تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
18 أغسطس 2019 2:20 م
-
هل نتجه صوب ركود اقتصادي لا فرار منه .؟

هل نتجه صوب ركود اقتصادي لا فرار منه .؟

 

إعداد ـ فاطيمة طيبي

هبوط الأسهم الأوروبية إلى أدنى مستوى في ستة أشهر في الرابع عشر من شهر اغسطس الحالي ، وصدور بيانات قاتمة من اقتصادات كبرى، بما في ذلك الصين وألمانيا، ساهمت في تزايد المخاوف من ركود عالمي يلوح في الأفق.


والسبب الرئيسي في ذلك  أسواق الأسهم العالمية التي شهدت  تقلبات حادة منذ بداية شهر أغسطس الحالي اي في النصف الاول منه  تحت تأثير التهديدات الأميركية بفرض رسوم جديدة على الصين، ثم تأجيلها اضف اليها مخاوف النمو والاضطرابات السياسية في إيطاليا وايضا عدم الاستقرار في هونغ كونغ .

وفي الأسبوع الثاني من هذا الشهر، أعلنت المملكة المتحدة أن الناتج المحلي الإجمالي حقق نموا سلبيا خلال الربع الماضي، هذا  كما أعلنت ألمانيا ايضا حصول انكماش في الناتج المحلي الإجمالي مع تحقيق سنداتها لأجل 10 سنوات عائدا سلبيا قياسيا بلغ 0.62 %. بالمقابل أشارت بيانات صناعية من منطقة اليورو إلى أداء ضعيف في يونيو، بينما تباطأ نمو الإنتاج الصناعي في الصين في يوليو إلى أدنى مستوى في أكثر من 17 عاما.

  قلق على وضع الاقتصاد العالمي، يهيمن الآن وبشدة على الأسواق الدولية، وأيا ما كانت الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، فإن أجواء القلق والتشاؤم تتحكم في رؤية وتوقعات عديد من كبريات المؤسسات المالية ومن بينها صندوق النقد الدولي، إضافة إلى الكثير من كبار رجال الأعمال الدوليين الذين ينتابهم شعور متزايد بأن عاصفة الركود تقترب من سواحل الاقتصاد العالمي .

نلاحظ ان العام الماضي كان مميزا بالنسبة  للبورصات ولسوق الأسهم، إذ حققت ارتفاعا قياسيا ، حتى ان حالة التفاؤل امتدت إلى شهريناير الماضي، وتحديدا حتى الـ 26 من الشهر ذاته، عندما تراجعت الأسهم الأمريكية، لتسلك أسهم البورصات الأخرى المسار التنازلي ذاته.و أخيرا بدأت الأصوات تتعالى والمؤشرات تتضح بأن الركود الاقتصادي في طريقه إلينا.

وتقول الدكتورة "تاتشر دارن" أستاذة الاقتصاد الدولي سابقا في جامعة أكسفورد، والخبيرة الاقتصادية في منظمة التجارة الدولية،: " هناك مؤشرات أخرى أكثر فائدة في التنبؤ بالمستقبل من أداء البورصات وأسعار الأسهم، تاريخيا وسوق السندات من بين أفضل المؤشرات لمعرفة مستقبل الأداء الاقتصادي، ويشير الوضع الحالي لسوق السندات إلى أن الركود الاقتصادي الأمريكي ممكن، وإذا أخذنا في الحسبان تباطؤ النمو الاقتصادي في كل من الصين وألمانيا، وعدم تحقيق اليابان معدلات نمو مرتفعة، وتبعات خروج بريطانيا خامس أكبر اقتصاد في العالم من الاتحاد الأوروبي، والحرب التجارية بين بكين وواشنطن، وظهور حرب العملات في مراحلها الأولى. يمكننا القول إذا إنه من الأجدى أن نستعد جميعا لاحتمالات كبيرة للغاية، لموجة من الركود الاقتصادي تعصف بالمنظومة الاقتصادية العالمية".

وفي الواقع، فإن الحديث الراهن عن الركود يرتكز على القلق العالمي مما يحدث في سوق السندات الأمريكية، أكثر من ارتكازه على سوق الأسهم، فوفقا لكثير من المؤشرات فإن الاقتصاد الأمريكي يزدهر، فمعدلات البطالة في أدنى مستوى لها منذ 50 عاما، وأسواق الأسهم، على الرغم مما يعتريها من تقلبات وتذبذب، فإنها تحقق مستويات قياسية مرتفعة، ومؤشرات ثقة المستهلكين مرتفعة، والطلب الاستهلاكي قوي.

ومع هذا، فإن شبح الركود الاقتصادي يحلق بقوة في الأجواء، فسندات الخزانة الأمريكية التي تعد استثمارا آمنا، تحيط بها الشكوك حاليا، وعادة يتوقع المستثمرون عوائد أعلى لربط أموالهم بالسندات طويلة الأجل أكثر مما يتوقعون بالنسبة للسندات قصيرة الأجل، الا ان ما يحدث الآن عكس ذلك.

 يقول "يان بويد"، الباحث الاقتصادي في بنك إنجلترا، أنه "عندما تقدم السندات طويلة الأجل أسعار فائدة أقل من السندات قصيرة الأجل فنحن على أعتاب مشكلة جادة".

كما أنه  للمرة الأولى منذ عام 2007، تنخفض عائدات الأسبوع الماضي على سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام، إلى أقل من عوائد سندات العامين الماضيين، ولهذا يتوقع  ان يكون الاحتياطي الأمريكي 31.5 % مع احتمال حدوث ركود بحلول يوليو عام 2020 .

ومع هذا، لا تزال مجموعة قليلة من الاقتصاديين ترى أن هناك مبالغات عالمية بشأن الركود المتوقع، لكنهم لا يستبعدون تباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، محملين ما يصفونه بالسياسات النقدية العدوانية للبنوك المركزية في العالم، وليس فقط الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة مسؤولية الوضع الاقتصادي التعيس الذي يتجه إليه الاقتصاد العالمي.

يقول "نيل موسلي" الخبير الاستثماري " أن الولايات المتحدة أضافت وظائف لـ  106  شهرعلى التوالي، وأن معدل البطالة حاليا يبلغ 3.7 %، مقتربا من أدنى مستوى مسجل وهو 3.6 % عام 1969، ولا توجد أي علامة على وجود زيادة في طلبات إعانة البطالة. لكن معدل التوظيف يتباطأ، وذلك ملحوظ في الأشهر السبعة الماضية، والزيادة في الأجور تنمو ببطء، ولهذا أتوقع تراجعا في النمو الاقتصادي، ولكن لن يدخل الاقتصاد الأمريكي مرحلة الركود".

على أي حال، فإن التذبذب الراهن في البورصات ليس ما يقلق الخبراء، فأسواق الأوراق المالية ليس لديها سجل حافل في توقع الركود، ومعظم التجارب الاقتصادية مع الركود لا يسبقها هبوط في سوق الأسهم، وحتى عندما تنهار البورصات لا يقع الركود في التو واللحظة، إذ غالبا ما تتدخل البنوك المركزية لتدارك الأزمة .

حتى الآن، فإن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 ارتفع بنحو 26 % منذ تولي الرئيس ترمب، وفي الواقع فإن الركود يتطلب ربعين متتاليين من النمو الاقتصادي السلبي، والولايات المتحدة لا تزال أكبر اقتصاد في العالم وبمفردها تنتج ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وعلى الرغم من تباطؤ الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأخير ليصل إلى 2.1 %، مقابل 3.1 %   في الربع الأول، إلا أن نمو الاقتصاد الأمريكي لا يزال إيجابيا.

ويشير الخبراء إلى أن أي اهتزاز يحدث في الاقتصاد العالمي، لا يجب تحميله للاقتصاد الأمريكي، وإنما يجب النظر للأداء السيئ للاقتصاد الصيني والألماني. 

ويوضح  الدكتور "ماثيو فرد" أنه قد تكون سياسات ترمب أضرت بالصين وحتى الاتحاد الأوروبي، لكنها تصب في صالح الاقتصاد الأمريكي، فالنزاع التجاري مع الصين أدى إلى هبوط الناتج الصناعي الصيني 17 %، وذلك قبل الجولة الأخيرة من التعريفات الأمريكية، فيما تعاني ألمانيا أيضا، فالنمو الاقتصادي في الربع الثاني لم يتجاوز 0.1 %، بينما يزداد الوضع سوداوية في بريطانيا نتيجة قرب موعد الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، وفي الوقت ذاته نجحت الولايات المتحدة نسبيا، وبشكل ملحوظ في التغلب على الأزمات الاقتصادية الدولية، التي ربما يتحمل الرئيس ترمب مسؤوليتها، فصادرات السلع والخدمات تمثل حاليا 12 % من الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي، والإنفاق الاستهلاكي قوي نتيجة انخفاض البطالة".

مع هذا، وعلى الرغم من قناعة عدد ملحوظ من الاقتصاديين والخبراء، بأن معيار اتجاه الاقتصاد الدولي إلى الركود - إن حدث- لن يكون في البورصات، فإنهم يخشون من أن تكون أسواق الأسهم إن أصيبت بانهيار ضخم، بمنزلة الرصاصة التي ستطلق على الاقتصاد الدولي لتصيبه إصابة خطيرة للغاية.

يقول "جوناثان كمب" المحلل المالي في بورصة لندن، إنه "ربما لا يقود أداء البورصات في حد ذاته الاقتصاد الدولي إلى الركود، لكن مشاعر الفزع التي تنتاب المستثمرين تقود إلى تدهور الاقتصاد، وعلى سبيل المثال يتابع رجال الأعمال البورصات الأمريكية، ويركزون على الآثار الباهتة للتخفيضات الضريبية لترمب، والانعكاسات السلبية للحرب التجارية مع الصين، لكنهم لا يوجهون اهتمامهم على توقعات صندوق النقد الدولي في أن تكون الولايات المتحدة الأسرع نموا في اقتصادات مجموعة السبع هذا العام بنسبة 2.6 %".

كما يعتقد جوناثان أن ارتفاع أو انخفاض أسعار الأسهم في البورصات العالمية، لا يجب النظر إليه باعتباره المؤشر الحاسم للمسار الاقتصادي، وإنما الأهم من وجهة نظره وكيف تقرأ الأسواق تلك التقلبات قراءة صحيحة.

ولا تختلف المخاوف نفسها  في الشرق الأوسط حيث تراجعت بورصات الخليج في منتصف اغسطس الحالي ، مع انعكاس منحنى عوائد السندات الأميركية بسبب ارتفاع المخاوف من أن الاقتصاد العالمي يتجه صوب الركود. ايضا تراجع مؤشر البورصة في دبي الى  1.3 % بقيادة أسهم الشركات العقارية، وانخفض سهم إعمار العقارية، 1.9 % التي تعتبر أكبر شركة للتطوير العقاري مدرجة في البورصة، بينما هبط سهم داماك العقارية بنسبة 3.2 %. هذا وفي البورصة المصرية، أغلق مؤشر "إي جي إكس 30" منخفضا 1.7 % منهيا أربعة أيام من المكاسب.


وتسببت الأزمة المالية العالمية التي تفجرت في سبتمبر 2008، واعتبرت الأسوأ من نوعها منذ زمن الكساد الكبير سنة 1929، في انهيار عشرات البنوك في الولايات المتحدة، وامتدت تأثيراتها إلى دول في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط من التي يرتبط اقتصادها مباشرة بالاقتصاد الأميركي.

كما ضربت هذه الأزمة عصب اقتصادات السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين وسلطنة عمان، بعد أن هوت أسعار النفط . كما تسببت الأزمة في انكماش الناتج المحلي الإجمالي في الكويت والإمارات في 2009، وانهارت أسعار العقارات، مما أجبر مجموعة دبي العالمية إحدى الشركات القابضة الرئيسية لحكومة دبي على التعهد بإعادة هيكلة ديون بقيمة 25 مليار دولار.

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 22 ساعةنحو التكافؤ في السلطة.. دورالمرأة على طاولة نقاشات دافوس 202521 يناير 2025 11:30 صالمالية: نسعى لرفع كفاءة إدارة المالية العامة للتوسع في الإنفاق على الصحة والتعليم20 يناير 2025 2:04 موعود ترامب.. خطة حاسمة لإعادة تشكيل المشهد الاقتصادي العالمي19 يناير 2025 4:01 ممنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية تختار مصر لإطلاق النسخة العربية من إرشاداتها للسلوك المسئول للشركات15 يناير 2025 2:37 مشرق أوسط جديد يحمل بصمات لارث ثقيل من إدارة الرئيس جو بايدن14 يناير 2025 3:31 مخالد عبد الغفار يوجه بتأسيس لجنة استشارية عليا للتنمية البشرية12 يناير 2025 12:37 متمكين المرأة اقتصاديا من خلال توفير الخدمات المالية وغير المالية للمشروعات وبرامج التدريب8 يناير 2025 3:06 ممصر: سيناريوهات استيراد الغاز المسال في الربع الأول من 20256 يناير 2025 12:40 معودة أعمال تنمية حقل غاز"ظهر" يناير 2025 مع طرح مناطق للتعدين5 يناير 2025 2:56 مارتفاع أسعار الخامات والأدوات والأجور.. أبرز تحديات صناعة الأثاث

التعليقات