مقال رئيس المركز
كتب فاطيمة طيبى 1 سبتمبر 2025 2:24 م - التعليقات المصفاة.. تغير قواعد اللعبة المصفاة.. تغير قواعد اللعبة بقلم ـ الدكتور خالد الشافعي الذهب او كما يطلق عليه الملاذ الامن .. نرى من الاحتماليات ان سعره سيتراجع بشكل ملحوظ في الفترة القادمة والسبب يعود في الاساس الى حلول قد نقول عنها انها ستغير الموازين ليس في مصر فقط بل اقليميا ودوليا ايضا . الذهب في السنوات الاخيرة كان واحدا من اهم الاصول للدول تتجه اليها كي تحمي نفسها من تقلبات السوق العالمي وحرب العملات او من اي ازمة سياسية او اقتصادية مفاجئة . يسوقنا الحديث لما سبق ذكره الى انه رغم وجود اكبر منجم ذهب بالعالم بمصر وهو منجم السكري وغيره من المناجم العملاقة في افريقيا الا ان الذهب في شكله الخام يعود الينا في صور مختلفة ورغم هذا الانتاج الكبير الا ان افريقيا منجم العالم لا يوجد بها مصفاة واحدة للذهب. كل المعادن تقام في الاساس على مبدا التكرير ومثلها ينطبق على الذهب ايضا يتم تكريره في مصفاة معتمدة في سويسرا ليعود الينا في شكل سبائك هذا ان عاد اصلا . وقد نستورده بضعف سعره الاصلي على انه ذهب مستورد .. والمفاجاة ان الحكومة المصرية وفي 17 من اغسطس 2025 اعلنت عن انشاء اول مصفاة للذهب معتمدة دوليا على ارض مصر وعند استخراجه من مناجمنا او من مناجم الدول المجاورة نستفيد من فارق السعر لكونها مركز اقليمي لاعتماد وتكرير ذهب الاقليم خاصة افريقيا . السؤال المطروح كيف ان لافريقيا التي يقدر انتاجها بربع ذهب العالم لا يوجد بها مصفاة واحدة .. وكيف جاء قرار مصر ان تصبح حلقة وصل ذهبية للعالم كله .. الذي اود ان افيد به ان الذهب فعليا اصبح سلاح القرن 21 .. وقد يحدث مستقبلا ولاول مرة ان غرام الذهب يساوي سعره عالميا .. لكن الذي اود ان اشير اليه هل من امكان المواطن العادي اقتناءه بالسعر العادل ام تبقى هذه اداة لقواعد اللعبة عند الكبار .. الشق الثاني من السؤال والاهم هل فعليا ان وجود هذه المصفاه تجعل من الجنيه المصري مرتبط بالذهب بدل الدولار .ام ان هذه المصفاه مجرد مشروع صناعي او خطة سياسية اقتصادية لقلب موازين القوة بالاقليم . ما اراه ان العالم خصوصا سنة 2020 دخل في موجة من الاضطرابات المالية والجيوسياسية وقد حان الاوان ليسترجع الذهب مكانته ويعود للبنوك المركزية .. اتجاه واضح في ان يكون الذهب كاحتياطي استراتيجي اساسي قبل الدولار ولاذكر هنا وعلى سبيل المثال ان الصين اشترت حوالي 225 طن ذهب سنة 2025 ناهيك عن ان روسيا ومنذ سنوات تزود احتياطها بشكل تدريجي منه والبنك المركزي لديها به اكثر من 2300 طن .. وللذكر ايضا ان تركيا تسير في نفس الاتجاه .واشترت وفي نفس السنة ما يقدربـ 147 طن رغم الضغوط الاقتصادية .و مصر كانت اكبر مشتر للذهب في سنة 2023 . الامر لم يقف عند هذا الحد هناك من دول في اسيا وامريكا الاتنية بدات فعليا تزويد رصيدها من الذهب كوسيلة تحمي بها عملتها وتقلل من الاعتماد على الدولار . الذي اود ان استخلصه من وجود فكرة مصفاة داخل مصر تكشف بالنسبة لي عن رسالة مهمة جدا وهي ان هناك شكلا من التحول داخل مصر من مجرد مودر خام الى منتج نهائي .. هذا معناه بصورة اخرى ان نقطة التحول هذه تجعلنا تنخطى فعليا كوننا من مجرد مستورد الى مؤسس مرحلة جديدة في بناء الاحتياطي من الذهب ، نلجا اليه في دعم الجنيه والمشاركة بصورة مباشرة في سوق السبائك المعتمدة مع تكرار الذهب لدول اخرى من ناحية وتحقيق مكاسب استثمارية من ناحية اخرى . لكن ما قد يتبادر الى ذهن المواطن العادي مستقبل اسعار الذهب الى اين ..؟ اود ان اشير الى ان مشروع مصفاة الذهب من المؤكد انه سيغير فعليا قواعد اللعبة مستقبلا لكن ما مدى امكانية انعكاسه على سعر الذهب في السوق المحلي . المعروف ان اهم المناجم الموجودة بمصر منجم السكري ، كانت بداية دخوله خط الانتاج سنة 2009 في الصحراء الشرقية على بعد 25 كلم من مرسى علم . ومنذ بدايته كان الاساس في انتاج الذهب المصري بما يقدر 450 الف اوقية في السنة والشركة التي كانت تدير المنجم ( ستيفن ماين) كانت تحصل على نسبة من الانتاج لغاية ما استلمتها بعد ذلك " انجلو جولد" الشركة العالمية العملاقة جدا تحتكر المركز الرابع على مستوى العالم في انتاج الذهب بما لها من فروع بمعظم دول العالم المنتجة للذهب . صفقة البيع هذه قدرت بـ 2.5 مليار دولار والتي اعتبرها ليست مجرد عملية استحواذ بل شهادة ثقة دولية في المناخ الاستثماري الجديد في مصر . من ناحية ثانية دخول "انجلوجولد" في مجال التعدين في مصر يثبت حجم التمويل الكبير والخبرات التقنية ما سمح واقعيا من منجم السكري بالدخول في مرحلة جديدة من التطوير الفعلي لتسريع وتيرة الانتاج. اشير ان احتياطي الفعلي لهذا المنجم يقدر بـ 6.2 مليون اوقية وهناك توسيع لهذا الاحتياطي ليصل الى 4.3 مليون اوقية اضافية . واذا وان الخطة نفذت بالشكل المرسوم لها خلال ثماني سنين القادمة ستكون النتيجة اكثر تفاءلا لاكبر اجمالي تم انتاجه خلال 15 سنة الماضية حسب ما ورد عن رئيس الوزراء. من ناحية ثالثة طموحا لم يقف عند هذا التحول ، في يوليو 2020 شركة شلاتين المصرية والتي تعمل تحت اشراف الدولة اعلنت انها اكتشفت احتياطي كبير في منطقة اسمها "ايقاد" في الصحراء الشرقية ايضا .بمعدل استخلاص الذهب 95% ما اعتبره رقما مرتفعا بالفعل من ناحية الكفاءة وميزة الكشف. وهنا تعتبر هذه اول شركة مصرية تقوم بالاستكشاف والتطوير بالكامل مما دفع الدولة بالتفكير في بناء مجتمعات تعدين وصناعات اخرى لها ارتباط بهذا الاكتشاف . الذي اود ان اضيفه ان هناك من الشركات التي دخلت على خط الانتاج هذا، الشركة الكندية "اتون ريسورسز" والتي تعتبر اول شركة اجنبية تاخذ رخصة تنقيب عن الذهب في مصر من ما يقرب من 20 سنة خلت .ومن نتائج التنقيب اتضح وجود كمية عالية ايضا من الفضة . اعود لاستكمل ما سبق سرده عن شركة شلاتين ومشروعها الضخم "مجمع صناعي للذهب والفضة" بتكلفة 700 مليون جنيه استرليني واعتبر هذا ليس فقط كونه منجما بل ايضا كيان متكامل في الاستخراج والتصنيع والصناعات المساعدة . المشروع المستهدف منه، العمل على احتياطي متوقع 15 مليون طن من الصخور الكاملة للذهب بالتخطيط لبداية المرحلة الاولى بالعمل في 2025 والثانية جاهزة للعمل مع مايو 2026 واوضح انه مع الخطة الاولى ان مصر تريد ان تقيم 6 مجمعات تعدين شبه متكاملة في الصحراء الشرقية كلها . اضف ان الهيئة العامة للثروة المعدنية والتي تم تغيير اسمها الى الهيئة الاقتصادية للصناعات التعدينية انه و بهذا التغيير اصبح هناك صلاحيات عالمية اكبر وتستطيع الحفاظ بـ 65% من فوائدها لاجل اعادة استثمارها في توسعات او دعم المستثمرين و اعتبر ان هذه خطوة كانت ضرورية للجهاز الاداري حتى يستطيع ان يواكب الطموحات الجديدة . لذلك لو دققنا النظر على الارقام سنجد ان مصر كانت تنتج 13700 كلغ من الذهب في سنة 2022 والتي تقدر تقريبا بـ 41000 اوقية وفي سنة 2025 هناك 640 الف اوقية ذهب وفضة اضافية يعني ما نسبته 14% . اما الارادات فقد قفزت من حوالي 193 مليون دولار للسنة التي قبلها الى 460 مليون دولار في سنة 21- 25 بزيادة 31%. اود ان اضيف ان واردات مصر في السنة الواحدة اكثر من 70 مليار دولار والذهب المصري ثروة ضخمة وجب استغلالها وهذا ما قامت على فعله مصر خلال السنوات الماضية وجعل منها اليوم تدخل مرحلة جديدة من الاكتشافات وبايطار استثماري مختلف وبخريطة لاعبين دوليين. وباستعداد مؤسسي وتنظيم يسهل الشغل على الارض كل هذا مفاده الانتقال لمرحلة البناء التي تليها وهو بناء مصفاة تبدا تسيطر على سلسلة انتاج الذهب كمادة من الخام الى السبيكة المعتمدة التي تباع في السوق. اعود واقول ان الهدف الاساسي من هذه المصفاه ليس فقط التصنيع المشروع ، ولكن ايضا من اجل تحقيق اربعة اهداف رئيسية ... الاولى.. تفعيل سلسلة القيمة داخل مصر يعني من اول الاستخراج الخام الى المنتج النهائي وبالتالي تذليل الفاقد الذي كان يحدث حين تصدير السبائك الخام . الامرالثاني تقليل الاعتماد على الخارج سواء من ناحية توفير السبائك او بخدمات التكلفة للتكرير مما يوفر لنا العملة الصعبة وثالث الامور والاهم منها على الاطلاق ان مصر تبدا بالعمل كمركز اقليمي لتكرير الذهب ليس فقط على المستوى الداخلي بل لدول اخرى مثل السودان والتي تنتج منه كميات كبيرة بطرق غير رسمية للتهريب والنقطة الرابعة تمكين البنك المركزي ان يبني احتياطي استراتيجي من ذهب مصري مكرر داخليا يحمل ختما دوليا يمكنه الاحتفاظ به او استخدامه لدعم الجنيه في اي وقت او تسوية معاملات دولية . لهذا ارى ان وجود مصفاة معتمدة من "ال بي ام اي " ليست بالامر الرمزي لكن تسمح للذهب المصري بان يباع في البورصة عالميا ويستطيع ان يدخل خزانة اي بنك مركزي بالعالم اضف الى ذلك انه يصبح للدولة ان تحول من خلالها جزء من انتاجها لاحتياطي رسمي على ان يكون ذهبا يخزن بالمخازن غيرالايداع باسعار اقل في الخارج . النقطة المهمة بوجود هذه المصفاة انها تكون مشتري دائم ومضمون داخل مصر ما يعمل على تشجيع للشركات الاجنبية التي تفكر ان تدخل السوق بوجود جهات تكرير جاهزة مما يوفر في تكلفة الانتاج والوقت غير انه ومن ناحية اخرى ان شركات المجوهرات والمصنعين المحليين سيجدون ذهبا نقيا معتمدا بالسعر العالمي مما يزود قدراتهم التنافسية . اما بالنسبة للسوق الداخلي وجود المصفاة سيكون نقطة تحول كبيرة منها ان اي منجم ذهب في مصر ايا كان سيكون له نقاط بيع محلية على ان يتوه في البحث على مستشارين للتصدير وهذا ما يساعد بشكل واضح وكبير على ادماج المناجم الصغيرة للتعدين الحرفي ضمن الاقتصاد الرسمي لقدرتهم على توزيع منتجاتهم بالسوق المحلي المعتمد . بنجاح هذا المشروع ارى فعليا انه ليس فقط ان الصناعة المستفيد الاكبر من هذا، بل ايضا سينقل مركز الثقل الاقليمي في تحرير الذهب ما يجعل له عوائد سواء كعملة صعبة نحصل عليها في شكل خدمات التكرير ام في النفوذ الاقتصادي والسياسي .
|
||||||||||