أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
29 مارس 2022 3:59 م
-
أسعار الأسمدة تنذر بمشهد زراعي عالمي جديد النقطة الحساسة في إمدادات الغذاء

أسعار الأسمدة تنذر بمشهد زراعي عالمي جديد النقطة الحساسة في إمدادات الغذاء

اعداد ـ فاطيمة طيبي

مشكلة الأسمدة  التي طفت على السطح خاصة في  الأجزاء الفقيرة من العالم  هي المتضرر الاول  بسبب تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على  نقطة حساسة في الإمدادات الغذائية العالمية ، وحذر  خبراء دوليون في السوق الزراعية . انه من المتوقع أن تصبح الأسمدة شحيحة ومكلفة للغاية بالنسبة إلى المزارعين هذا العام، وفقا لـ"الفرنسية".

وفي الدول الصناعية، ستسهم الأسعار المرتفعة بشدة للأسمدة في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، كما ليس من المستبعد في ألمانيا وأوروبا أن تنخفض المحاصيل هذا العام إذا تم استخدام كمية أقل من الأسمدة.

ـ تضاعف أسعار الأسمدة:

بحسب تحليل أجرته مجموعة "سي آر يو" لذكاء الأعمال في لندن، وهي مؤسسة أبحاث متخصصة في أسواق المواد الخام العالمية، ارتفعت أسعار الأسمدة إلى مستوى قياسي على خلفية الحرب في أوكرانيا وتأثيراتها في تدفقات التجارة الدولية. وقد بدأ الارتفاع السريع في الأسعار قبل فترة طويلة من الحرب. بحسب التحليل، تضاعفت أسعار الأسمدة النيتروجينية بمقدار أربعة أضعاف والفوسفات والبوتاس بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ بداية 2020. ويرجع السبب في ذلك إلى الارتفاع السريع الذي سبقه في أسعار الطاقة.

ويقول سفين هارتمان، رئيس قسم تغذية الزروع في الاتحاد الألماني لاقتصاد الزراعة في فرانكفورت "الغاز الطبيعي ضروري كمصدر للطاقة وكمادة خام في إنتاج الأمونيا، وهي المادة الأساسية لمعظم الأسمدة النيتروجينية". وأضاف هارتمان "لذلك فإن سعر الغاز يشكل نحو 80 إلى 90 %، من تكاليف إنتاج الأسمدة النيتروجينية، وبالتالي فإن الشركات المصنعة الأوروبية على وجه الخصوص تتأثر بشدة بذلك". وعندما يتعلق الأمر بالأسمدة، تلعب روسيا دورا مزدوجا في السوق العالمية، كمورد مهم لكل من الغاز الطبيعي والنيتروجين والفوسفات والبوتاس. والنيتروجين ضروري لنمو الزروع، بينما الفوسفات والبوتاس مهمان لتكوين الجذور والتزهير.

وقالت شروتي كاشياب، محللة سوق النيتروجين في "سي آر يو"، "التجارة عبر البحر الأسود  وهو طريق رئيس لصادرات الأمونيا  مغلقة تماما، وهذا ليس خبرا جيدا للمزارعين. وتقول كاشياب :"النيتروجين مثل طعام الأطفال للنباتات"، وهذه ليست مبالغة، فتطوير الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية قبل الحرب العالمية الأولى مكن من تحقيق زيادة كبيرة في كميات الحصاد.

وفقا للبيانات الصادرة عن المركز الدولي لتطوير الأسمدة، فإن الارتفاع في أسعار الأسمدة قد يؤدي إلى انخفاض الطلب عليها في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء 30 % هذا العام، وسيترجم هذا على أرض الواقع- وفقا لتقديراتهم- إلى خسارة في إنتاج الغذاء تعادل احتياجات 100 مليون شخص.

ويقول الدكتور مارتن لال أستاذ أنظمة الزراعة المستدامة في جامعة ويلز ترينتي  "سوق الأسمدة العالمية بلغ نحو 171 مليار دولار في 2020، وسينمو بمعدل سنوي 2.4 % من 2021 إلى 2027، ويتوقع أن يبلغ سوق الأسمدة العالمية بحلول 2027 نحو 210 مليارات دولار". ويشير الدكتور لال إلى أن الزيادات في الأسعار تنبع جزئيا من تكلفة الضغوط الدولية على أسواق الطاقة العالمية، حيث بلغ متوسط سعر الغاز الطبيعي في أوروبا في الربع الأخير من 2021 عشرة أضعاف ما كان عليه 2020، ويستند الدكتور مارتن لال إلى بيانات البنك الدولي، التي أشارت إلى أن مرافق إنتاج النيتروجين تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي لتحويل المواد الخام الكيمائية إلى منتجات نهائية.

وأكد أنه من أجل ذلك غالبا ما تتدفق الزيادات في أسعار الغاز الطبيعي إلى تكاليف الأسمدة، وقد أدى ذلك إلى تقليص المنتجين الرئيسين مثل الصين وتركيا ومصر وروسيا الصادرات في النصف الثاني من 2021 ، ما أدى إلى زيادة الأسعار العالمية، إلا أن البعض يحمل الأولمبياد الشتوية، التي تستضيفها الصين جزءا من الأزمة الراهنة في صناعة الأسمدة العالمية ويضيف الاستشاري السابق في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو" قائلا: "علقت بعض شركات إنتاج الأسمدة الرئيسة في الصين صادراتها، لضمان الإمدادات في السوق المحلية بعد أن وصلت الأسعار إلى مستويات قياسية، وقد أدى ذلك إلى تفاقم النقص في الإمدادات العالمية، والصين منتج رئيس للأسمدة التي تزود قطاع الزراعة باليوريا والفوسفات، وتوفر مدخلات حيوية لإنتاج الذرة وفول الصويا في أمريكا الشمالية والجنوبية".

ويستدرك "كما أن مصانع اليوريا في الصين تنشغل بحملة بكين لضمان سماء زرقاء لدورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وقد تضمن ذلك إصدار تعليمات بإغلاق المصانع للحد من تلوث الهواء، كما طلب من ثلاثة مصانع في مقاطعة شانشي الشمالية العمل بـ 50 % من طاقتها، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار المحلية للأسمدة، ودفع ذلك بالحكومة إلى وقف الصادرات، ما أثر في الأسعار في السوق العالمية". 


ـ تاثير التوترات الجيوسياسية :

ويعتقد البعض أن التوترات الجيوسياسية على المستوى العالمي تلقي أيضا بظلال وخيمة على وضع صناعة الأسمدة عالميا، فعقوبات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على روسيا البيضاء، التي تنتج نحو 20 %   من الإنتاج العالمي من البوتاس، وهو مكون رئيس للأسمدة المعدنية دفع بشركة يارا إنترناشيونال النرويجية  وهي إحدى أكبر شركات تصنيع الأسمدة في العالم  إلى الإعلان عن خفض إنتاجها بحلول شهرأبريل  2022 .

ويشير بعض الخبراء بأن الأوضاع في سوق الأسمدة العالمية قد تشهد مزيدا من الضغط إذا أخذ الصراع الروسي الأوكراني منحنيات عنيفة، وفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات على روسيا، التي تعد أحد المنتجين البارزين لعديد من المواد التي تستخدم في صناعة الأسمدة.

ولا تنفي فلورا روبرت، مديرة التسويق في شركة سي دي البريطانية للأسمدة، تأثير ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي على تقيد العملية الإنتاجية، لكنها تعد أن اختناقات سلاسل التوريد ونقص إعداد سائقي الشاحنات فاقمت من حدة الوضع،

 فعلى سبيل المثال في المملكة المتحدة أغلقت مصانع الأسمدة لنقص إمدادات ثاني أكسيد الكربون نتيجة الارتباكات الكبيرة في سلاسل التوريد. وتشير   أن المشكلة قد تتفاقم في أوروبا وتحديدا في فرنسا أكبر منتج للقمح في الاتحاد الأوروبي لاحتمال عدم توافر الأسمدة في الربيع المقبل بغض النظر عن الأسعار.

لكن عديدا من اتحادات المزارعين حول العالم ترى أن شركات صناعة الأسمدة تقوم برفع الأسعار بشكل مصطنع، بل وصل الأمر في الولايات المتحدة إلى قيام بعض التنظيمات الزراعية بمطالبة وزارة العدل الأمريكية إلى فتح تحقيق رسمي في التلاعب المحتمل بالسوق من قبل شركات الأسمدة، بدعوى أن الشركات قامت بزيادة الأسعار بعد أن شهدت أن أسعار المحاصيل ارتفعت وأن المزارعين حققوا أرباحا جيدة من وراء ذلك بالطبع رفضت شركات الأسمدة تلك الاتهامات وألقت باللوم على تقليص الصادرات ومشكلات الإنتاج الأخرى. وتزداد الأزمة حدة في الوقت الراهن في الاقتصادات الناشئة إلى الحد الذي دفع بالرئيس البرازيلي إلى التصريح بأن بلاده  أحد أهم منتجي عديد من المحاصيل الزراعية في العالم  تواجه خطر نقص الأسمدة في العام المقبل 2023 ، بما لذلك من انعكاسات سلبية على المشهد الغذائي العالمي

ـ تراجع مبيعات الأسمدة :

كما تراجعت مبيعات الأسمدة لدى مجموعة "باي فا" الألمانية العملاقة للتجارة الزراعية في 2021  بنسبة تزيد على 7 %، حسبما أعلن كلاوس يوزيف لوتس الرئيس التنفيذي للمجموعة أخيرا. ولا يتوقع أحد تراجع أسعار الأسمدة على المدى القصير، حيث قال لوتس "أنا شخصيا أتوقع ارتفاع الأسعار، أو ثباتها على أقصى تقدير".

وأضاف "نسمع أيضا أن مبيعات الأسمدة تتراجع بشكل كبير، وهو أمر لا يثير الدهشة نظرا إلى ارتفاع التكاليف.. اعتمادا على الطقس، يمكن أن يؤدي هذا بالتأكيد إلى انخفاض المحاصيل أو ضعف جودتها".

ـ المشهد الزراعي الجديد:

يدفع ارتفاع أسعار الأسمدة إلى مشهد زراعي جديد في عديد من البلدان المتقدمة والناشئة على حد سواء. ويوضح الدكتور بيتلر إيوان، أستاذ زراعة المحاصيل الزراعية في جامعة جلاسكو، أن أسعار الأسمدة زادت في بعض البلدان بنحو الضعف في 2021، ما أحبط المزارعين حتى في البلدان المتقدمة، حيث القدرة المالية والأنظمة الائتمانية والتمويلية أقوى، مقارنة بالاقتصادات الناشئة والبلدان الفقيرة، خاصة أن الأسمدة تعد عادة من بين أكبر النفقات الزراعية التي يتحملها القطاع الزراعي، ودفع ذلك بعديد من المزارعين إلى تعديل خططهم الزراعية، عبر التحول إلى زراعة محاصيل أقل كثافة في استخدام الأسمدة مثل فول الصويا، بينما سيقوم آخرون بتقليص إجمالي استخدامهم للأسمدة، ما قد يقلل إنتاج الحبوب تحديدا .

مع هذا يرى المهندس ديفيد كابلدي الاستشاري في المركز الدولي لتطوير الأسمدة، أن الأزمة الراهنة في صناعة الأسمدة أزمة مؤقتة، بينما المشكلة الأكبر تكمن من وجهة نظره في حاجة الصناعة إلى إعادة الهيكلة على المستوى الدولي ويقول "قبل بضعة أعوام لم يكن أحد يشكك في دور الأسمدة المعدنية، حيث توفير الغذاء هو الشغل الشاغل للجميع، لكن في الأعوام الأخيرة بات هناك استخدام مفرط للأسمدة، وفي بعض الحالات استخدمت أسمدة ذات معايير أقل من المعايير العالمية، وتراجعت الكفاءة الإنتاجية لدى بعض المنتجين، ولم تطور القدرة الإنتاجية أو وسائل الإنتاج، ما أدى إلى زيادة استخدامهم للغاز الطبيعي، يضاف لذلك الأنظمة الائتمانية الضعيفة في عديد من الاقتصادات الناشئة والقيود الائتمانية واستخدام تقنيات زراعية عفا عليها الزمن، كل هذا يتطلب من صناعة الأسمدة التكاتف لمواجهة تلك التحديات وتطوير استراتيجيات جديدة قادرة على فهم الواقع الزراعي الجديد .

  ـ اختراع الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية:

اخترع اثنان من الكيميائيين الألمان الأسمدة النيتروجينية الاصطناعية، وهما فريتس هابر، الذي طور المادة الاصطناعية في 1908، بينما تمكن كارل بوش، الذي أصبح لاحقا الرئيس التنفيذي لشركة "آي جي فاربن" الألمانية الرائدة في الصناعات الكيماوية، من تطوير الإنتاج الصناعي للمادة على نطاق واسع بعد أعوام قليلة.

وقدر يان فيليم إيريسمان عالم البيئة الهولندي، وعديد من زملائه في ورقة بحثية نشرت 2008 وتم الاستشهاد بها كثيرا، أنه بفضل التطويرات التي قام بها هابر وبوش صار من الممكن الآن أن يطعم الهكتار الواحد من الأراضي الزراعية أكثر من ضعف عدد الأشخاص مقارنة بما كان عليه الوضع قبل الحرب العالمية الأولى. وبحسب البيانات، فإن 48 % من سكان العالم 2008 كانوا يدينون بغذائهم إلى هابربوش.

وشعر منتجو الأسمدة والتجار والمزارعون بعواقب الارتفاع السريع في أسعار الطاقة العام الماضي 2021 . وخفضت كبرى الشركات المصنعة مثل شركة "بوراليس" النمساوية إنتاجها مؤقتا، بحسب متحدث باسم الشركة في فيينا، الذي قال "يمكن دراسة إغلاق مصانع لأسباب اقتصادية".

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 12 ساعةانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات