف"إدارة الرئيس بايدن وجهت الهيئة التي تجري مراجعات على الاستثمارات الدولية، وهي لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، إلى تشديد عملية التدقيق في الصفقات الأجنبية، خاصة الصينية وتحديدا في مجال التقنيات المهمة أو تعرض سلاسل التوريد للخطر" .

مع هذا، يرى بعض الخبراء أن المخاوف من اندلاع حرب تجارية مخاوف مبالغ فيها، وأن التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن التجارة الحرة لا يزال قائما، رغم القناعة بتآكل هامش الحرية التجارية الذي ساد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ومن هذا المنطلق، يرى هؤلاء الخبراء أن العولمة كفكرة مرتبطة بالتجارة الحرة لا تزال تتمتع بقبول كبير، وأن ما يحدث ليس تراجعا عن فكرة التجارة الحرة، بل إعادة لتنظيم العولمة ومن ثم التجارة الحرة، وليس التخلي عنها.

جسبر برودي الاستشاري في منظمة التجارة العالمية يعلق قائلا: "العولمة، ومن ثم التجارة الحرة وحركة رؤوس الأموال لم تنته، لكنها تأخذ أشكالا جديدة تعتمد أكثر فأكثر على الروابط الإقليمية وصياغة تشكيلات للتكتلات الاقتصادية للقطاعات الحساسة والمهمة، فالتخلي التام عن التجارة الحرة والعولمة أمر ليس قابلا للتحقيق ولا مرغوب فيه بين الشركاء".

من هنا يمكن أن نقول إن قطاعا كبيرا من الخبراء يرى أن الولايات المتحدة وباعتبارها الاقتصاد الأكبر في العالم تخلت عن مسار اتفاقيات التجارة الحرة ذات الطبيعة العالمية، وتركز الآن على آليات التعاون غير التقليدية والمرنة مثل الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيط الهندي والهادئ أو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو مجلس التجارة والتكنولوجيا، ويعكس هذا تحولا عن المسار الذي تبنته الولايات المتحدة لأعوام بدعم التجارة العالمية على المستوى الدولي.

ـ تناقص الفائدة والعوائد الاقتصادية من التجارة الحرة:

يعلق رايون مايلز الباحث الخبير في مجال التجارة الدولية قائلا: "التحول في الموقف الأمريكي والعالمي من فكرة التجارة الحرة يعود إلى تناقص الفائدة والعوائد الاقتصادية من التجارة الحرة، فقد تم تصميم اتفاقيات التجارة الحرة في المقام الأول لخفض التعريفات، وبالفعل ومع مرور الوقت تم الغاؤها أو تخفيضها في الأغلب، وبالتالي فإن نطاق تقديم مزيد من التخفيضات الجمركية محدود.

ويضيف "كما أن تحرير التجارة تضمن معالجة التدابير غير الجمركية مثل القواعد واللوائح والمعايير، وهذا أيضا وصل إلى حده الأقصى، ومن ثم لم يعد هناك فائدة كبيرة من وجهة نظر واشنطن يمكن أن تجنى من التجارة الحرة، أضف إلى ذلك تقلص شعبية مفاهيم التجارة الحرة في الولايات المتحدة نتيجة تأثيرها في الوظائف في بعض القطاعات الاقتصادية". وأشار إلى أن مشكلة الولايات المتحدة أنها تدير ظهرها للتجارة الحرة في وقت لا تزال فيه الصين والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي حريصين على المضي قدما والدفاع عن التجارة الحرة، لذلك يبحث الجميع عن حل وسط وهو التحرك لتعميق التعاون الإقليمي والشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة.

مع هذا، يعتقد البعض أن تلك النظرة على الرغم من صحتها نظرة جزئية لا تتصف بالشمول ولا تكشف عن المخاطر الحقيقية التي تتعرض لها التجارة الدولية، التي تبرز في حالة الاحتقان المتزايد في العلاقات التجارية بين الأطراف الرئيسة في المنظومة الاقتصادية العالمية، وهم: الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، فعلاقات التعاون التجاري بين ضفتي الأطلسي تتعرض لضغوط ومشكلات كثيرة حتى قبل اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، إذ يبدو وجود خلاف في وجهات النظر فيما يتعلق بأفضل السبل للتعامل مع الصين، وقد زاد الأمر حدة في الفترة الأخيرة عندما تعلق الأمر بالطاقة الخضراء والسياسة الصناعية في الولايات المتحدة.

وقانون التضخم الأمريكي، الذي أقرته إدارة الرئيس بايدن وينص على استثمار مبلغ غير مسبوق قدره 369 مليار دولار في جهود المناخ الأمريكي والطاقة النظيفة، أثار مخاوف الأوروبيين، وتحديدا الفرنسيين، بشأن القدرة التنافسية الصناعية بين بلدان الاتحاد الأوروبي من جانب، والولايات المتحدة من جانب آخر.

ويعلق صامويل باركر الباحث في مجال التعاون الاقتصادي الدولي قائلا: "هناك صيغ جديدة للتعاون الدولي.. النظرة القاتمة في الوقت الراهن لمستقبل التجارة الحرة لا تنفي أنه في الأجل القصير سيسود التعاون الوثيق بين ضفتي الأطلسي رغم الاحتكاكات الدائمة بين الطرفين، ومن المرجح أن تتراجع اضطرابات سلاسل التوريد هذا العام 2023  والعام المقبل 2024 ، خاصة بعد حل مشكلة ازدحام الموانئ في الولايات المتحدة والصين، وانخفاض تكاليف الشحن إلى مستويات ما قبل الوباء"

ويضيف "ما يمكن الجزم به الآن، هو أن الولايات المتحدة ربما لم تعد في مقدمة صفوف المدافعين عن التجارة الحرة على الأقل في التطبيق العملي، لكنها ستظل مدافعا عن تعاون أكبر لبناء نظام تجاري أكثر شمولا واستدامة ومرونة لدفع النمو الاقتصادي ولتفادي الركود".

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 12 ساعةانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات