أبحاث
كتب فاطيمة طيبى 28 يوليو 2019 4:04 م - التعليقات دول طرقت ابواب صندوق النقد الدولي من اجل الاصلاحات الاقتصادية اعداد ـ فاطيمة طيبي مجموعة من االاصلاحات الاقتصادية الداخلية تجبر الكثير من الدول العربية وغيرها من ان تلجا الى سياسة الاقتراض هذه السياسة معناها التعامل مع صندوق النقد الدولي واللجوء اليه لتخطي الازمة لكن السؤال هل صندوق النقد الدولي هو الحل أم المُشكلة .. ؟ ـ صندوق النقد وآليات اعماله: يهدف الصندوق إلى تشجيع التعاون الدولي في الميدان النقدي بواسطة هيئة دائمة تعد وتهيئ سبل التشاور فيما يتعلق بالمشكلات النقدية الدولية، والعمل على التوسع والنمو المتوازن للتجارة الدولية ومن ثم الإسهام في تحقيق مستويات مرتفعة من العمالة والدخل الحقيقي و تنمية الموارد الإنتاجية لجميع البلدان الأعضاء، بالإضافة إلى العمل على تحقيق استقرار أسعار الصرف، وتجنب التخفيض التنافسي لقيم العملات وإجراء تصحيح منظم لاختلالات موازين المدفوعات كما يعمل الصندوق أيضًا على القيام بالمساعدة على إقامة نظام مدفوعات متعدد الأطراف فيما يتعلق بالمعاملات الجارية بين الدول الأعضاء وإلغاء القيود المفروضة على عمليات الصرف التي تعرقل نمو التجارة الدولية. ولتحقيق هذه الأهداف يقوم الصندوق بمراقبة التطورات والسياسات الاقتصادية والمالية في البلدان الأعضاء وتقديم المشورة بشأن تلك السياسات كما يقوم بإقراض البلدان الأعضاء التي تمر بمشكلات في موازين مدفوعاتها سواء لإمدادها بالتمويل المؤقت أو لدعم سياسات الإصلاح الرامية إلى حل مشكلاتها الأساسية والهيكلية، بالإضافة لتقديم المساعدة الفنية والتدريب في مجال خبرة الصندوق إلى حكومات البلدان الأعضاء ويقوم بإدارة الأزمات عبر برامج تعتمد على مؤشرات لمحاولة التنبؤ بالمخاطر المحتملة، وفرض سياسات على الدّول الأعضاء لتصحيح الاختلالات والمساعدة في علاجها.. ومن أبرز هذه البرامج نذكر برنامج التثبيت الاقتصادي والذي يقوم على ثلاثة محاور أساسية.: ـ المحور الأوّل : يركّز على تخفيف العجز في ميزان المدفوعات من خلال تخفيض قيمة العملة وإلغاء الرقابة على الصرف الأجنبي أو تقليصها إلى أدنى مستوى ممكن وتحرير عملية الاستيراد من القيود المفروضة عليها وتحسين شروط الاقتراض الخارجي ـ المحور الثاني : يهدف لمكافحة التضخم من خلال رفع سعر الفائدة الدائنة والمدينة وزيادة الضرائب وتقليل الإنفاق العام لتخفيض العجز الحاصل في الموازنة العامة ـ المحور الثالث : ويتعلّق بتشجيع الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي من خلال منح مزايا ضريبية لرأس المال الأجنبي وضمان عدم تأميم أو مصادرة الاستثمار الأجنبي وحرية تحويل الأرباح إلى الخارج وتقليص نمو القطاع العام وتشجيع آليات الخصخصة. ـ وفيما يتعلّق بطريقة وآلية الإقراض؛ يوفر صندوق النقد الدولي موارده بطلب من البلدان الأعضاء ويتم ذلك في العادة بمقتضى اتفاق إقراض قد ينص، حسب أداة الإقراض المستخدمة، على سياسات وتدابير اقتصادية محددة يوافق البلد المعني على تنفيذها لحل مشكلة ميزان المدفوعات. ويتولى البلد العضو بالتشاور