أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
1 مارس 2021 5:47 ص
-
أهم ملامح الخريطة الاقتصادية العالمية والخطوات المتوقعة للنهوض السريع بالقطاعات الأكثر تضررا

أهم ملامح الخريطة الاقتصادية العالمية والخطوات المتوقعة للنهوض السريع بالقطاعات الأكثر تضررا

 اعداد ـ فاطيمة طيبي

حتى الآن تواصل الاقتصادات الوطنية والشركات حساب التكاليف والخسائر التي منيت بها نتيجة الوباء، حيث كان لسياسات الإغلاق تأثير شديد السلبية في معظم القطاعات الاقتصادية في جميع الدول التي طبقت تلك السياسات كما لم يصب إعصار الوباء القاتل الجميع بذات الدرجة من الخسائر، حيث تفاوتت درجة الكارثة من دولة إلى أخرى.

وإذا كان تطوير عدد من اللقاحات لمواجهة الفيروس قد أنعش الآمال باستعادة الاقتصاد الدولي عافيته، إلا أن التساؤلات لا تزال تطرح نفسها بشدة حول شكل التعافي المقبل وسرعته.. على هذا النحو تجري معظم دول العالم في الوقت الحالي رسم خريطة تساعد صانع القرار الاقتصادي في فهم أبرز القطاعات الاقتصادية المتضررة وحجم خسائرها وسبل تعويضها وإصلاحها. وتم استطلاع آراء عدد من الخبراء لمعرفة أهم ملامح تلك الخريطة الاقتصادية العالمية، وما الخطوات المتوقع اتخاذها سواء على المستويات الوطنية أو العالمية للنهوض السريع بالاقتصاد الدولي، ووضعه على مسار النمو السريع مرة أخرى.

ـ تراجع قيمة الأسهم:

المحلل الاستراتيجي في بورصة لندن أيه. ك. مورسون يعتقد أن أوضاع البورصات العالمية وقطاع الأسهم بحسبانه عصبا رئيسا في النظام الاقتصادي في الدول المتقدمة، يظل معيارا كاشفا لوضع الاقتصاد العالمي.

و يعلق قائلا : "قطاع الأسهم يشهد تحولات كبيرة منذ تفشي الفيروس، فخلال الأشهر الأولى للأزمة انخفضت قيمة الأسهم بشدة، وهذا يؤثر بقوة في الصناديق التقاعدية وكذلك على القدرات المالية لصغار المستثمرين، ومن ثم تراجع قيمة الأسهم يترجم على أرض الواقع في انخفاض الطلب العالمي على السلع والخدمات".

لكن مورسون يرى أن التعافي في أسواق الأسهم الرئيسة في آسيا والولايات المتحدة منذ تم الإعلان عن اللقاح الأول في  شهر نوفمبر 2020، لا يصل إلى بورصات أخرى ذات طبيعة عالمية مثل بورصة لندن، حيث لم تسترد قوتها بعد، وقد انخفضت خلال العام الماضي بنسبة تتجاوز 14 % بقليل، ويعد ذلك الأداء الأسوأ منذ عام 2008. ويضيف، "بعض أسواق الأسهم خرجت نسبيا من أزمتها منذ بداية شهر يناير 2021 ، لكنها صحوة قد تكون مؤقتة مع تواصل سياسات الإغلاق، أو تأخرت برامج التطعيم، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى تقلبات عنيفة في الأسواق نتيجة فقدان الثقة في قدرة الحكومات على احتواء الوباء بشكل سريع".

كما في ظل ذلك الوضع يعتقد الخبير المصرفي ريك أرثر أنه لن يكون أمام صانع القرار الاقتصادي غير مزيد من الاعتماد على السياسات المالية والبنوك المركزية لإنعاش الاقتصاد العالمي من جديد. مضيفا :"ستواصل البنوك المركزية الحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة خلال الأعوام الثلاثة المقبلة على أقل تقدير، وقد يمتد ذلك الوضع لخمسة أعوام، وبذلك سيكون الاقتراض أسهل على المستوى الدولي لتعزيز النمو الاقتصادي، كما أن هذا الوضع يمثل فرصة ذهبية للدول ذات المديونيات المرتفعة لسداد ما عليها من ديون".

ـ زاوية الخسائر الإجمالية للبورصات:

لكن الدكتورة أميلدا تشارلز أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة كامبريدج ترى أن رسم خريطة الاقتصاد العالمي من زاوية الخسائر الإجمالية للبورصات ومن ثم الاقتصاد العالمي ربما "تمنحنا خريطة غير دقيقة للوضع الاقتصادي". وفي هذا السياق تضيف قائلة، "الخسائر الاقتصادية نتيجة وباء كورونا لم تكن متساوية أو متجانسة بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، ولإصلاح الوضع الاقتصادي في المرحلة المقبلة لا بد من التركيز على زاويتين رئيستين

ـ  الزاوية الأولى: استهداف القطاعات الأكثر تضررا بحزم خاصة من المساعدات للإسراع بإنعاشها.

ـ الزاوية الثانية: متعلقة بالتوظيف والعمالة التي يجب أن تحظى بأهمية بالغة من قبل الحكومات خلال الفترة المقبلة .

ـ أولوية الاهتمام قطاع السفر والسياحة:

 الدكتورة أميلدا تعتبر أن قطاع السفر والسياحة يجب أن يحظى بأهمية استثنائية من قبل صناع القرار الاقتصادي في جميع دول العالم، وأن يمنح حزما ضخمة لإنعاشه باعتباره أكثر القطاعات تضررا من وباء كورونا، ومع الأخذ في الحسبان أن هذا القطاع بمفرده مثل 10 % من الناتج المحلي العالمي قبل أزمة كورونا، وأن نتيجة تضرره فقدان الملايين من العاملين فيه وظائفهم، وإفلاس عديد من الشركات".

وتضيف "كما أن البيانات المتاحة تشير إلى أن معظم فنادق العالم وإن كان جميعها قد تضرر من الجائحة سواء بانخفاض شديد في الحجوزات أو إغلاق تام، وأن اللقاحات وجدت على الرغم من الشعور العام بالارتياح الذي اوجدته، فإنه يظل من المشكوك فيه أن يستعيد هذا القطاع المحوري توازنه المفقود في عام 2021، ومن غير المتوقع أن يعود إلى المستويات الطبيعية التي كان عليها قبل انتشار الوباء حتى عام 2025". وفي الواقع فإن الحديث عن قطاع السفر تحديدا يرتبط في أذهان البعض بجوانب ترفيهية فقط، لكن الحقيقة تكشف أن الوباء لم يضع حدا للقطاع السياحي فحسب، لكن أيضا للسفر لإنهاء الأعمال والصفقات التجارية الدولية.

ـ إنهاء عقد من التوسع في الوظائف:

كما تأثر العمال المهاجرون الذين يسافرون مؤقتا إلى دول أخرى للعمل، حيث يقدر عدد أفراد تلك الفئة العمالية بـ146 مليونا من العمال. ولا يقتصر دور العمال المهاجرين على جلب منافع اقتصادية للدول المضيفة، لكنهم يقدمون تحويلات كبيرة إلى دولهم، وقد تراجعت التحويلات الدولية من 554 مليار دولار عام 2019 إلى 508 مليارات دولار عام 2020 نتيجة سطوة الوباء وانتشاره، وسط توقعات ألا تتجاوز هذا العام حدود 480 مليار دولار.

