تحليلات
كتب فاطيمة طيبى 7 يوليو 2019 1:08 م - التعليقات مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني.. 2% تراجع الاقتصاد التركي هذا العام
إعداد ـ فاطيمة طيبي
دخل الاقتصاد التركي في ركود للمرة الأولى منذ عام 2009 إثر تسجيل انكماش لفصلين متتاليين نهاية 2018، وذلك بعد أن شهدت البلاد اضطرابات على مدى أشهر من جراء تدهور سعر صرف الليرة التركية وتوتر العلاقات مع واشنطن بحسب "الألمانية". ومقارنة بالربع الأخير من العام الماضي، سجل الاقتصاد التركي معدل نمو 1.3 %، حسب معهد الإحصاء التركي (توركستات)، في إشارة إلى تحقيق انتعاش طفيف، ما دفع حكومة أنقرة إلى إعلان انتهاء مرحلة الركود، إلا أن خبراء حذروا من أن الانتعاش قد يكون قصير الأمد. فيما يتصاعد قلق المستثمرين الدوليين نتيجة التطورات السياسة والاقتصادية في تركيا، حيث أكد محللون أن الاقتصاد التركي يواجه أزمة حقيقية بسبب فقاعة القطاع العقاري والقروض الخارجية ومع خسارة رجب طيب أردوغان وحزبه للانتخابات البلدية لمدينة إسطنبول، ادى الى تراجع شديد في شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم، التي أرجعها المراقبون إلى اهتزاز الوضع الاقتصادي في البلاد، والانهيار المتواصل في قيمة الليرة التركية. لكن ما إن بدأت الأسواق تسعى للتأقلم مع الأوضاع الجديدة، إلا وفقد البنك المركزي التركي استقلاليته عبر عزل محافظه بقرار رئاسي اضف اليه ان بعضا من بيانات اقتصادية رسمية كشفت مع بداية شهلا يوليو الحالي الى أن الاقتصاد التركي تراجع بنسبة 2.6 % في الربع الأول، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، في استمرار لسلسلة تراجع اقتصاد البلاد. هذا ونجد ان جميع هذه التطورات فتحت الباب على مصراعيه للتساؤل حول الوضع الحقيقي والمستقبلي للاقتصاد التركي. فهل الطفرة الاقتصادية التي شهدتها تركيا في الماضي كانت قائمة على أسس حقيقية ومتينة، أم أنها فقاعة اقتصادية قادها القطاع العقاري، والقروض الخارجية، وأن الوقت حان لإعادة النظر في حقيقة المشهد الاقتصادي ويرى خبراء أن النمو الاقتصادي جاء مدفوعا بالإجراءات التحفيزية التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قبيل الانتخابات المحلية التي أجريت في 31 مارس ، وإن تأثيرها قد يكون مؤقتا.مما دعى الحكومة ببذل جهود لدعم الليرة بعد أن خسرت ما يقارب 30 % من قيمتها العام الماضي، وزادت الإنفاق العام قبيل الانتخابات. الا ان الأسواق تخوفت من تذبذب احتياطي المصرف المركزي التركي من العملات الأجنبية الذي شهد تراجعا غير مبرر خلال حملة الانتخابات المحلية، ما أثار تخوف المستثمرين. ويقول الدكتور هاري أوليفر استشاري سابق في عدد من المنظمات الاقتصادية الدولية، وخبير في الاقتصادات الناشئة، "الاقتصاد التركي في حالة ركود بالفعل، والتدخل الحكومي في الآليات الاقتصادية، عبر تهميش العمل بقوى السوق بات شديد الإفراط، بطريقة تعرقل عمل قوى السوق ذاته، والعجز في الحساب الجاري كبير ومتنام، والخلافات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، ومع عديد من الدول الإسلامية الكبيرة والثرية، التي أسهمت استثماراتها في انتعاش الاقتصاد التركي متصاعد، كما أن التدخل التركي المباشر في عديد من الملفات الإقليمية، يواجه حاليا برفض كبير إقليميا وعالميا، كل هذا أدى إلى هروب المستثمرين ورؤوس الأموال الأجنبية، وبنهاية العام الماضي فقدت الليرة التركية نحو 36 % من قيمتها مقابل الدولار. اضف اليه تنامي السياسات الاقتصادية الشعبية للرئيس رجب طيب أردوغان، أضرت بالاقتصاد التركي في الأمد الطويل، وهذا تحديدا ما أضعف القرارات الإيجابية التي اتخذها محافظ البنك المركزي المعزول مراد تشتين قايا، بزيادة أسعار الفائدة خلال الأشهر الستة أو السبعة الماضية، إذ كانت تلك القرارات صائبة تماما للسيطرة على التضخم، لكنها لم تنعكس على الوضع الاقتصادي ككل، لأنه تم محاربتها وعرقلتها بسياسات مالية خاطئة من قبل وزير المالية صهر أردوغان، ومن قبل الرئيس ذاته، ومن ثم على تركيا أن تعيد تقييم سياستها النقدية، وأن يتسم الأداء الاقتصادي بمزيد من الشفافية لكن عديدا من الخبراء الاستثماريين يشككون في حدوث التغييرات المطلوبة، بتحقيق الشفافية الاقتصادية والاستقلالية للبنك المركزي، فأردوغان يدافع عن معدلات الفائدة المنخفضة، لأنها تشجع المواطنين على مزيد من الاستهلاك، فتكسبه الشعبية السياسة التي يسعى إليها، في وقت الذي بلغ فيه معدل التضخم 19% ويعتقد الخبراء أن تواصل ارتفاع هذا المعدل خاصة أنه يترافق مع معدل بطالة يقترب من 13 %، سيؤدي وفقا لتقديرات مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني بتراجع الاقتصاد التركي بنسبة 2 % هذا العام. ويتوقع كثير من الخبراء أن تشهد الليرة التركية تراجع حادا خلال الفترة المقبلة في ظل الخلاف الراهن بين واشنطن وأنقرة بشأن صفقة الصواريخ الروسية إس - 400، حيث إن جهود البنك المركزي لدعم الليرة التركية من خلال الاحتياطيات المالية لم تفلح، واعتبرت الليرة العملة الأسوأ أداء في الأسواق الناشئة، كما نفى صندوق النقد الدولي أي مباحثات مع تركيا لتقديم المساعدة في ظل مواصلتها لسياستها الاقتصادية الشعبوية الراهنة لكن القلق تجاه المستقبل لا يقف حصرا على رجال الأعمال والمستثمرين الدوليين والمحللين
ويقول الخبير الاستثماري توماس هاردي: "اعتمد كثير من الأتراك على رفع مستوى معيشتهم عبر الدفع بالبطاقات الائتمانية، ولكن مع تراجع الوضع الاقتصادي وملامح الكساد التي تهيمن على المشهد الاقتصادي العام، والانهيارات المتتالية في سعر الليرة التركية، دفع ذلك كله المواطنين إلى التخلي عن العملة المحلية، والتحول إلى الدولار، وهذا ما يفسر ارتفاع ودائع صناديق النقد الأجنبي إلى مستوى قياسي بلغ 182 مليار دولار في شهر مايو الماضي، وتلك القفزة تعد دليلا واقعيا وملموسا على فقدان المواطنين والمستثمرين الثقة في الاتجاه العام الراهن للاقتصاد التركي وانه خلال سنوات الطفرة توقف البنك المركزي التركي عن العمل بالآليات الخاصة بضوابط حركة رأس المال، وهذا سمح إلى حد كبير بتدفق ملحوظ لرؤوس الأموال الأجنبية في مجال العقارات والبناء، ولم تتدفق رؤوس الأموال كثيرا إلى المجالات الصناعية أو الصناعات الاستخراجية، وهذا يعني أننا أمام مشهد اقتصادي براق ولكن غير متوازن في حقيقية الأمر، وأقرب إلى الفقاعة منه إلى بناء أسس اقتصادية حقيقية، و نتيجة هذا الوضع تزايد اقتراض الشركات التركية من الخارج، وبلغ إجمالي قروضها 200 مليار دولار، وهي تواجه صعوبات في السداد، مع الأخذ في الاعتبار أن سعر الفائدة على الدولار منخفض، وإذا ما ارتفع سعر الفائدة على الدولار الأمريكي، فإن عديدا من الشركات التركية ستتعرض للإفلاس وقد دفع الوضع الاقتصادي الحرج لتركيا بمحافظ البنك المركزي السابق دورموس يلماز إلى التصريح بالقول: "المؤسسات التركية مشلولة الآن، ونحن بحاجة إلى إعادة بناء نظامنا من خلال إدخال نظام قائم على القواعد بما يتماشى مع القانون العالمي، وفصل السلطات، والتحقيق والتوازنات، وإلا فإن النظام الحالي سينتهي ذاتيا ويشير عدد كبير من الخبراء الاقتصاديين إلى أن المشكلة الاقتصادية التركية قد تزداد تعقيدا، لأنها لا تعود إلى سبب واحد يمكن التصدي له، فهناك مجموعة من الأسباب تسهم بدرجات مختلفة في تعميق المشكلة، إلا أن أزمة الديون ربما تكون في مقدمة العوامل التي تعزز المأزق الاقتصادي الراهن ويقول الباحث في الاقتصاد الكلي جورج ميلتون: "لقد حان موعد دفع الفاتورة بالنسبة لأردوغان ونظامه الاقتصادي، فخلال السنوات التي قضاها على رأس هرم السلطة حقق تحسنا اقتصاديا أسهم في رفع مستوى الاستهلاك، ولكنه كان كالرياضي الذي يحطم الأرقام القياسية ليس بفضل قدراته الجسدية الحقيقية، وإنما بفضل تعاطيه العقاقير والمنشطات بعضها مشروع وكثير منها غير مشروع ومضر للصحة في الأمد الطويل، وهذا ما حدث الآن، فالتوسع الاقتصادي كان عن طريق اللجوء للديون سواء بالنسبة للدولة التركية أو الشركات أو حتى المواطنين، فالديون التركية تبلغ حاليا 328 مليارا بالعملات الأجنبية، أسهمت في تعزيز قطاع العقارات والبناء وتشييد البنية التحتية، لكنها لم تحدث تغيرا جذريا في القطاعات الحيوية الأخرى التي باتت محاصرة نتيجة التضخم، فعلى المزارعين دفع أسعار أعلى للأسمدة المستوردة وللجرارات، ومن ثم أسعار أعلى للخضراوات والفاكهة، ما يزيد الضغط الاقتصادي على الطبقة المتوسطة وللعاملين في أجهزة الدولة أما المصانع فإنها تدفع أسعارا مرتفعة للمكونات المستوردة مثل الإلكترونيات وقطع الغيار، والمشكلة الحقيقية التي تواجه أردوغان وأنصاره، أن الشركات التركية الكبيرة التي وقفت معه لسنوات تشهد ميزانيتها تدهورا مع هبوط سعر الليرة، وهذا يضع شكوكا حول إمكانية مواصلتها دعم الرئيس وحزبه بالنظر إلى إجمالي الناتج الاقتصادي التركي الذي بلغ 766 مليار دولار العام الماضي، فإن معدل الديون التركية هائل للغاية، وعوامل القوة التي تمتع بها الاقتصاد التركي باتت تنقلب عليه الآن، فعدد السكان البالغ 80 مليون والطبقة المتوسطة المتنامية، والفئات الشابة التي أسهمت في تنشيط العملية الإنتاجية، اعتمدت لفترة طويلة على السلع المستوردة والنقد المقترض بالعملات الأجنبية، ولكن مع النمو المتواضع للاقتصاد التركي، حيث نما الاقتصاد بنسبة 1.3 % خلال الربع الأول من هذا العام مقارنة بالربع الأخير من عام 2018 فإن الطبقة المتوسطة تظهر تعبيرات احتجاجية ضد الرئيس ومواقفه وتزداد المشكلة تعقيدا أن معدل النمو المنخفض الذي تحقق في الربع الأول من هذا العام، لم يتحقق إلا نتيجة الإنفاق العام الذي قدمه أردوغان وحكومته لتعزيز حظوظهم في الانتخابات البلدية، وعلى الرغم من ذلك خسر أردوغان إسطنبول، وعددا آخر من كبريات المدن التركية، وهو ما يكشف أن الأزمة الاقتصادية باتت تضغط بشدة على الطبقة المتوسطة، وبات مؤكدا أنها ستعيد تفكيرها بشأن صلاحية الرئيس وسياسته لقيادة تركيا المستقبل .
|
||||||||||