أبحاث
كتب فاطيمة طيبى 26 أبريل 2023 3:31 م - التعليقات تصنيع الرقائق تلوح بحرب تقنية باردة في الافق بين أمريكا والصين اعداد ـ فاطيمة طيبي لحل مشكلة أزمة الرقائق الإلكترونية ، أعلنت الشركات العاملة في مجال إنتاج الرقائق الإلكترونية بأنها ستستثمر مليارات الدولارات لأجل التوسع في الإنتاج ببناء مصانع جديدة، وأعلنت شركتان فقط من كبرى الشركات العاملة في هذا المجال وهما إنتل وسامسونج عن خططهما لاستثمار لما يصل إلى 150 مليار دولار بحلول نهاية العقد في أوروبا والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لإنتاج مزيد من أشباه الموصلات. ـ تاثير البورصة على شركات انتاج الرقائق: قرارات الاستثمار تلك لم لم يجن ثمارها الايجابية فقط على الشركات المنتجة للرقائق الإلكترونية، بل ساهمت ايضا في ازدهار سوق ماكينات إنتاج الرقائق الإلكترونية، فارتفعت أسعار أسهم الشركات المنتجة لها في بورصات العالم، خاصة بعد أن حققت أرقاما قياسية من المبيعات في 2022، إذ بلغ إجمالي مبيعات آلات تصنيع الرقائق نحو 108 مليارات دولار. 1 ـ شركة "إيه إس إم إل" الهولندية التي تهيمن على السوق العالمية لآلات الطباعة الحجرية المستخدمة في صناعة أشباه الموصلات المتقدمة كانت في مقدمة المستفيدين من زيادة الطلب العالمي على الرقائق والتوسع الاستثماري الدولي في هذا المجال. وكشفت البيانات الخاصة بالشركة الهولندية عن زيادة الطلب على منتجاتها إلى حد أن بلغ صافي الحجوزات في الربع الأخير من 2022 الى 8.5 مليار يورو، وهو رقم قياسي لم تبلغه الشركة من قبل، بل إن الرئيس التنفيذي للشركة بيتر وينينك صرح لوسائل الإعلام في وقت سابق بأن شركته تواجه طلبا قويا على منتجاتها، مدفوعة في ذلك باتجاه عالمي زاد في الطلب على أشباه الموصلات لتلبية احتياجات صناعة السيارات خاصة الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر عالية الأداء. 2 ـ وفي الوقت ذاته، حذر الرئيس التنفيذي من أن صانعي الرقائق الإلكترونية سيواجهون نقصا لمدة عامين في معدات الإنتاج الرئيسة، نتيجة استمرار الخلل في سلاسل التوريد، وإن هذا سيترجم على أرض الواقع بقيام شركة "إيه إس إم إل" بشحن مزيد من الآلات هذا العام، مقارنة بالعام الماضي، وربما يشهد العام 2024 مزيدا من إنتاج ماكينات تصنيع أشباه الموصلات أكثر من 2023 ، ورغم ذلك، فإن المنتج لن يكفي الطلب، حيث يجب على الشركة الهولندية زيادة إنتاجها بنحو 50 % . ـ ارتباط الرقائق بالصراع الدولي : إل.سي. ميرسون، أستاذ التجارة الدولية في جامعة لندن، قال :إن "الاهتمام الدولي بالشركات المنتجة لماكينات تصنيع الرقائق، يرتبط في جزء كبير منه بالصراع الدائر بين الصين والولايات المتحدة في مجال صناعة أشباه الموصلات، فالرؤية التي يتبناها الجانب الأمريكي تغيرت، ولم تعد متوقفة فقط على التضييق أو حتى إغلاق الطريق على الصين في مجال إنتاج أشباه الموصلات، وإنما تعمل على توجيه ضربة لبكين من الجذور، بالحيلولة دون حصولها على آلات التصنيع ذاتها، أو أن تكون قادرة على تطوير أو حتى صيانة ما تمتلكه من تلك المعدات، ايضا على الرغم من النجاحات المالية التي تحققها شركات تصنيع ماكينات إنتاج الشرائح الإلكترونية، إلا أن ارتفاع معدلات التضخم أثر على الأرباح، ودفع الشركات المنتجة لهذا النوع من المعدات إلى خفض توقعاتها لنمو الإيرادات للعام بأكمله 10 % . وتدرس هولندا حاليا ما إذا كان عليها إصدار قرار بعدم السماح لشركاتها بصيانة الآلات الهولندية الصنع التي يتم تصديرها إلى الصين لصنع أشباه موصلات متطورة أم لا، خاصة بعد أن أعلنت رسميا حظر إرسال نماذج جديدة من تلك الآلات إلى الصين. وعلى الرغم من نفي وزارة التجارة الهولندية وجود ضغوط من واشنطن عليها لتقييد استخدام بكين لتلك التكنولوجيا المتقدمة، إلا أن الواقع ينبئ بغير ذلك، خاصة وأن ماكينات تصنيع الشرائح الإلكترونية الأكثر تقدما يمكنها أن تنتج رقائق للأسلحة المتطورة. ـ مشكلة صناعة المعدات المنتجة للرقائق الإلكترونية: هذا ونجد ان مشكلة صناعة المعدات المنتجة للرقائق الإلكترونية لا تقف عند حدود الدور الاستراتيجي الذي تلعبه تلك الصناعة في سوق أشباه الموصلات والذي بدوره يلعب دورا استراتيجيا أيضا في عديد من الصناعات الحديثة الرائدة، بل وفي قطاع إنتاج المعدات العسكرية. وهناك مشكلات أخرى أشارت إليها بروكلين ريفر أستاذة الأنظمة الاستثمارية في جامعة جلاسكو، إذ ذكرت أن "الدورة الاقتصادية المعقدة لتلك الصناعة تزيد من صعوبة التنبؤ بالمسار الذي ستسلكه، فالشركات تتوقع الطلب مقدما لمدة عامين، بينما دورة الرقائق الإلكترونية تراوح بين ثلاثة إلى خمسة أعوام، وفي كل مرة يكون الأمر متسقا إلى حد ما، حيث ينخفض الطلب لبضعة أعوام، ليعود مرة أخرى في اتجاه الارتفاع، لكن من الصعب في كثير من الأحيان تحديد الوقت الدقيق أو عمق أو سرعة الارتداد وزيادة الطلب". وأضافت ريفر، أن المشهد الآن بات أكثر تعقيدا، إذ دخلت فيه مجموعة جديدة من المتغيرات التي يجب أخذها في الحسبان، وهذا سيعقد مشهد العائدات والأرباح المتوقعة، وتراوح تلك المتغيرات من قيود التصدير للصين، والاستثمارات الكبيرة التي يتوقع أن تتم، والإعانات الحكومية الضخمة والحوافز التي تقدمها الولايات المتحدة وأوروبا وتحديدا هولندا لشركات إنتاج ماكينات تصنيع الشرائح الإلكترونية، وتكاليف التكنولوجيا المتزايدة. ـ الرهان لكسب الوقت و الحرب الباردة التقنية : من جانبه، يرى ديكلون باركر، الباحث في الشؤون الاقتصادية الدولية في حديثه أن تلك الجهود المبذولة لتقييد حصول الصين على ماكينات تصنيع الرقائق الإلكترونية ربما تنجح في الأمد القصير، لكن نتائجها على الأمد الطويل سلبية بالنسبة للشركات الغربية واليابانية الكبرى العاملة في هذا المجال. وأضاف "ماذا سيحدث لو انتهى الأمر بالشركات الصينية التي تشتري حاليا أكثر من ربع معدات إنتاج الرقائق الإلكترونية إلى صنع منتجاتها الخاصة حتى ولو كانت في البداية أقل تقنية وتطورا من نظيرتها التي تنتجها اليابان أو البلدان الغربية، وعلينا أن نتذكر تجربة الصين مع قطاع آلات البناء لقد تحسن إنتاجهم لدرجة أنهم يتوسعون في الأسواق الخارجية وينافسون الشركات الألمانية، بالطبع صناعة ماكينات الرقائق أكثر تعقيدا، وربما تحتاج خبرات لا تمتلكها الشركات الصينية العاملة في هذا المجال حاليا، لكن التجربة أثبتت أنهم غالبا ما يتغلبون على تلك التحديات مع مرور الوقت". والمعدات المستخدمة لتصنيع رقائق الكمبيوتر المتطورة على سبيل المثال لا تزال احتكارا عالميا أمريكيا، فنحو 80 % من السوق في بعض عمليات تصنيع وتصميم الرقائق يقع بالكامل في يد الشركات الأمريكية، مع هذا يبدو أن بكين قد بدأت بالفعل في السير في اتجاه فطام نفسها من الاعتماد على الخارج حتى إن كانت خطوات فطام الذات تلك تتم ببطء، إذ منحت الحكومة الصينية حفنة من شركات الرقائق المحلية الأكثر نجاحا مزيدا من الإعانات ومزيدا من إمكانية الوصول إلى الأبحاث المدعومة من الدولة بهدف إنتاج أدوات محلية لإنتاج أشباه الموصلات. وبالفعل أعلنت شركة "واي إم تي سي" أكبر شركة لتصنيع شرائح الذاكرة في الصين، أنها ستطلب أدوات صنع الرقائق الإلكترونية من المصنعين المحليين في مواجهة العقوبات الأمريكية، دون أن يعني ذلك توقفها عن محاولة الحصول على ماكينات متقدمة من الخارج. مع هذا يعتقد الخبراء أن القيود التي فرضتها واشنطن على الشركات الصينية في أكتوبر 2022 ، والتنسيق المشترك بينها وبين هولندا واليابان الذي أعلنه في يناير 2023 والموجه لفرض مزيد من القيود على الصين للحد من قدرتها في الحصول على رقائق الكمبيوتر المتقدمة أو تصنيعها، سيكون لها انعكاسات على الصين تتمثل في انخفاض إجمالي استثماراتها في أدوات صناعة الرقائق من 26 مليار دولار إلى 18 مليار دولار عام 2024، ومن 24 مليار دولار إلى 16 مليار دولار 2025. لكن ما يمكن أن نطلق عليه اسم "الحرب الباردة التقنية" بين الولايات المتحدة وأوروبا واليابان من جانب والصين من جانب آخر، تلك الحرب التي تقع في قلب الصراع الجيوسياسي بين الجانبين لقيادة العالم، قد تشهد مزيدا من الاشتعال، فالصين تهدف الآن إلى أن يكون أي مصنع رقائق جديد أو أي مصنع يعمل في تلك الصناعة ويتم توسعته يجب أن تكون 30 % من أدوات الإنتاج والمعدات المستخدمة من المصنعين المحليين، وذلك في إطار خطة طويلة الأمد لتوطين صناعة ماكينات إنتاج شرائح الذاكرة الإلكترونية. وفي الوقت ذاته، ستواصل واشنطن وحلفاؤها فرض مزيد من القيود على عمليات تصدير أو صيانة الآلات المصنعة لأشباه الموصلات المصدرة للصين. ـ المصنعون يحذرون: تباطؤ الرقائق سيستمر لبعض الوقت: قال سي سي وي، الرئيس التنفيذي لشركة تي إس إم سي التايوانية، للمستثمرين خلال مكالمة الأرباح الفصلية ، "تعديل مخزون أشباه الموصلات في النصف الأول من 2023 سيستغرق وقتا أطول من توقعاتنا السابقة. قد يطول الأمر حتى الربع الثالث من هذا العام قبل إعادة التوازن إلى مستوى أفضل". بعد نمو صافي الإيرادات 43 % العام الماضي، تتوقع شركة تي إس إم سي حاليا انخفاض مبيعاتها في 2023 بين أعالي إلى أواسط الأرقام من خانة واحدة. جاءت هذه التوقعات القاتمة في أعقاب أرقام صادرة عن رابطة صناعة أشباه الموصلات في وقت سابق من هذا الشهر، أظهرت انخفاض مبيعات الصناعة العالمية 20.7 % في فبراير 2023 مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وهو الشهر السادس على التوالي من التراجع. وقال بيتر وينينك، الرئيس التنفيذي لشركة أيه إس إم إل، المورد الهولندي لمعدات صناعة الرقائق المتقدمة، في اتصال مع المستثمرين ،" حالة انكماش نموذجية تشهدها صناعة أشباه الموصلات، وهي في الواقع لم تحدث منذ أعوام طويلة، حيث أصبح العرض يتجاوز الطلب". لكن ما وصفها وينينك هذه المرة بأنها "دورة ركود كلاسيكية لأشباه الموصلات" تتجلى على ساحة أوسع بكثير. وقال بن باجارين، المحلل في كرييتيف ستراتيجيز، شركة استشارية مقرها وادي السيليكون، "لم يحدث قبلا أن كانت هناك صناعات تعد فيها أشباه الموصلات حاسمة بالنسبة لأعمالها مثلما هو الحال الآن". هذا يعني أن تقلبات صناعة الرقائق اليوم أكبر بكثير مما كانت عليه خلال الركود الأخير في 2008 ـ 2009. تضررت صناعة أجهزة الحاسوب بشكل خاص جراء التباطؤ في إنفاق المستهلكين والشركات. قدر باحثو السوق في "آي دي سي" الانخفاض بـ29 % في الربع الأول، مقارنة بـ2022. قال باجارين، "هذا إلى حد كبير أسوأ عام على الإطلاق بالنسبة لأجهزة الحاسوب الشخصية". كذلك شهدت الهواتف الذكية انخفاضا للربع الخامس على التوالي، وقدر باحثون في كناليس انخفاضا بنسبة 12 في المائة على أساس سنوي، ذلك لأن الإنفاق الاستهلاكي مقيد بالتضخم. ومن المتوقع أن تسجل شركة أبل تراجعا بنسبة 5 % في الإيرادات الفصلية، حيث يقترن ضعف الطلب على هواتف آيفون مع انخفاض متوقع بنسبة 25 % في مبيعات الحواسيب من نوع ماك، وفقا للمحللين. ـ معاناة صناعة السيارات: وسط وفرة في المكونات التي تدخل في صناعة الإلكترونيات الشخصية، استمرت صناعة السيارات في المعاناة من النقص في الأشهر الأولى من هذا العام، وهو ما يجعلها نقطة إيجابية نسبيا لصانعي الرقائق. مع ذلك، قال وي، من شركة تي إس إم سي، حتى تلك السوق "تظهر علامات على التراجع في النصف الثاني من 2023". هذه التعليقات، إلى جانب تخفيض أسعار سيارات تسلا، أدت إلى تراجع أسهم شركتي إنفينيون وإس تي مايكروإلكترونيكس نحو 5 %، وهما من بين أكبر شركات أشباه الموصلات التي تزود قطاع السيارات. تشعر بعض شركات الرقائق بالقوة الكاملة لهذا التراجع. عندما تصدر شركة إنتل أحدث أرقامها الفصلية ومن المتوقع أن تسجل تراجعا بنسبة 39 % على أساس سنوي في الإيرادات المعدلة، وهو انخفاض أكثر حدة مما أعلنته في أعقاب الأزمة المالية 2008. يتمثل أحد التحديات التي تواجه صناعة أشباه الموصلات في أنها غير قادرة على زيادة إنتاج رقائقها الأكثر تطورا بالسرعة الكافية للاستفادة من الارتفاع الهائل في الطلب من جانب شركات الذكاء الاصطناعي. أدى ذلك إلى سباق بين شركات التكنولوجيا الكبرى والشركات الناشئة على حد سواء، على المعالجات القوية مثل معالج إتش 100 من شركة إنفيديا.
|
|||||||||||||||