يتفق الخبير في اقتصادات العمل والاستشاري في منظمة العمل الدولية الباحث جونثان دانيال مع الدكتورة أميلدا في أن قضية البطالة يجب أن تحتل الأولوية في جهود إنقاذ الاقتصاد العالمي. ويؤكد أن تفشي وباء كورونا أدى إلى إنهاء عقد من التوسع في الوظائف، خاصة بعد أن وصلت عديد من القطاعات الاقتصادية إلى طريق مسدود تقريبا، وخطورة ارتفاع معدلات البطالة يكمن إضافة إلى المشكلات الاجتماعية الناجمة عن ذلك، في تراجع الطلب الكلي بشكل حاد نتيجة تقلص الدخول المتاح للإنفاق، ومن ثم الرؤية الاقتصادية في المرحلة الجديدة لا بد أن تبنى على أساس دعم القطاعات الاقتصادية كثيفة العمالة، وليست كثيفة رأس المال مثل القطاع الزراعي والخدمات والصناعات التقليدية.

ويقول "دعم تلك القطاعات سيسمح بتوظيف أعداد أكبر من الأيدي العاملة، ومن ثم زيادة الطلب المحلي، وهذا في حد ذاته سيخفف نسبيا من الضغوط التي ستتعرض لها الحكومات بالقيام بعملية ضخ مالي كبير للنهوض بالاقتصاد ككل، إذ يمكن لزيادة الطلب الكلي أن تسهم في نهوض نسبي جيد لقطاعات اقتصادية دون الحاجة إلى مساندة الحكومة".

ـ مخاطر اعتماد سياسات إنعاش اقتصادي  بعد كورونا:

بينما يحذر الباحث جونثان دانيال من مخاطر اعتماد سياسات إنعاش اقتصادي في مرحلة ما بعد كورونا، على التركيز على الصناعات كثيفة رأس المال مثل الصناعات التكنولوجية، إذ سيؤدي ذلك إلى زيادة الفجوة بين العمالة الماهرة من جانب والمنخفضة ومتوسطة المهارة من جانب آخر.

كما  يعلق قائلا، " قد تخرج الاقتصادات الناشئة من هذا السباق بحسبانها الخاسر الأكبر، فالاقتصادات المتقدمة لديها قدرات أعلى في مجال الاستثمار التكنولوجي، وكذلك في وفرة الأيدي العاملة الماهرة مقارنة بمنافسيها في الاقتصادات الناشئة". في حين، يختصر البروفيسور أندروا كين رئيس قسم الاقتصاد السابق في جامعة ليدز المشهد بالقول "مهما كانت سبل الإنعاش الاقتصادي الذي ستتبناه الحكومات في مرحلة ما بعد كورونا، فإنه يجب إدراك أن الاقتصاد العالمي تغير جذريا".

كما يقول  "علينا الانتظار للتعرف على التفاصيل الدقيقة للتغيرات التي طرأت على الاقتصاد الدولي نتيجة الوباء، مع الأخذ في الحسبان أن هناك تغيرات سياسة عززت أفكارا من قبيل الحمائية الاقتصادية ووضعت العراقيل أمام التجارة الحرة. الآن هناك قيادة جديدة في الولايات المتحدة تعهدت بتبني سياسات جديدة تدعم العولمة مرة أخرى، وتسعى إلى تعزيز التجارة الدولية والتخلص من الحمائية، ولذلك الاقتصاد الدولي لا يزال يتصف بالسيولة، ولن يفلح صانع القرار الاقتصادي في طرح سياسات تفصيلية حتى تتضح لها أشكال سلاسل التوريد الجديدة، واتجاهات الاستثمار العالمي".

ويعتقد البروفيسور أندروا أن الدورات التجارية العالمية ستكون أقل تزامنا، والنمو والتضخم قد يصبحان أكثر تقلبا، كما أن الأمر لن يتعلق فقط بالسياسات الاقتصادية وإنما الأهم مدى اقتناع المؤسسات الاقتصادية وكبار المستثمرين بنجاعة تلك السياسات، وهو ما سيظهر في مؤشرات الثقة الدولية للمستثمرين.

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 14 ساعةانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات