أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
12 أغسطس 2019 3:59 م
-
اقتصاد العالم في 2018 .. حروب تجارية وانهيار في البورصات

اقتصاد العالم في 2018 .. حروب تجارية وانهيار في البورصات

 

اعداد ـ فاطيمة طيبي

 

واجه الاقتصاد العالمي خلال عام 2018 تحديات كبيرة وعلى مدار السنة عاش حروبا تجارية وانهيارا في البورصات وأسواق العملات والأسواق الرقمية، فضلا عن التقلبات الحادة في أسعار النفط.

ومطلع 2018 كان يملؤه التفاؤل بدعم من التحسن الذي شهده النشاط الصناعي والتجاري على مستوى العالم في 2017، لكن بعد النمو السريع تباطأ الإنتاج الصناعي والتجارة وتراجعت ثقة قطاع الأعمال.

ومنذ بدايته، لم تخل سنة 2018 من الزخم الاقتصادي وتأكيدات الخبراء والمؤسسات الدولية على أنه عام فاصل وبداية لمرحلة جديدة للاقتصاد العالمي، إلا أنه بوضع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أصبعه على زناد الحرب التجارية بإعلان رسوم جمركية على الصين، ورد بكين عليها برسوم مماثلة، دفع الأسواق إلى حالة من الضبابية وسط حذر وارتياب المستثمرين.

ويرى الخبراء أن تعزيز الحمائية التجارية وتدفق رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة شكل قلقا كبيرا في أوساط المحللين بشأن تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

وكان للفعل الأمريكي ورد الفعل الصيني، أصداء واسعة في أسواق العملات والمعادن والنفط والتجارة الدولية، فالكل أصبح مترقبا مع تضارب التوقعات وعدم وضوح المسار الذي بات أبرز سمات العام وربما العام المقبل.

وعلى الرغم من أن الحرب التجارية لم تتفاقم مع عقد هدنة بين الاقتصاديين الأكبر في العالم، إلا أنها دقت أجراسا لم يعتد العالم على سماعها، وجعلت المنظومة الاقتصادية العالمية تعيد حساباتها من جديد، لكن إلى أين؟ الجميع لا يعلم، فالأسواق مرتبكة والمؤشرات متضاربة وحالة عدم اليقين بشأن السياسة التجارية تسود.


وذكر صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي عن 2018 أن أحد أسباب فقدان الزخم هو قيام اقتصادات كبرى، ولا سيما الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية، واتخاذ اقتصادات أخرى بما فيها الصين بإجراءات انتقامية. ومع تصاعد نبرة الحمائية في المجال التجاري، ازداد القلق على السياسة التجارية، ما أثر في قرارات الاستثمار وانعكس سلبا على اقتصادات العالم.

ولتفسير هذا الوضع، يقول باركر جيم المحلل المالي في "بورصة لندن"، "ما حدث خلال هذا الأسبوع يوضح أحد الملامح الرئيسة للاقتصاد العالمي هذا العام، فعدم الاستقرار وافتقاد الأسواق القدرة على قراءة المؤشرات المختلفة، يشير إلى حالة من عدم الثبات والحساسية الشديدة للمتغيرات الاقتصادية من قبل البورصات والمستثمرين ".

ويضيف جيم، أن انخفاض البورصات أو ارتفاعها بهذا التفاوت الضخم وخلال فترة زمنية قصيرة للغاية، يؤكد أن الاقتصاد الدولي في حالة من الارتباك الناجم عن عدم وضوح المسار، وتضارب التوقعات، خاصة في ظل الحرب التجارية بين واشنطن وبكين.

فيما يعزو الدكتور سيمون جيري؛ أستاذ الاقتصاد الكلي السابق في جامعة ليدز، فقدان الاقتصاد العالمي للزخم الذي تجلى في بداية العام إلى قيام الاقتصادات الكبرى بتطبيق تعريفات جمركية مرتفعة، استتبعها إجراءات انتقامية. حيث يشير إلى أن" تنامي نبرة الحمائية التجارية، رفع من أسهم عدم اليقين بشأن السياسة التجارية الدولية، وأثر في التوسع الاستثماري، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الاقتصاد الصيني يمر بعملية إصلاح داخلي للتحول من اقتصاد معتمد على التصدير، إلى اقتصاد يعتمد على الاستهلاك الداخلي، مشابها بذلك الاقتصادات الرأسمالية عالية التطور، فإن الحرب التجارية التي شنتها واشنطن، أربكت الاقتصاد الصيني، ومعه عدد كبير من الاقتصادات الناشئة، التي تعتمد على الأسواق الصينية لرفع معدلات النمو بها".

لكن الحرب لم تقف عند حدود التشنجات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إذ كان لها أصداء واسعة في سوق العملات، وبدت الاقتصادات الكبرى في كثير من الأحيان، وكأن قادتها قد وضعوا أصابعهم على الزناد، استعدادا لإطلاق حرب عملات واسعة النطاق، إلا أن هذا لم يحدث بسبب تحذيرات المؤسسات المالية والدولية الكبرى كالبنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية، من أن حربا من هذا القبيل قد تجعل المنظومة الاقتصادية العالمية ككل عرضه للانهيار.

ولم تحل تلك المخاوف والحرب التجارية المستعرة بين الصين والولايات المتحدة، دون توسع الاقتصاد الأمريكي بوتيرة سريعة هذا العام، والسبب  في ذلك يعود إلى الإصلاحات الضريبية التي اتخذتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، إذ أسهمت التخفيضات الضريبية في رفع معدلات الإنفاق، ومن ثم تنشيط الطلب المحلي، ولعب هذا التحسن الدور في خفض معدلات البطالة إلى مستويات لم تشهدها الولايات المتحدة منذ نصف قرن، كما عززت من خطوات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع معدلات الفائدة. وقد أحدثت قرارات الفيدرالي حالة من التوتر مع الرئيس ترمب، من منطلق قناعته بأن رفع الفائدة يعزز من قيمة الدولار، ومن ثم يضعف القدرة التصديرية للولايات المتحدة، إلا أن هذا لم يمنع كل من الرئيس والمسؤولين في الفيدرالي على التأكيد على استقلاليته.

أدرن إكاي الباحث الاقتصادي في جامعة "سانت أندروز"، يرى أن العوامل التي ساعدت على تحقيق الانتعاش في بعض فترات هذا العام، ومن أبرزها موجة الإنفاق الضخمة في الإدارة الأمريكية، والانتعاش المتأخر في منطقة اليورو، اقتربت من نهايتها مع قرب انتهاء العام الجاري.  ويفسر ذلك بقوله  "بشكل عام، الاقتصاد العالمي سيتجه إلى مرحلة من النمو البطيء، فلن يتجاوز النمو العالمي العام المقبل 3.5 %، مقابل توقعات بأن يبلغ هذا العام 3.7 % ، والولايات المتحدة التي قادت الصعود سيتراجع معدل نموها من 2.9 % الى 2.7 %   ". 

هذا  ويضيف إكاي أن "ارتفاع معدل النمو المتحقق في الولايات المتحدة وارتفاع أسعار الفائدة، أسهما في رفع سعر صرف الدولار أمام معظم العملات في هذا العام، ولذلك  سيكون هناك تأثير اقتصادي سلبي خاصة في الاقتصادات الناشئة".

وفي الواقع، فإن ارتفاع سعر صرف الدولار، ترك بصمات سلبية على أداء مجموعة ملحوظة من الاقتصادات الناشئة، إذ رفع من تكلفة الإقراض بالنسبة لها، وأدى إلى تراجع ملحوظ في قيمة عملتها، وربما كانت تركيا والأرجنتين من أبرز الاقتصادات الناشئة التي تعرضت لتلك الضغوط.

ويعد عديد من الخبراء أن الاقتصادات الناشئة وقعت في عام 2018 بين تبادل إطلاق النار بين الولايات المتحدة والصين نتيجة الحرب التجارية من جانب، وارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية من جانب آخر، وأدى ذلك إلى تفاقم مشكلاتها متمثلة في ارتفاع اعباء الديون مقيمة بالدولار، وبروز صعوبات في السيولة المالية وتدفقات رؤوس الأموال، وتزايد العجز في الميزان التجاري.

ويقول   جون هاري الرئيس السابق لقسم العلاقات الدولية في منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، إنه "لا يمكن أن ننكر أن عديدا من الاقتصادات الناشئة واجهت هذا العام أوضاعا صعبة، الاستثناء ربما يحدث في البلدان الغنية بالموارد، أما بلدان مثل تركيا، فإن عملتها لا تزال عرضة لمزيد من الاهتزاز، خاصة إذا واصل الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة، ومن المتوقع أن تشهد تركيا تنامي العجز في الميزانية العامة، وهذا سيحد من تدفق الاستثمارات الدولية لديها". 

وحول أداء الاقتصاد الإيراني، يرى هاري أن " تدهور الوضع الاقتصادي في إيران هذا العام كان شديد الوضوح، وأحد مظاهره تتمثل في تأخر القيادة الإيرانية في الإعلان عن الميزانية العامة، ومن المؤكد أن طهران ستشهد أزمة سيولة وانخفاضا كبيرا للعملة الوطنية العام المقبل".

من جهة اخرى في 2018 أصبح الابتعاد عن الدولار في التعاملات التجارية الدولية واحدا من الموضوعات الأكثر مناقشة بين رؤساء الدول وممثلي قطاع الأعمال في جميع أنحاء العالم، حيث أشاروا إلى أهمية تخفيف اعتماد الاقتصاد العالمي على العملة الأمريكية.

وفي إطار هذه المساعي أطلقت الصين منصة لبيع عقود النفط الآجلة بعملتها الوطنية "اليوان"، كما أظهر الاتحاد الأوروبي نية للابتعاد عن الدولار في تعاملاته التجارية مع إيران، التي فرضت واشنطن عقوبات عليها.

أما في روسيا فقد أكدت القيادة عزمها الابتعاد عن الدولار في ظل سياسية العقوبات التي تتبعها واشنطن، وبالفعل بدأت تنفذ عقود توريد الأسلحة بعملات أخرى. ويرى الخبراء أن "الانتقال في الحسابات التجارية إلى عملات أخرى مثل اليورو مسألة ممكنة من الناحية التقنية، لكن مثل هذا التغيير لا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها، ومثل هذه التحولات ستطال أهم ركائز هيمنة الولايات المتحدة على العالم، لذلك ستبذل واشنطن كل ما في وسعها للدفاع عن التفوق العالمي للدولار".

 

 

 

 

 

     

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 19 ساعةانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات