تحليلات
كتب إدارة التحرير 14 فبراير 2020 9:58 م - التعليقات "كورونا " ضربة للاقتصاد العالمي والصيني فهل يؤثر على الاقتصاد المصري في منتصف ديسمبر 2019، شهدت مدينة ووهانالواقعة وسط الصين، تفشي فيروس خطير يُدعى كورونا(بالصينية: 武漢肺炎)، وقد اعاد هذا الفيروس الي ذاكرتنا ما حدث في العام 2003، حينما تفشى فيروسسارس القاتل، والذي أصاب أكثر من 8000 شخص،وقتل 774 شخصاً، وأدى إلى انكماش الناتج المحليللبلاد بنحو 5%، وقد جاء تفشي هذا الفيروس فيالصين، في وقت حرج لثاني أكبر اقتصاد في العالم،والذي لا يزال متأثراً بالحرب التجارية مع أمريكا، ومنذالإعلان عن اكتشاف الفيروس، شهدت أسواق الأسهموالبضائع بالصين تراجعا ملحوظا، كما امتد أثر هذا الفيروس إلى الأسواق الآسيوية والأميركية، على حد سواء، إذ يؤدي انتشار الفيروس الي تقييد حركة السفر والتجارةبين البلدان، ويرفع الإنفاق على العملية الاحترازية للحد منانتشاره، وقد يؤثر انتشار الفيروس على النمو الاقتصاديوالطلب العالمي على النفط، بل قد يمتد أثره إلى معنوياتالمستثمرين، وهو ما قد يدفعهم إلى التوجه نحو الأصولالآمنة على غرار الذهب، والتي ينظر إليها كملاذ آمنللتحوط في أوقات الأزمات.
وقد كان لفيروس كورونا تداعيات جمة على الاقتصاد، ليس الصيني وحسب، بل والاقتصاد العالمي أيضا، إذ يؤكد جوليان إيفانز بريتشارد، كبير الاقتصاديين الصينيينفي كابيتال إيكونوميكس، إن الانتشار السريع للفيروسيعني أنه لم يعد هناك أي شك في تعطيله الاقتصاد خلالهذا الربع، وفي سياق متصل، يقول كبير محللي الأسواقفي أواندا، إدوارد مويا، إن المخاوف باتت تتزايد من تأثيرحظر السفر بشكل كبير على الاقتصاد، في حين أنالبعض قلق من انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الصينيبنسبة 1% أو حتى أكثر خلال الربع الأول من العام2020، وقد أعد البنك الدولي دراسة، أكد فيها أن انتشارالأوبئة والأمراض يكلف الاقتصاد العالمي نحو 570 ملياردولار سنوياً، أو ما يوازي نحو 0.7% من حجم الناتجالمحلي الإجمالي العالمي، ولكن يبقى الأثر الاقتصاديلفيروس كورونا الجديد رهنا بتطورات جهود منع انتشاره،والتي تتخذها مختلف دول العالم بشكل متسارع. تأثيرات انتشار فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي: تراجع في أداء أسواق النفط: تأثرت اسواق النفط كثيرا جراء انتشار هذا الفيروس، فالصين تُعد ثاني أكبر مستهلك للنفط في العالم بعدأميركا، كما أنها أكبر مستورد له، ففي 24 يناير 2020، تكبد خام برنت خسارة أسبوعية هي الأسوأ منذ أكثر منعام، إذ أنهى تعاملات الأسبوع منخفضا بنسبة 6.4%، كما تراجع سعر الخام بأكثر من 2%، وأغلقت العقودالآجلة للخام الأميركي على 54 دولارا، بخسائر أسبوعيةلامست 7.5%، وقد أصدرت شركات النفط العملاقةالأميركية Caterpillar، و Chevron، و ExxonMobil، نتائج ضعيفة نتيجة لتفشي فيروس كورونا في الصين، واعلنت ExxonMobil عن انخفاض أرباحها، إذ أثرتسعير المواد الكيميائية والمنتجات المكررة على النتائج، فيحين أنهت منافستها Chevron الربع الرابع لعام 2019 بخسارة فادحة نجمت عن قيامها بتخفيض قيمة أصولهامن النفط والغاز بمقدار 10.4 مليار دولار. وبالرغم من عدم مناقشة الرؤساء التنفيذيون فيExxonMobil لتفشي فيروس كورونا خلال مكالمة جماعيةلمناقشة الأرباح، إلا أنهم أشاروا إلى ضعف الطلب علىمعظم السلع المرتبطة بالنفط بشكل عام، ووصف الرئيسالتنفيذي للشركة دارين وودز الطلب على كثير من المنتجاتالرئيسية بأنه "قوي"، لكنه قال إن هوامش الربح انخفضتبسبب زيادة العرض، ورغم تلميح وودز إلى أن بعضالاستثمارات قد تتأخر إذا استمر التراجع، إلا أن ExxonMobil سوف تستمر في مشروعاتها، وقد صرح للمحللين قائلا: "نعلم أن الطلب سيستمر في النمو مدفوعاًبارتفاع عدد السكان والنمو الاقتصادي". وفي يناير، تراجعت أسعار النفط بنحو 15 %، نتيجة للارتفاع الملحوظ في عدد الحالات المصابة بالفيروس، ما دفع منظمة الصحة العالمية الي إعلان حالة طوارئ عالمية،كما انخفضت أسعار النحاس والمعادن الصناعية الأخرى، وفي ذات الإطار، قامت السلطات الأميركية، بإعلان حالةالطوارئ الصحية، وحظرت على الرعايا الأجانب الذينسافروا إلى الصين دخول البلاد، وتوقع The Goldman Sachs، ان تشهد اسواق النفط هذا العام انخفاضا فيالطلب العالمي علي الخام بواقع 260 ألف برميل يوميا، مما يؤدي الي تراجع اسعار النفط بنحو دولارين وتسعينسنتا، وذلك قياسا على الخسائر التي شهدها عام 2003،جراء انتشار فيروس Sars. وبالرغم من الآثار الكارثية التي سببها فيروس Sarsفي العام 2003، إلا أن انتشار فيروس كورونا ربما يكون أشد وطأة منه، لأن حركة النقل الصينية اصبحت أعلىبشكل لا يضاهى، حسبما ذكر تقرير لشركة وود ماكينزيللاستشارات (Wood Mackenzie)، وقد توقع التقرير انخفاض الطلب الصيني على النفط بمقدار 250 ألفبرميل يومياً، وفي حال استمر تفشي فيروس كورونا، فان هذا الأمر سيشكل خطراً اقتصادياً كبيراً على الصينوخارجها. انخفاض في ايرادات القطاع السياحي: أدى انتشار فيروس كورونا الي تراجع قطاع السياحةالعالمي، وذلك نتيجة لتراجع الطلب على السفر في أحدأهم مواسم الصين السياحية، وهو رأس السنة الصينية، إذطلبت بكين من وكالات السفر في جميع أنحاء البلاد تعليقمبيعات رحلات المجموعات المحلية والدولية كجزء من محاولةلاحتواء انتشار الفيروس، ما يعني أن قطاع السياحةالعالمي قد يتلقى ضربة قوية جدا، وذلك لأن السياحالصينيين هم الأكبر انفاقا على السلع الفاخرة في العالم،لا سيما في المتاجر المعفاة من الرسوم في المطارات، ففيعام 2018 أنفق السياح الصينيون 130 مليار دولار فيالخارج. تراجع أداء قطاع النقل البحري: تشير بيانات أسعار النقل البحري إلى أن هذا القطاعكان الأكثر تضررا من أزمة فيروس كورونا، وقد انخفضت رسوم استخدام سفن كيب سايز العملاقة، والتي تستخدمعادة في نقل المواد الخام مثل خام الحديد، بنسبة 90 %خلال شهر يناير، وذلك وفقا لبلومبرغ (Bloomberg)، يذكر أن خام الحديد يعدّ أكبر مادة خام يتم نقلها بالسفنعبر العالم، حيث يصل إجمالي حمولات خام الحديد التيتنقلها السفن سنوياً إلى 1.6 مليار طن من مناجم الإنتاجالضخمة في البرازيل وأستراليا إلى مصانع الحديدوالصلب في الصين وأوروبا، ووفقاً لأحد مؤشرات متابعةأرباح شركات النقل البحري، جاءت أزمة فيروس كورونالتضاعف الضغوط على قطاع النقل البحري في العالم، والذي يشهد تراجعا كبيرا في هذه الأيام من كل عام بسبب عطلة عيد رأس السنة القمرية في الصين، وهذا التراجع يبرز مدى تأثير الصين على أسواق السلع فيالعالم، من النفط الخام إلى النحاس، ويرى رالفليسزكزنيسكي، الباحث في مجال النقل البحري بشركةبانشيرو كوستا، أنه في ظل حالة الغموض التي تحيطبفترة بقاء تأثيرات انتشار الفيروس، من المتوقع استمرارالأداء الضعيف للطاقة.
تأثر صناعة السيارات بالفيروس: لم يؤثر فيروس كورونا على اسواق النفط وحسب، بل قد يقلص إنتاج المصانع في أماكن انتشار الأوبئة بمايؤثر سلبا على اقتصادات الدول، وقد اعلنت مجموعة بيجوستروين الفرنسية لصناعة السيارات (Groupe PSA)،في بيان لها، إنها ستُرحل موظفيها الأجانب وعائلاتهم منمدينة ووهان الصينية، موطن تفشى الفيروس. مساعي صينية ودولية لاحتواء أزمة كورونا: وفي ظل تنامي الخسائر الاقتصادية للصين جراء انتشار فيروس كورونا، تسعى الصين لاحتواء الفيروس عبر حزمة إجراءات تزداد شمولية كل ساعة، فبعد توقفالحركة كليا في مدينة ووهان الصينية، مهد الفيروس، واغلاق كافة محطات المترو والقطارات في المدينة، قامت السلطات الصينية، في السادس والعشرون من يناير، بغلقطرق المدينة أمام حركة السيارات، وقبل ذلك بيوم واحد، وصلت الي المدينة فرق مسعفين من مدن شنغهايوجوانجدونج ومن جيش التحرير الشعبي الصيني، وذلك لتقديم العون الطبي للمصابين.
ويرى بعض المحللين، أنه وبالرغم من الجهود التي تبذلها الصين لاحتواء الفيروس، إلا ان الأزمة تستدعي بذل مزيد من الجهد لمواجهة هذا الفيروس القاتل، وقد اعلن مسؤول في إقليم هوبي الصيني، إن وباء فيروس كوروناالجديد في الصين ما زال حادا، ولا تزال الإمدادات الطبيةلمدينة ووهان شحيحة للغاية، وفي هونغ كونغ، أعلنت كاريلام، الرئيسة التنفيذية للجزيرة، فرض حالة الطوارئ بسببالفيروس، واتخاذ مجموعة من الإجراءات للحد منالصلات بين المدينة والبر الرئيسي الصيني، كما تم وقفرحلات الطيران ورحلات القطارات السريعة من وإلى مدينةووهان الصينية، وقالت لام إنه سيتم إلغاء جميع الزياراتالرسمية للبر الرئيسي، وكذلك احتفالات السنة القمريةالجديدة على الفور.
وللحد من خطورة فيروس كورونا على الاقتصاد العالمي، اشارت وكالة بلومبرج للأنباء (Bloomberg) الي ما ذكره بنك الشعب الصيني في بيان مع وزارات أخرىوهيئات رقابة مالية، من سعي البنك المركزي لاستخدامعمليات السوق المفتوحة وآلية الإقراض الدائم وغير ذلك منالأدوات، لضمان أن السيولة النقدية بين البنوك كافية لإبقاءمعدلات أسواق المال مستقرة، وقد أكد بنك الشعبالصيني أنه سيُقرض البنوك 300 مليار يوان (43.4 ملياردولار)، وذلك لمساعدتها في تقديم مزيد من المال لقائمة منالشركات، كما طُلب من البنوك بألا تسحب القروض منالشركات المتضررة من الفيروس، لا سيما من الشركاتالأصغر، كما بدأت اليابان بتطبيق إجراءات جديدةصارمة للحد من تأثير تفشي فيروس كورونا علىالاقتصاد، وذلك بعد اكتشافها 17 حالة إصابة مؤكدةبالفيروس في 26 يناير، بعضها دون ظهور أعراض، وإحدى أحدث الحالات كانت لمرشد سياحي كان يعملعلى حافلة تقل سائحين من الصين، وأصيب سائق الحافلةأيضاً بالفيروس. توقعات الاقتصاد في 2020: دفع فيروس كورونا العديد من المراكز البحثية والمحللين الاقتصاديين الي اعادة النظر في توقعاتهم لنموالاقتصاد العالمي في 2020، وذلك بفعل الانتشار السريعللفيروس، وتتوقع مؤسسة أكسفورد للاقتصاد (Oxford Economics)، ان يتراجع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 0.4 نقطة مئوية ليصل إلى 5.5%، بحلول العام 2020، وذلك نتيجة لتفشي الفيروس، كما تتوقع أيضا تراجع نموالاقتصاد العالمي بنحو 0.2%، ليصل إلى 2.1% في2020، وبدوره توقع بنك جولدمان ساكس (The Goldman Sachs) أن يتراجع نمو الاقتصاد الصيني بنحو 0.4 نقطة مئوية ليصل إلى 5.5%، فيما توقع تراجعنمو الاقتصاد الأميركي بنحو 0.4 نقطة مئوية في الربعالأول من هذا العام، وأشارت (Capital Economics) إلى تراجع الاقتصاد الصيني بفعل إغلاق العديد منالمصانع، اضافة الي تأثر العديد من الأسواق الناشئة،وبالأخص الاسواق الآسيوية، بشكل كبير نتيجة لانتشار هذا الفيروس، كما توقعت خسارة كلا من Hong Kong, وThailand وCambodia نحو 3%، من الناتج المحليالإجمالي لبلادها.
تأثيرات انتشار فيروس كورونا على اقتصاد الدول العربية: في ظل انتشار فيروس كورونا وتزايد عدد ضحاياهوتوقف الإنتاج والتجارة في مناطق صينية كثيرة، لايمكننا حصر الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انتشارالفيروس على مستوى الصين والعالم بشكل دقيق، غيرأنها في الواقع تبلغ عدة مليارات يوميا، خاصة وأن الصينتصدر منتجاتها لكافة دول العالم، ويزيد ناتجها المحليالإجمالي عن 14 تريليون دولار سنويا، ما يشكل 17% من الناتج العالمي، وبالنسبة للعالم العربي، فان انتشار الفيروس سوف يؤدي لا محالة الي خسائر فادحة فيالتجارة والتعاون الاقتصادي بين الصين والعالم العربي،ولن يقتصر ذلك على تراجع حضور المنتج الصيني فيالأسواق العربية، بل الي وقوع خسائر يومية تُقدر بمئاتملايين الدولارات، وذلك لأن الصين اصبحت أهم شريكتجاري لكافة الدول العربية، إذ بلغ حجم التبادل التجاريبين الدول العربية والصين قرابة 240 مليار دولار سنوياخلال العامين الماضيين، مقابل 190 مليار دولار عام2011 و 40 مليار دولار عام 2004. وتصدر الصين إلى الدول العربية كافة البضائعوالسلع والخدمات، كما تصدر الدول العربية الي الصين منتجات النفط والغاز، وقد وصلت الصادرات النفطيةالسعودية إلى السوق الصينية إلى مليون برميل يوميا أوأكثر، وبدوره يصدر العراق إلى هذه السوق نحو 700 ألف برميل يوميا في الوقت الحاضر، ولذا فان أول التبعاتالسلبية الناجمة عن انتشار فيروس كورونا تجلت فيتراجع سعر برميل النفط بمعدل 2 إلى 6 دولارات للبرميل، وهو الأمر الذي يعني تراجع مداخيل الدول العربيةالنفطية، اضافة الي تراجع الطلب على النفط نتيجة توقفالإنتاج في العديد من المناطق الصينية.
وفيما يتعلق بالسوق المصري، فإنها ستتضرر لا محالة من انتشار فيروس كورونا، فنتيجة لتراجع الإنتاجالصناعي الصيني من السلع الاستهلاكية، سوف يقلالمعروض، وهذا بدوره سيؤثر على اسعار السلع وارتفاعتكاليف النقل والتأمين عليها بسبب المخاوف الحقيقيةوالنفسية إزاء التجارة مع الصين والدول القريبة منها، ومنتبعات ذلك ارتفاع تكاليف مستوى المعيشة وتراجع القوةالشرائية لفئات الدخل المحدود والطبقة الوسطى العربيةالتي اعتادت على استهلاك المنتجات الصينية الأنسبسعرا مقارنة بالمنتجات الأوروبية والأمريكية واليابانيةالمشابهة، وذات التكاليف المرتفعة، ولكن هذا التأثر يبقى محدودا مقارنة بغيرها من الدول.
|
|||||||||||||||