مع الصندوق تحديدَ برنامج السياسة الاقتصادية الذي يرتكز عليه الاتفاق، ثم يُعرض في معظم الحالات على المجلس التنفيذي ضمن خطاب نوايا، كما تُوضَّح تفاصيله باستفاضة في مذكرة التفاهم الملحقة وبعد موافقة المجلس التنفيذي على الاتفاق، تُصرَف موارد الصندوق المطلوبة وتكون مقسمة في العادة على أقساط مرحلية . ـ التجارب الناجحة للصندوق.. وأسباب النجاح 1ـ التجربة التركية: شهدت تركيا عام 2002 أزمة اقتصادية حادة سبقتها أوضاع مالية سيئة على مدار عدة سنوات كانت أهم مظاهرها انخفاض معدل النمو وزيادة معدلات التضخم وارتفاع عجز الموازنة، بالإضافة إلى تراجع أداء القطاعات الاقتصادية وتراجع الاستثمارات وانخفاض الاحتياطي الأجنبي وارتفاع معدلات البطالة هذا ولجأت الحكومة التركية في ذلك الوقت إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي الذي فرض عليها شروطًا قاسية تضمنت إجراء إصلاحات اقتصادية عديدة كان أهمها تشجيع ودعم أنشطة الأعمال وتحريرها من القيود القانونية وخلق مناخ استثماري أكثر جذبًا وإسراع عملية خصخصة القطاع العام، بالإضافة إلى تخفيض سعر صرف الليرة والتخلي عن نظام سعر الصرف المرن وإجبار الحكومة على تطبيق نظام سعر صرف مرتبط بالدولار ايضا قادت الحكومة التركية مفاوضات ماراثونية أدت إلى تقليل شروط الصندوق وقدّمت بالمقابل برنامج إصلاح اقتصادي متكامل يتماشى مع ظروف تركيا وطبيعتها وقد حققت تركيا نجاحًا كبيرًا بسداد ديونها لصندوق النقد الدولي، سنة 2013، لتكون بذلك من بين 11 دولة في العالم تمكنت من خلاص ديونها للصندوق في الوقت المحدد، منذ عام 2000، لتكون المحصّلة اقتصادًا صاعدًا ونجاحًا في تنفيذ استراتيجية الإصلاح التي تم ضبطها. و التزام رئيس الحكومة الأسبق بولنت أجاويد بالقرض الذي قدمه صندوق النقد الدولي لها سنة 2001، مطالبًا إياها بإجراء إصلاحات اقتصادية وفق رؤيته ورعايته وكان من نتائجها اختلال الأوضاع المالية للبنوك الخاصة والعامة وارتفاع معدلات العجز، وحجم المديونية الخارجية، وانخفاض احتياطي الدولة من العُملات الأجنبية، بالإضافة إلى عدم استطاعة القطاعات الاقتصادية في الدولة تحمل هذه المتغيرات وهو ما نجم عنه تردي الأوضاع، كإغلاق مئات الآلاف من الشركات التجارية، وتقلص حجم الاستثمار إلى أقل من النصف ولتجاوز الأزمة غيرت الحكومة جملة من الافتراضات والمبادئ الأساسية، التي اعتمد عليها صندوق النقد الدولي في وصفته لعلاج الاقتصاد التركي، ومنها ترك العمل بنظام الصرف الثابت والانتقال للأخذ بنظام الصرف المرن، والاعتماد على استثمارات القطاع الخاص الذي اهتمت به الحكومة وعملت على حل الكثير من مشكلاته وقامت الحكومة بزيادة التقشف وخفض النفقات، وجذب رؤوس الأموال الخارجية بشكل مباشر، بالإضافة إلى تأمين الطاقة وضمانها بأسعار اقتصادية على المستوى البعيد، وإصلاح التعليم المهني وحل مشكلة نقص اليد العاملة المُؤهّلة، وتحسين بيئة العمل، وإصلاح الجهاز الإداري للدولة وضمان الشفافية والمراقبة والمحاسبة كما تم التحقيق مع المسؤولين المتورطين في قضايا الفساد. 2 ـ التجربة الماليزية تُعدّ التجربة الماليزية في التنمية من بين أهم تجارب الإقلاع الاقتصادي في العالم، إذ تحولت خلال فترة قصيرة من بلد يعتمد على تصدير المواد الأولية إلى واحدة من أكبر الدول المصدرة للسلع والتقنية الصناعية في منطقة جنوب شرقي آسيا يقول مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا الأسبق، : إن تجربة النهضة في ماليزيا كانت صعبة نظرًا لتعدد الأعراق داخل المجتمع الماليزي، ورغم وجود العديد من الديانات المختلفة بها إلا أن الجميع شارك في التنمية . كما أوضح خلال مؤتمر عقده أثناء زيارته إلى مصر، سنة 2013، أن ماليزيا خصصت الأراضي الزراعية للباحثين عن عمل لاستيعاب العمالة المكدسة وهو ما ساعد في تحقيق دخل عن طريقها، ولكنه لم يكن كافيًا لاستيعاب اليد العاملة، ما دفعهم للبحث عن حلول أخرى من بينها التوجه بقوة نحو تصنيع الشرائح الإلكترونية لما يتميز به هذا المجال من قدرة تشغيلية عالية، عبر إعطاء إعفاءات كاملة من الضرائب لهذه الصناعات. كما أكد أن ماليزيا قدمت إعفاءات ضريبية تصل حتى عشر سنوات، وتم تزويد المناطق المختلفة بالبنية التحتية، والسماح بالاقتراض للمستثمرين الأجانب من البنوك المحلية وأشار قائد النهضة الماليزية إلى أن العامل الرئيسي في نجاح التجربة التي قادها هو الاهتمام بجودة التعليم، لأن ماليزيا عقب انتهاء الاحتلال لم يكن بها سوى جامعة واحدة ولكنها أصرت على إيفاد بعثات للتعلم في الخارج، و الآن يوجد الكثير من الجامعات الخاصة والحكومية. وحذر مهاتير محمد من خطورة اتباع شروط ونصائح صندوق النقد الدولي اذ كان لديهم تجربة معه في بداية نهضتهم إلا أن الصندوق أعطى لهم نصائح مضللة، وهم تفادوها عقب معرفتهم بذلك، وهو ما دفعهم للتعامل مع مشاكل البلاد ذاتيًا دون الرجوع لنصائح صندوق النقد الدولي. 3 ـ التجربة اليونانية: بعد انضمامها لمنطقة اليورو، تحسّن تعاطي مُؤسّسات التمويل الدّولية مع اليونان التي كان يُنظر إليها على كونها دولة هشّة وبدأت هذه المُؤسّسات، ومنها صندوق النقد، في منحها قروضًا بهدف مساعدتها على الخروج من أزمتها الاقتصادية الخانقة، ورغم القروض المُيسّرة ذات مُعدّلات الفائدة المنخفضة التي تحصّلت عليها أثينا، استمرّ ارتفاع حجم الدين الخارجي وهو ما ظهر بشكل بارز في أزمة 2009 ولمواجهة هذه الأزمة، تدخل صندوق النقد الدولي ومؤسّسات أخرى مثل اللجنة الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، وتم إقراض اليونان مبلغًا إجماليًا قيمته 110 مليارات يورو لإنقاذها من الإفلاس شرط اتخاذ مجموعة من الإجراءات التقشفية تتلخص في تحقيق فائض الإيرادات عن النفقات مخصوم منها الفوائد المستحقة على الديون. إلا أن اليونان فشلت في سداد ديونها التي بلغت نسبتها من الناتج الداخلي الخام عتبة الـ 175% في سنة 2015، وشهدت ارتفاعًا لمعدلات البطالة تتجاوز 25% وهو ما سبّب حركات احتجاجية عنيفة قادتها الطبقة المتوسطة والفقيرة للتعبير عن رفض إجراءات الصندوق التي ضاعفت الصّعوبات المعيشية للشعب اليوناني. وشيئًا فشيئًا تطوّرت الأزمة الاقتصادية لتتحوّل إلى مشكلة سياسية واجتماعية ولتُعلن تجربة صندوق النقد مع اليونان انتهاء نظرية التقشف سبيلًا لضمان سداد الديون، باعتراف المسؤولين في هذه المُؤسّسة التي أعلنت في يوليو 2015 أن أثينا عجزت عن سداد دينها للصندوق ولم تتمكن من دفع مليار ونصف مليار يورو كانت مستحقة عليها في ذلك الوقت، لتصبح أول دولة متطورة تراكم مبالغ متأخرة . وبحسب أستاذ الاقتصاد في كلية ليندون جونسون للشؤون العامة بجامعة تكساس، جايمس غالبريت، فإن اليونان كانت ضحيّة تقديرات وسياسات خاطئة لصندوق النقد ويقول غالبريت في مقال له نشر على موقع «بروجيكت سنديكيت» في يونيو 2015، إنّ «الصندوق توقّع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليونان بنحو 5% على مدى فترة 2010-2011، قبل أن يستقر سنة 2012 لينمو بعد ذلك في حين أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي انخفض بنسبة 25% ولم يتعاف وهو ما عمّق من مشكل المديونية الذي ظل في ارتفاع ويشير غالبريت إلى أن إصرار صندوق النقد على فرض تنفيذ اليونان سياسات تقشف حادّة وصلت إلى حدود خفض معاشات التقاعد، أدت إلى نتائج عكسية، ويقول إنه لولا السنوات الخمس من التقشف الكارثي لأصبح حجم اقتصاد اليونان أعلى مما هو عليه الآن بـ33%، وفق تقديره 4 ـ تجربتا غانا و زامبيا في سنة 2002، وبإيعاز من صندوق النقد الدولي؛ أزالت غانا التعريفة الجمركية على وارداتها الغذائية ليتسبب ذلك في إغراق أسواقها بالمنتجات الأوروبية التي أضرّت بالمزارعين المحليين باعتبار أن أسعار المنتوجات المورّدة كانت أقل من ثلث السعر المحلي وبالمقابل لم ينجح الصندوق في فرض تقليل الدعم للمنتجات الزراعية على الدّول الأوروبية التي تصدرها للعالم الخارجي بأسعار منخفضة، فكانت الكارثة حيث أريد الإصلاح والإنقاذ وعلى نحوٍ مُشابه، وفي نفس الفترة؛ فرض الصندوق على زامبيا رفع التعريفة الجمركية على وارداتها من الملابس، الأمر الذي تسبب فى خسائر كبرى لأكثر من نحو 140 شركة محلية للملابس أدت إلى إفلاس أغلبها خاصّة أمام عدم قدرتها ( الشركات)على تصدير إنتاجها إلى السوق الأوروبية أو الأمريكية، بسبب التعريفة الجمركية المرتفعة التي تفرضها هذه الدول على وارداتها من الدول النامية. ـ هل صندوق النقد الدولي نعمة ام نقمة ..؟ ـ يـُظهر تباين النتائج التي حققتها مختلف الدّول التي لجأت إلى صندوق النقد الدولي أن إطلاق الأحكام بإطلاق حول هذا التوجّه الاقتصادي لا يُمكن أن يكون سليمًا ولا دقيقًا، وأن تناول التجارب حالة بحالة ووضعها في سياقها الدّاخلي وظروفها الخاصّة بها كفيل بأن يُنسب هذه الأحكام ـ من بين أبرز الانتقادات التي تُوجّه لصندوق النقد الدّولي هي اعتماده على سياسات جامدة غير مرنة لا تراعي خصوصيات كل دولة على حدة، وهو الأمر الذي أدى إلى فشل هذه السياسات النّظرية على ارض الواقع. ـ أنّ هذه السياسات لا تأخذ بالاعتبار الجوانب الاجتماعية وحالة الشعوب الاقتصادية قبل الانطلاق في تنفيذها وهو ما يخلق حالة من الصّد والرفض الشعبي الذي يُترجم إلى حركات احتجاجية تقوض الاستقرار السياسي والاجتماعي الضروريين لتنفيذ الإصلاحات الكبرى
|
|||||||||||||||