أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
24 ديسمبر 2024 2:57 م
-
افاق تحديات الصين الاقتصادية المستقبلية على ضوء استعدادها للرسوم الجمركية الامريكية

افاق تحديات الصين الاقتصادية المستقبلية على ضوء استعدادها للرسوم الجمركية الامريكية

 

اعداد ـ فاطيمة طيبي

الأشخاص والشركات في الصين، بل في مجتمعات الأعمال حول العالم، قد تبنوا بشغف وعود بكين بصياغة سياسات سوف تستعيد الزخم الاقتصادي للبلاد. غير أنه غالبا عقب تلك الوعود تكون هناك خيبة أمل. هذه وجهة نظر الباحث المتعاون مع مركز دراسات رأس المال البشري في جامعة بوفالو الأميركية المتخصصة في الأنشطة البحثية .

بدأ  الأمر يبدو وكأن القيادة الصينية لا تعرف ببساطة ماذا تفعل. وهذا الاستنتاج معقول تماما لأن الاضطرابات الاقتصادية والمالية التي تواجهها الصين نجمت بشكل كبير عن سياسات غير مدروسة تعود إلى ما قبل جائحة كوفيد ـ 19.

وقال إزراتي، الباحث المتعاون مع مركز دراسات رأس المال البشري في جامعة بوفالو الأميركية المتخصصة في الأنشطة البحثية وفي تقرير نشرته مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية، إن وسائل الإعلام الغربية أشادت باقتصاد الصين. ومنذ وقت ليس ببعيد، كان من الشائع قراءة أن اقتصاد الصين سوف يتفوق قريبا على اقتصاد الولايات المتحدة، وفقا لوكالة الأنباء الألمانية . وأضاف إزراتي أن التعليقات أشادت غالبا بفعالية وبعد نظر وتنبؤ بالتخطيط الصيني من أعلى إلى أسفل، وأشارت بعض التعليقات إلى أنه ربما يكون متفوقا على فوضى الممارسة الديمقراطية والأساليب القائمة على أساس السوق.

لطالما كانت الإشادة بقدرة التخطيط المركزي الصيني على التنبؤ في غير محلها. ونظرا لأن الصين الحديثة بدأت كاقتصاد نام ومزقته الحرب بشدة، كان أمام مخططي الاقتصاد فسحة من الوقت لتحديد المجالات التي يجب على البلاد أن تؤكد عليها .

وكان كل ما احتاجوا إليه  النظر إلى العالم المتقدم، واستطاعوا أن يروا أن شق طرق جديدة وربط السكك الحديدية وتشييد مرافق الموانئ والإسكان ومحطات الطاقة وما شابه ذلك سوف يحقق أرباحا نمو هائلة، وقد حققت ذلك. وخرج المواطنون من مستنقع الفقر المدقع وأصبحوا أكثر ثراء.

ـ تحولات الاقتصاد الصيني والتحديات المستقبلية :

وفي الوقت الذي تقدمت فيه الصين والتحقت بالاقتصاديات الأكثر تقدما، أصبحت احتياجاتها المستقبلية أقل وضوحا. وفقد المخططون الصينيون المركزيون نموذجهم وبدأوا على نحو متزايد يقعون في أخطاء. وأصبحت الحقيقة الجديدة للحياة الاقتصادية (بالنسبة للصين) واضحة في العقد الأول للقرن الحادي والعشرين.

وفي ذلك الوقت، كانت السلطات تشجع البناء السكني لبعض الوقت. غير أنه في الوقت الذي تحولت فيه الصين من اقتصاد يفتقر إلى الإسكان إلى اقتصاد يتمتع بوفرة في الإسكان، ارتكب المخططون خطأ الإبقاء على هذه السياسات سارية. وارتفع التطوير العقاري إلى نسبة لا يمكن تحملها بلغت 30% من اقتصاد الصين .

ـ أخطاء السياسة الاقتصادية في قطاع الإسكان والتداعيات المترتبة :

وتابع إزراتي أنه عندما تنبهت بكين أخيرا للمشكلة، ارتكبت خطأ ثانيا. ففي الفترة 2019ـ 2020، رفعت بكين فجأة كل الدعم السابق لقطاع الإسكان. وكان القرار معقولا، ولكن الإجراء المفاجئ تسبب في مشاكل، وباغت كلا من المطورين والحكومات المحلية، حيث لم يترك لهم أي وقت لتوفيق أوضاعهم .

وفي عام 2021، بدأ المطورون في الفشل، وبدأت الحكومات المحلية في الإبلاغ عن صعوبات في الوفاء بالتزاماتها المالية، وفي بعض الحالات، حتى في توفير الخدمات العامة الأساسية. وفي ذلك العام، بدأت الأمور في القطاع المالي الصيني تشبه تلك التي في الولايات المتحدة خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008.

ـ استمرار الأخطاء وعدم التحرك السريع لتصحيحها :

بدلا من التحرك بقوة لوقف انتشار الفشل المالي، ارتكبت السلطات في بكين خطأ آخر، حيث لم تتخذ أي إجراء كما لو لم يكن هناك أي خطأ. وفي وقت قصير، فقد الاقتصاد الدعم لنشاط التشييد والمستهلك الصيني. وفي الوقت الذي تباطأ فيه الاقتصاد، أعاد قطاع الأعمال الخاص في الصين التفكير في توسعه وخطط التوظيف، وعلى الرغم من ذلك، لم تتحرك السلطات.

وفي خطأ متزامن، فاقمت السلطات كل هذا الضغط. وعندما كانت بقية دول العالم تعيد فتح حدودها بعد جائحة كوفيد 19، فرضت بكين سياسة صفر كوفيد. وأحدثت عمليات الإغلاق والحجر الصحي المرتبطة بها اضطرابا في دخول العمال وبالتالي أعطت المستهلكين سببا آخر للحد من الإنفاق .

ـ خيبة امل  وسط عجز مع الضغوط الاقتصادية العالمية :

وفي عام 2023 فقط، تنبهت بكين للحاجة لعمل شيء ما لعلاج هذه الأمور. وبعد الانتظار لفترة طويلة، أبدى المخططون، في خطأ آخر، استحياء ملحوظًا في الإجراءات التخفيفية العديدة التي عرضوها. وزاد المخططون من أخطائهم حيث قرروا تعويض أوجه النقص في البناء والاستهلاك والإنفاق الاستثماري الخاص من خلال استخدام شركات تملكها الدولة لتوسيع القدرات الإنتاجية فيما كانوا يعتقدون أنها صناعات المستقبل، وهي على سبيل المثال السيارات الكهربائية والبطاريات والذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات وما شابه ذلك.

ومع ضعف الإنفاق المحلي، لم تجعل هذه القدرة الفائضة الجديدة الصين إلا أكثر اعتمادا على الصادرات من أي وقت مضى. وكان ذلك بالكاد حلا لأنه كانت هناك بالفعل ندرة في المشتريين في الخارج. وكانت الشركات الأميركية والأوروبية واليابانية تنوع بالفعل مصادرها بعيدا عن الصين وتواصل عمل ذلك.

ـ   تأثير السياسات الأميركية في علاقة الصين مع الغرب  :

وأصبحت واشنطن وبروكسل وطوكيو أيضا معادية على نحو متزايد للتجارة الصينية، حيث رفعت الرسوم، ووضعت قيودا أخرى على المبيعات إلى الصين. وحتى هذا العداء في العالم المتقدم هو جزئيا على الأقل نتيجة أخطاء أخرى ارتكبتها القيادة في الصين .

وعندما ظهرت أولا هذه المواقف المعادية للصين في الغرب مع الرسوم التي فرضها الرئيس دونالد ترامب خلال ولايته في عامي 2018 و2019، كان واضحا أنه كان بإمكان بكين أن تتخذ موقفا لينا تجاه واشنطن من خلال الاعتدال في السياسات التي اشتكى منها الأميركيون، وهي أموال دعم الصناعات المحلية وسياسات شراء المنتج المحلي وسرقة براءات الاختراع وإصرار بكين على أنه كان يتعين على أي شركة أجنبية تعمل في الصين أن يكون لها شريك صيني يتعين عليها أن تشاركه أسرارها التكنولوجية والتجارية.

ـ الاقتصاد الصيني وتحديات الرسوم الجديدة :

غير أن القيادة في الصين رفضت تقديم أي تنازلات، ولذا ظلت الرسوم الأصلية التي فرضها ترامب سارية، وبنت عليها إدارة الرئيس جو بايدن، بما في ذلك رسوم بنسبة 100% على السيارات الكهربائية والبطاريات الصينية.

وحذت بروكسل وطوكيو حذو أميركا ولكن بطريقة أكثر اعتدالا. والآن، وبسبب هذه السلسلة من الأخطاء السياسية، تجد الصين نفسها في وضع اقتصادي ضعيف بصفة عامة وفي وضع ضعيف بصفة خاصة لمواجهة الرسوم الجديدة التي تعهد بها الرئيس المقبل ترامب. ورغم أن الحديث عن انهيار اقتصاد الصين قد أصبح محل الإشادة والحسد على مدار سنوات، فإن هناك شكوكا بأن مثل هذا الانهيار سوف يحدث.

ـ الصين ذات الاقتصاد القوي رغم الاخطاء والمشاكل :

ولدي الصين اقتصاد كبير يمكنه بالتأكيد أن يصمد رغم العدد الكبير من الأخطاء التي تم طرحها هنا. مع ذلك، يبدو أن الانتصارات الصينية التي تحدثت عنها وسائل الإعلام الغربية في السابق، بعيدة للغاية بالفعل عن التحقق. واختتم إزراتي تقريره بالقول إنه يبدو من غير المرجح حتى تحقيق نمو مناسب. وإذا كانت بكين تزعم أن الاقتصاد حقق في عام 2024 نموه الحقيقي المستهدف بنسبة 5%، فإن الإعلان سوف يستحق قراءة بنظرة الشك، حيث أن مثل هذا النمو سوف يستغرق وقتا طويلا للعودة، إذا كان هناك نمو، بالفعل.

ـ  بكين تتخذ خطوات استباقية وتفرض قيودا على صادرات معادن حيوية لقطاع أشباه الموصلات :

لم يتولَ دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة بعد، ولكن تحركاته قبل تسلمه المنصب قد تكون دفعت البلاد بالفعل إلى حرب تجارية جديدة.

فمنذ فوزه في انتخابات 2024 على نائبة الرئيس، كامالا هاريس، أوضح ترامب خططه الاقتصادية التي تشمل فرض رسوم جمركية تتراوح بين 10% و20% على جميع السلع المستوردة، ورسوم تصل إلى 60% على الواردات الصينية.

وتوقع خبراء، من بينهم الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل بول كروجمان، أن تؤدي هذه السياسات إلى تأثيرات سلبية خطيرة على الاقتصاد الأميركي، بحسب ما نقلته "CNBC Pro"  وأشار كروجمان إلى أن حجم الضرر سيعتمد على مدى رد فعل الدول المستهدفة بهذه الرسوم، فيما يبدو أن الصين بدأت بالفعل في اتخاذ خطوات للرد.

ـ الصين تتخذ خطوات استباقية :

أعلنت السلطات الصينية مؤخرا عن فتح تحقيق مع شركة "إنفيديا" للاشتباه في انتهاكها قوانين مكافحة الاحتكار، مما يشير إلى تصاعد التوترات في سوق أشباه الموصلات بين البلدين.كما فرضت الصين قيودا صارمة على صادرات المعادن الحيوية، وهي خطوة تهدد العديد من الصناعات الأميركية، بما في ذلك التكنولوجيا الرقمية والطاقة والدفاع.

وأفادت تقارير لصحيفة "وول ستريت جورنال"، بأن هذه التحركات يمكن أن تعكس نوايا الصين في الرد على سياسات ترامب إذا مضى قدما في فرض الرسوم الجمركية. فعلى سبيل المثال، سبق للصين أن عرقلت صفقة استحواذ شركة "كوالكوم" الأميركية على شركة "NXP Semiconductors"  الهولندية بسبب التدقيق التنظيمي الصارم .

ـ تأثير الحرب التجارية على أسهم التكنولوجيا :

يشير خبراء إلى أن التوترات التجارية قد تعرض شركات التكنولوجيا لمخاطر كبيرة، خاصة تلك التي تعتمد على المعادن الحرجة المستوردة من الصين.

ويؤكد بيني ألثاوس، الرئيس التنفيذي لشركة "Kaz Resourc" أن الصين تسيطر على 70% من سلسلة توريد المعادن الحرجة عالميا و85% من قدرات معالجتها، وهو ما يمنحها ميزة تنافسية كبيرة على الصناعات الأميركية.

كما أشار ألثاوس إلى أن حظر الصين تصدير معادن مثل الجاليوم (98% من الإنتاج العالمي) والجرمانيوم (60% من الإنتاج العالمي) قد يؤدي إلى نقص حاد، خاصة في قطاع أشباه الموصلات.

بينما أوضح ديف ناج، الرئيس التنفيذي لشركة  "QueryPal"، أن الحفاظ على التفوق التكنولوجي يتطلب بناء هياكل تشغيلية مرنة قادرة على التكيف مع التغيرات التنظيمية السريعة.

ـ مستقبل غامض لأسهم التكنولوجيا :

بينما لا تزال التداعيات طويلة الأجل للتحقيق الصيني مع "إنفيديا" غير واضحة، تواجه شركات التكنولوجيا الكبرى تحديات كبيرة في ظل هذه التوترات المتزايدة. وقد تضطر الشركات إلى التحول نحو موردين محليين لتجنب التدقيق الصيني، إلا أن ذلك قد يتسبب في ارتفاع التكاليف وتعطيل سلاسل التوريد.

ومع استمرار تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، يتعين على شركات التكنولوجيا إعادة النظر في نماذج أعمالها التقليدية لضمان استمرارية أعمالها في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية المتسارعة.

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 5 ساعاتانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات