تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
15 مايو 2024 12:08 م
-
الأوضاع المضطربة لقطاع الشحن البحري انعكاس للشكل الاقتصادي العالمي في 2023

الأوضاع المضطربة لقطاع الشحن البحري انعكاس للشكل الاقتصادي العالمي في 2023

اعداد ـ فاطيمة طيبي

ارتفاع أسعار ناقلات النفط خاصة العملاقة يسير في الاتجاه المعاكس بشكل  يتناقض مع تراجع أسواق الشحن الأخرى، إذ انخفضت أسعار شحن الحاويات  نهاية 2023 بشكل دفع البعض إلى التحذير من المسار المقبل للاقتصاد العالمي، خاصة بعد أن خفضت شركات الشحن ما يصل إلى ثلث الرحلات عبر المحيط الهادئ بسبب تباطؤ الطلب على السلع .

ـ ضعف الطلب يعني الغاء الوظائف :

تظهر مشكلات   قطاع الشحن البحري في الوقت الحالي   بلجوء أكبر شركات الشحن في العالم كـ "شركة ميرسك الدنماركية"  التي تهيمن بمفردها على سدس تجارة الحاويات الدولية الى إلغاء عشرة آلاف وظيفة والسبب في ذلك  تراجع واضح في الطلب والأسعار، ما جعل الشركة تقرر إلغاء 3500 وظيفة، بعد أن ألغت 6500 وظيفة في وقت سابق من السنة الماضية 2022 كجزء من تدابير ترشيدية  لاحتواء التكاليف المرتفعة ، جاء ذلك بعد تراجع  أرباحها والتي  وصلت الى  92 % في نتائجها الفصلية الأخيرة .

ـ  المنافسة السعرية لشركات الشحن في ظل قلق الجميع في المستقبل :

تقول الدكتورة إديسون لي، أستاذة التجارة الدولية في جامعة لندن ان "الأوضاع السلبية الراهنة التي يمر بها قطاع الشحن البحري انعكاس واضح لأوضاع   الاقتصاد العالمي الحالي ، فبعد تراجع وباء كوفيد حدث انتعاش في الإنفاق العالمي، وارتفعت معدلات التجارة الدولية بما يتضمنه ذلك من زيادة الطلب على ناقلات الشحن".

الا ان تنامي الطلب العالمي وعدم قدرة العرض على مواكبته، أسفر عن ارتفاع الأسعار واجتاح الاقتصاد الدولي موجة عنيفة من التضخم، ولم تجد البنوك المركزية من وسيلة لكبحه غير رفع أسعار الفائدة، ما أدى إلى انخفاض الإنفاق العالمي على السلع، ومن ثم تراجع الطلب على الشحن البحري".

وبالنسبة لاستغناء شركة ميرسك عن عشرة آلاف وظيفة يعني أن قواتها العاملة ستتراجع عن 100 ألف عامل، وستكون قادرة على توفير 600 مليون جنيه استرليني في 2024، مع هذا تتخوف الشركة، بل وقادة قطاع الشحن البحري من المستقبل في ظل تزايد الآراء بأن الاقتصاد الدولي يفقد قوة الدفع الخاصة به، فالطلب على النقل البحري تحديدا يكون قويا في فترات الازدهار الاقتصادي، والعكس صحيح تماما.

وأحد المخاوف الحالية بين العاملين في هذا القطاع تعود إلى تقديراتهم  الى

 1 ـ    الوضع الراهن سيزداد سوء  بسبب الطاقة الفائضة في الصناعة .

 2  ـ  وجود أعداد كبيرة من ناقلات الحاويات دون حاجة إليها، فقد أدت سنوات ازدهار الشحن البحري إلى زيادة كبيرة في طلبات سفن الحاويات .

 وكان من المتوقع سابقا  أن يتم تغيير جزء كبير من أسطول الشحن العالمي بين عامي 2023ـ 2025 بتسليم أكثر من 700 سفينة في الفترة من 2023 إلى 2024 وأكثر من 150 سفينة في عام 2025، كما أن الضغوط الدولية التي تمارس على شركات الشحن بتغيير أساطيلها إلى أساطيل جديدة تعتمد على محركات أكثر حداثة دفعها إلى طلب سفن جديدة .

بدوره، قال ديكنز جورج، المدير التنفيذي لشركة ليجنتيا البريطانية للشحن البحري، إن "تباطؤ الاقتصاد العالمي ومخاطر الضغوط المالية وقائمة طويلة من التوترات الجيو سياسية والعلاقات المتوترة بين الصين والولايات المتحدة، والحرب في أوكرانيا وأخيرا في الشرق الأوسط، أدت إلى انخفاض تكلفة الحاوية الواحدة من 18 ألف دولار في 2022  إلى ألفي دولار تقريبا في 2023 كما انه

هناك بعض من الأمل في أن تنتعش بشكل معتدل في النصف الثاني من العام 2024 بنمو 3% .

مع هذا يرى بعض الخبراء أن الانخفاض الحالي في أسعار الشحن الدولي ليس أكثر من عملية تصحيح للأوضاع في الأسواق. من ناحيته، ذكر أوليكسي لومان، المحلل المالي المعتمد في مجال التأمين البحري، أن  مستوى الربحية الإجمالية للحاويات بلغ ذروة استثنائية في 2022 بنسبة 50 % وذلك على غرار عامي 2021 و2020، وهذا الوضع لا يمكن له أن يستمر بالطبعة الحال ".

وأشار إلى أن متوسط نطاقات الأرباح قبل الفوائد والضرائب والإهلاك على المدى الطويل كان 1 % مع عدة أعوام سلبية في العقد الماضي، وعلينا أن نأخذ في الحسبان أن أسطول الشحن البحري العالمي بات كبيرا للغاية، ومع تراجع العولمة، فإنه يصعب الاحتفاظ بهذا الأسطول".

لكن ما يعده البعض عملية تصحيح للأوضاع في السوق، ينظر آخرون إليه باعتباره مؤشرا على عدم اليقين الاقتصادي السائد حاليا، وفي مثل تلك الأوضاع لن يكون أمام أصحاب الناقلات غير إلغاء الإبحار أو تخريد السفن أو وضعها في عمليات صيانة طويلة الأمد، فانهيار الطلب على ناقلات الحاويات مع بقاء حجم أسطول الشحن العالمي دون تغيير، بل وزيادة أعداد الناقلات الجديدة التي ستضاف إلى الأسطول، نظرا لأنه تم الاتفاق على تصنيعها في أوقات سابقة وحان الآن موعد تسليمها، قد يدفع بالسوق إلى حرب أسعار خاصة بين الشركات الكبرى، ما يعني أن القطاع سيواجه مستويات كبيرة من التراجع.

ـ اندلاع حرب أسعار في قطاع الشحن البحري:

وفي الواقع، فإن مجرد تفكير كبار المسؤولين التنفيذين في شركات الشحن البحري الرئيسة بإمكانية اندلاع حرب أسعار في هذا القطاع الاستراتيجي ترفع من حدة المخاوف المستقبلية لديهم، إذ تباطأت حركة المرور من موانئ الصين بشكل كبير، وأصحاب البواخر الذين اعتادوا على تحقيق أرباح ضخمة في السابق من عمليات الشحن عبر المحيط الهادئ من آسيا يتعرضون الآن للخسارة، وشركة ميرسك للشحن البحري أوقفت ما يصل إلى ثلث الطاقة المقررة من آسيا إلى الولايات المتحدة و20 % من آسيا إلى أوروبا، وحاليا 7 % من سعة السفن العالمية معطلة وغير مستخدمة.

كما أوضح  فنسنت دين رئيس قسم الخدمات الدولية في شركة انترسبت للشحن البحري، أن "السفن الخاملة أو المتوقفة تعد ممارسة تتبناها الصناعة في أوقات التوتر مثل الأزمة المالية لعام 2008، وفي عام 2016 بدأت موجة من عمليات الدمج وانخفاض الأسعار التي يقدمها أكبر عشرة لاعبين عالميين في الصناعة بمقدار النصف". كما انه إذا لم يرتفع الإنفاق الاستهلاكي العالمي، فإن أسعار الشحن البحري ستخفض إلى ما دون مستويات التعادل بين التكلفة والإيرادات، وتبدأ سلسلة جديدة من حروب الأسعار بين الشركات التي أدت في الماضي إلى خسائر لأعوام متعددة".

ايضا ما يجب فهمه أن معدلات الربحية المرتفعة التي سادت خلال وباء كورونا وبعد تراجع الوباء، لا علاقة لها بالمهارات أو المناورات التجارية لرؤساء مجالس إدارات شركات الشحن الكبرى، أو بالتحالفات التي جرت بين الشركات مثل تحالف شركة ميرسك و إم إس سي، بل الأمر كله مرجعه عدم توفر ما يكفي من سفن للنقل البحري قادرة على تلبية الطلب العالمي، لكن الآن الوضع مختلف والعرض أكبر من الطلب ومن ثم ستنخفض الأسعار".

وفي ظل تلك الأجواء، يعتقد بعض الخبراء أن حرب الأسعار واقعة لا محالة وعمليات الدمج التي حدثت في الماضي مستبعدة حاليا، بل إن المؤشرات الراهنة تشير إلى تفكك عديد من التحالفات الكبرى في الصناعة بما يقرب الصناعة خطوة نحن حرب أسعار، حتى إن تغير المسار الراهن وعادت عمليات الدمج مجددا، فلن تكون قادرة على الحد من عنفوان حرب الأسعار المقبلة وفي أفضل الأحوال قد تجعل مدتها أقصر، ما كانت عليه في الماضي، لهذا يظل السؤال قائما إلى أي مدى ستنخفض الأسعار؟ .

حتى الآن لا يزال أغلب العاملين في الصناعة يعتقدون أن الأسعار لم تصل بعد إلى القاع رغم دخولها منطقة مؤلمة بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة أو الشركات التي تعمل على نطاق إقليمي محدود، ولكن إمكانية تعرض أسعار الشحن البحري لمزيد من الانخفاض لا يزال واقعا ممكن حدوثه مستقبلا، خاصة مع ملامسة عديد من السفن الجديدة المياه المضطربة لصناعة الشحن البحري.

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 8 ساعاتنحو التكافؤ في السلطة.. دورالمرأة على طاولة نقاشات دافوس 202521 يناير 2025 11:30 صالمالية: نسعى لرفع كفاءة إدارة المالية العامة للتوسع في الإنفاق على الصحة والتعليم20 يناير 2025 2:04 موعود ترامب.. خطة حاسمة لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي19 يناير 2025 4:01 ممنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تختار مصر لإطلاق النسخة العربية من إرشاداتها للسلوك المسئول للشركات15 يناير 2025 2:37 مشرق أوسط جديد يحمل بصمات لارث ثقيل من إدارة الرئيس جو بايدن14 يناير 2025 3:31 مخالد عبد الغفار يوجه بتأسيس لجنة استشارية عليا للتنمية البشرية12 يناير 2025 12:37 متمكين المرأة اقتصاديا من خلال توفير الخدمات المالية وغير المالية للمشروعات وبرامج التدريب8 يناير 2025 3:06 ممصر: سيناريوهات استيراد الغاز المسال في الربع الأول من 20256 يناير 2025 12:40 معودة أعمال تنمية حقل غاز"ظهر" يناير 2025 مع طرح مناطق للتعدين5 يناير 2025 2:56 مارتفاع أسعار الخامات والأدوات والأجور.. أبرز تحديات صناعة الأثاث

التعليقات