أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
19 نوفمبر 2024 1:13 م
-
مع فوز ترمب موجة أخرى من التقلبات العنيفة والفجائية في السياسة الخارجية الأميركية

مع فوز ترمب موجة أخرى من التقلبات العنيفة والفجائية في السياسة الخارجية الأميركية

اعداد ـ فاطيمة طيبي

إن نهج  دونالد ترامب القائم على (السلام عبر القوة) هو ما تحتاج إليه البلاد في هذه اللحظة الحرجة .. هذا ما قاله  مستشارو ترمب غير ان فوزه في الانتخابات الرئاسية الاخيرة  يمثل موجة أخرى من التقلبات العنيفة والفجائية في السياسة الخارجية الأميركية، فمن المنتظر أن يعيد الرئيس المنتخب السمات الرئيسة التي ميزت ولايته الأولى: حرب تجارية مع الصين، وتشكك عميق، بل عداء، نحو التعددية، وولع بالرجال الأقوياء، وأسلوب خارج على الأعراف والمعايير الدبلوماسية، والاعتماد على تغريدات ارتجالية على "تويتر".

ولكن ولايته الثانية هذه، تأتي وسط تحديات جديدة، أبرزها الحربين اللتين تشارك فيهما الولايات المتحدة مشاركة عميقة في كل من الشرق الأوسط وأوكرانيا. وقد وعد ترمب بإنهاء الحرب في أوكرانيا قبل أن يتولى منصبه، ولكنه لم يقدم بعد أي خطة تفصيلية، كما أن خططه لإحلال السلام في الشرق الأوسط غامضة بالقدر نفسه.

ومع أن خطط ترمب قد لا تكون واضحة، فقد تفحصت "فورين بوليسي" سجل أفعاله السابقة وكذلك تصريحاته العلنية وتصريحات مستشاريه، كي تتنبأ بمنحى السياسة الخارجية الأميركية وكيف ستكون في المستقبل  وكما أظهرت فترة ولاية ترمب الأولى، فإن أهواءه الشخصية غالبا ما تتناقض مع أجندة مستشاريه، أما هذه المرة، فقد تكون قبضته على عجلة القيادة أكثر إحكاما كرئيس للمرة الثانية، من المرجح أن تكون دائرة مستشاريه أكثر ولاءا .

وماذا عن ولاية ترمب الثانية في ...

ـ  تصاعد التوترات في الشرق الأوسط :

ما لم تحل النزاعات الإسرائيلية مع "حماس" في غزة و"حزب الله"  في لبنان بالكامل قبل تنصيب ترمب ـ وهو أمر مستبعد ـ  فسيظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط من القضايا الأكثر إلحاحا على أجندة السياسة الخارجية. تحدث الرئيس المنتخب عن ضرورة إنهاء الحرب في غزة، وصرح في أغسطس 2024  بأنه قال لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "احصل على انتصارك لأن القتل يجب أن يتوقف".

ولا يزال من غير الواضح الدور الذي ستلعبه الإدارة القادمة في السعي لإنهاء هذه الحرب. وقد انتقد ترمب دعوة فريق بايدن لوقف إطلاق النار، واصفا إياها بأنها محاولة "لتقييد يد إسرائيل"، مشيرا إلى أن وقف إطلاق النار لن يؤدي إلا إلى إعطاء "حماس" الوقت لإعادة تنظيم صفوفها.

خلال ولايته الأولى، دعم ترمب حل الدولتين كسبيل لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مع إظهار تفضيل واضح لإسرائيل. فقد منحها سلسلة من المكاسب الدبلوماسية التي طالما سعت إليها، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وكذلك عكس سياسات أميركية دامت لعقود باعترافه بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان، وإعلانه أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولي.

وقد صرح ترمب في وقت سابق بأنه: "حارب من أجل إسرائيل كما لم يفعل أي رئيس من قبل" ويعتبر دوره في التوسط في اتفاقات أبراهام، وهي سلسلة من الاتفاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، من أهم إنجازاته في السياسة الخارجية؛ وقد واصلت إدارة بايدن جهودها في تلك الاتفاقات.

بينما كانت علاقة نتنياهو وترمب دافئة خلال فترة ولايته الأولى، توترت بعد أن قام الزعيم الإسرائيلي بتهنئة بايدن على فوزه في انتخابات 2020 بعد يوم واحد من إعلان النتائج، مما أثار غضب ترمب. وفي الأشهر الأخيرة، أصبح ترمب أكثر انتقادا لإسرائيل، محذرا في أبريل  من أن الدولة "تخسر حرب العلاقات العامة" في غزة .

ـ اتخذت إدارة ترمب الأولى موقفا متشددا تجاه إيران، حيث انسحبت من الاتفاق النووي واتبعت سياسة "الضغط الأقصى" على النظام، كما نفذت عملية اغتيال قاسم سليماني عام 2020 :

يعود ترمب إلى البيت الأبيض في فترة يشهد فيها الشرق الأوسط تصاعدا في الاشتباكات بين إسرائيل، ووكلاء إيران في لبنان واليمن ومناطق أخرى. وقد شهد هذا العام أول تبادل مباشر لإطلاق النار بين إسرائيل وإيران. وبينما سعت إدارة بايدن إلى تهدئة التوترات، داعية إسرائيل إلى تجنب استهداف المنشآت النووية، ومنشآت الطاقة الإيرانية في موجة الضربات الانتقامية الأخيرة، يبدو أن ترمب سيكون أقل حذرا، إذ قال في أكتوبر: "إنه على إسرائيل أن تضرب المنشآت النووية أولا وتهتم بالباقي لاحقا".

اتخذت إدارة ترمب الأولى موقفا متشددا تجاه إيران، حيث انسحبت من الاتفاق النووي واتبعت سياسة "الضغط الأقصى" على النظام، كما نفذت عملية اغتيال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في غارة جوية في يناير  2020.

وفي تصريح له للصحافيين في سبتمبر ، قال ترمب إنه منفتح على عقد صفقة جديدة مع إيران لمنعها من تطوير سلاح نووي. وأضاف: "علينا عقد صفقة لأن العواقب لا تحتمل. علينا عقد صفقة". دون أن يقدم تفاصيل إضافية حول شكل هذه المفاوضات.

ورغم سعي ترمب إلى إنهاء التدخل العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان، فإنه لم يكن معارضا تماما لاستخدام القوة العسكرية لتحقيق أهداف واضحة، وفقا لما ذكره روبرت جرينواي، الذي شغل منصب مدير مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط في عهد ترمب. وقد يشمل ذلك منع إيران من الانضمام إلى القائمة القصيرة للدول التي تمتلك أسلحة نووية. وقال جرينواي: "قد يكون الخيار العسكري هو الخيار الوحيد القابل للتطبيق لمنع إيران من تطوير سلاح نووي".

كما أضافت أجهزة الاستخبارات الأميركية بعدا جديدا، إذ حذرت من أن إيران خططت لاغتيال ترمب، وربما تواصل مساعيها في هذا الصدد بعد يوم الانتخابات. وعلق جرينواي قائلا: "الأمر أصبح شخصيا الآن. لن أستبعد ذلك".

ـ أفريقيا والتنافس الاكبر مع الصين  :

زاد وضع ترمب لسياسة الولايات المتحدة تجاه أفريقيا ضمن إطار التنافس الأكبر مع الصين، في استياء القادة الأفارقة الذين ضاقوا ذرعا بمعاملتهم كمجرد فكرة ثانوية في السياسة الأميركية.

لم تنل السياسة الأميركية تجاه أفريقيا اهتماما يذكر خلال الحملة الانتخابية لهذا العام؛ فلم يقدم كل من ترمب أو المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تفاصيل تذكر حول خططهما المستقبلية تجاه القارة. ولكن ولاية ترمب الأولى تقدم بعض المؤشرات على الشكل المحتمل لنهجه المقبل .

تركزت مبادرة ترمب المميزة في القارة، والمعروفة باسم "ازدهار أفريقيا"، على تعزيز التجارة وتعميق العلاقات التجارية للشركات الأميركية في القارة ،  ومع ذلك، اتسم حديثه عن السياسة الأميركية تجاه أفريقيا في كثير من الأحيان بنبرة ازدرائية، بل وحتى عنصرية، حيث وصل به الأمر إلى وصف بعض الدول بأنها "دول قذرة" رغم أنه لم يزر القارة ولو لمرة واحدة.

وما زاد من تعقيد الأمور، هو وضع ترمب لسياسة الولايات المتحدة تجاه أفريقيا ضمن إطار التنافس الأكبر مع الصين، مما أثار استياء القادة الأفارقة الذين ضاقوا ذرعا بمعاملتهم كمجرد فكرة ثانوية في السياسة الأميركية أو بيادق في لعبة الجغرافيا السياسية.

ووفقا لكاميرون هدسون، زميل بارز في "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" (CSIS)، فإن ترمب"أطر مصالح أميركا في أفريقيا كجزء من المنافسة مع الصين، وبدرجة أقل مع روسيا. وقد تعلمت إدارة بايدن عدم تأطير مصالحها بهذه الطريقة، مدركة أن ذلك لا يخدم العلاقات مع الحكومات الأفريقية ".

وقد ورد ذكر انخراط الولايات المتحدة في أفريقيا ضمن "مشروع 2025"- الكتاب الذي يتضمن 900 صفحة من السياسات المحافظة، والصادر عن مؤسسة "هيريتيج" والمرتبط بفريق ترمب - على الرغم من محاولة الأخير النأي بنفسه عنه في حملته الانتخابية. ومع ذلك، فإن الكثير من المصالح المتعلقة بالسياسة الخارجية التي أبرزها الكتاب - بما في ذلك النمو السكاني المتزايد في أفريقيا، ووفرة المعادن الحيوية، والقرب من طرق الشحن الرئيسة، إلى جانب مكافحة الإرهاب هناك - تتلاقى مع أولويات إدارة بايدن، وفقا لتقرير صادر عن "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية" أشار إليه هدسون. كما شدد المشروع على أهمية التصدي "للنشاط الصيني الخبيث في القارة" عبر تفعيل الدبلوماسية العامة.

ويظل التساؤل الأساسي بحسب هدسون قدرة ترمب على ضبط نفسه، ومقاومة الإدلاء بذات التصريحات المهينة التي أدلى بها خلال فترة ولايته السابقة حول أفريقيا، والتي أدت سابقا إلى توتر العلاقات وعطلت الجهود الدبلوماسية. وقال هدسون: "هل سيتمكن من تجنب التصريحات المسيئة التي عرف بها؟ ذلك أمر لا يمكن التنبؤ به" .

3 ـ  سياسة الهجرة :

تميزت فترة ترمب الأولى بسياسة هجرة صارمة تضمنت إجراءاته المثيرة للجدل، مثل فصل العائلات، وحظر السفر على دول ذات أغلبية مسلمة. ووعد ترمب، في حال فوزه بولاية ثانية، بإجراء إصلاح جذري لسياسة الهجرة الأميركية، يتضمن "أكبر حملة ترحيل في تاريخ أميركا".

وقد وضع مستشارو الرئيس المنتخب خطة تقوم من خلالها "وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك" بتنفيذ حملة مداهمات واعتقالات واسعة النطاق، في أماكن العمل لترحيل ملايين المهاجرين غير المسجلين سنويا. ووفقا لستيفن ميلر، قيصر الهجرة السابق، والمستشار الحالي لترمب، فإن إدارة ترمب تخطط لإنشاء "مرافق احتجاز ضخمة" ربما في تكساس، بالقرب من الحدود الجنوبية، لاستيعاب العدد المتوقع من المحتجزين بانتظار الترحيل.

كما يتصور ترمب وقف "برنامج اللاجئين الأميركي" وإعادة فرض بعض السياسات الأكثر إثارة للجدل من فترته الرئاسية الأولى، مثل تطبيق نسخة جديدة من حظر السفر على المسلمين .

ـ عمليات الترحيل الجماعي التي اقترحها ترمب، والتي تستهدف قوة عاملة رئيسة يصعب استبدالها، من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع التضخم، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي..

ومن المتوقع أن تتكلف هذه الخطة مليارات الدولارات؛ وقدر "مجلس الهجرة الأميركي"- مجموعة مناصرة غير ربحية ـ قدر الكلفة بحوالي 88 مليار دولار سنويا على مدى أكثر من عقد من الزمن. وبعيدا عن التكاليف الأولية، والخسائر البشرية الهائلة لمثل هذه السياسة، فقد حذر خبراء اقتصاديون من أن تنفيذ عمليات ترحيل واسعة النطاق على النحو الذي اقترحه ترمب من شأنه أن يلحق ضررا بالاقتصاد الأميركي.

ووفقا لتحليل أجراه معهد "بيترسون للاقتصاد الدولي"، فإن عمليات الترحيل الجماعي التي اقترحها ترمب، والتي تستهدف قوة عاملة رئيسة يصعب استبدالها، من شأنها أن تؤدي إلى 

ـ ارتفاع التضخم .

ـ انخفاض الناتج المحلي الإجمالي .

ـ  تقليص فرص العمل .

ـ  الضرر الأكبر سيكون من نصيب قطاع الزراعة.

وذكر أرييل رويز سوتو، الخبير في "معهد سياسة الهجرة"، أن الإصلاح الذي اقترحه ترمب لن يكون سهل التنفيذ، وأنه سيواجه تحديات سياسية وقانونية ولوجستية كبيرة، قائلا: "إنه على المستوى المحلي، سيكون من الصعب للغاية على إدارة ترمب الحصول على دعم كاف من الكونجرس لإجراء عمليات ترحيل جماعية. أما من الناحية اللوجستية، فسيكون من الصعب التعرف على هوية اللاجئين، واحتجازهم لفترات طويلة دون انتهاك القانون الأميركي الحالي، ومن ثم إعادتهم إلى بلاد ربما لم يزوروها منذ وقت طويل".

  ـ التكنولوجيا  والسياسة العالمية  :

نظرا لأهمية التكنولوجيا في السياسة العالمية اليوم، فإن نهج ترمب تجاه هذه الصناعة على الصعيد المحلي وصعيد الأمن القومي ستكون له تداعيات عالمية. فعلى الصعيد المحلي، لا تزال سياساته تجاه التكنولوجيا غير واضحة، فرغم دعم شخصيات بارزة في وادي السليكون مثل إيلون ماسك لحملته، أبدى جيه دي فانس تأييده لرئيسة لجنة التجارة الفيدرالية لينا خان المعروفة بموقفها الصارم تجاه شركات التكنولوجيا الكبرى.

أما من ناحية الأمن القومي، فقد تظهر سياسات الرئيس السابق دونالد ترمب استمرارية أكبر مما هو متوقع. فعلى سبيل المثال، جاءت قيود بايدن على تصدير أشباه الموصلات بعد حملة ترمب الصارمة على شركة "هواوي" وقد أعاد بايدن النظر في قرار حظر تطبيق "تيك توك" الصادر عن ترمب بضغط من الكونجرس. ومع ذلك، فإن مستقبل التطبيق المملوك من الصين في الولايات المتحدة لا يزال غير واضح، لأن موضوعه قد يبقى قيد النظر في المحاكم لعدة أشهر. وكان موقف ترمب من هذا الأمر خلال حملته الانتخابية يتسم بدرجة غير مسبوقة من الغموض.

ومن المتوقع أن يواصل ترمب  في سعيه للحد من صعود الصين وإعادة تصنيع التكنولوجيا للولايات المتحدة  السياسات التي بدأها سابقا والتي عززها بايدن .

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 8 ساعاتانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات