أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
3 ديسمبر 2024 3:07 م
-
مستقبل الصناعة النووية العالمية الى اين؟

مستقبل الصناعة النووية العالمية الى اين؟

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

مشهد مستقبل الصناعة النووية العالمية  تغير تغيرا جذريا خلال السنوات الأخيرة،  والسبب يكمن في تلك  المخاوف المتعلقة بالسلامة والتكاليف ومسألة التخلص من النفايات والتي كانت عبءا حقيقيا على التكنولوجيا التي كانت يوما ما تعتبر مصدرا واعدا للطاقة الرخيصة والمتجددة .

اليوم العالم يشهد عودة قوية للاهتمام بالطاقة النووية، مدفوعة باستثمارات ضخمة من شركات التكنولوجيا العملاقة مثل مايكروسوفت وجوجل وأمازون  التي أعلنت جميعها استثمارات في هذا القطاع، فضلا عن الضغوط المتزايدة على الدول الغنية للحد من انبعاثات الكربون .

ـ مستقبل الطاقة بين مخاوف الماضي وآمال الحاضر :

وصفت الطاقة النووية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي بأنها مستقبل الطاقة؛ إذ توفر كمية هائلة من الكهرباء باستخدام كميات صغيرة من اليورانيوم. الا ان الكوارث النووية مثل تشيرنوبيل (1986) وفوكوشيما (2011) زادت من المخاوف بشأن السلامة بشكل ملحوظ .

مما أدى ذلك إلى تباطؤ نمو الصناعة، خاصة في دول مثل ألمانيا واليابان، حيث تم إغلاق العديد من المفاعلات النووية. مما أدى هذا التحول إلى فقدان 48 جيجاوات من الطاقة النووية  التي ينتجها العالم  وذلك خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. 

ومع ذلك، لم تتوقف بعض الدول، مثل الصين، عن المضي قدما في تطوير هذا القطاع، فمنذ عام 2011، تضاعف عدد المفاعلات النووية في الصين، وهي اليوم تبني مفاعلات اخرى جديدة يبلغ عددها 23 مفاعلا لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الكهرباء.  الا انه وفي الوقت الراهن، يبدو أن الاهتمام بالطاقة النووية آخذ في الازدياد مجددا في مناطق أخرى ومختلفة  من العالم. اذ يعود ذلك جزئيا إلى سعي الدول المتقدمة لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، مع الحرص على تحقيق أهداف خفض الانبعاثات الكربونية المحددة في اتفاقية باريس للمناخ .

ـ طموحات جديدة لمستقبل نظيف ومستدام :

 مع تزايد حرارة الأرض والضغوط الناجمة عن تغير المناخ، تعيد الدول تقييم الطاقة النووية باعتبارها أحد الحلول الرئيسية لتقليل الانبعاثات الكربونية.

ومن هنا شهد مؤتمر الأطراف التاسع والعشرون (كوب 29) التزام الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بمضاعفة إنتاج الطاقة النووية ثلاث مرات بحلول عام 2050، بالإضافة إلى تعاون عالمي لتطوير تكنولوجيا المفاعلات النووية الصغيرة. حيث تتميز هذه المفاعلات بتصميماتها المدمجة وتكاليفها الأقل مقارنة بالمفاعلات التقليدية، مما يجعلها خيارا واعدا.  هذا ما يفسر ان شركات التكنولوجيا العملاقة قد بدأت  في الاستثمار في ه ذا المجال لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، خاصةً مع التوسع في استخدام الذكاء الاصطناعي

ـ التحديات الحالية حجر عثرة في طريق انتشار للطاقة النووية  :

 كما انه وعلى الرغم من التقدم المحرز، لا تزال هناك تحديات تعيق الانتشار الواسع للطاقة النووية، ومنها :

1 ـ  التكاليف المرتفعة للمفاعلات التقليدية . 

2 ـ تأخيرات البناء الكبيرة تمثل عوائق رئيسية فعلية .

 الا انه  وفي الوقت نفسه، تستمر مشكلة التخلص من النفايات المشعة تثير مجالا واسعا من الجدل   . ورغم أن هناك  دولا مثل فنلندا طورت حلولا للتخلص الجيولوجي، إلا أن هذه المسألة لا تزال بعيدة عن الحل في معظم الدول الاخرى في العالم .

ـ السباق نحو الطاقة النظيفة: بين طموحات التكنولوجيا وتحديات الطاقة النووية :

البحث عن مصادر الطاقة النظيفة لا يقتصر فقط على الحكومات فحسب، بل دخلت شركات التكنولوجيا الكبرى بقوة في هذا السباق المحموم، مدفوعة بالتطور المتسارع للذكاء الاصطناعي الذي يعتمد على كميات هائلة من البيانات. حيث تتطلب هذه البيانات مراكز بيانات قوية ومستقرة، ما يفرض حاجة متزايدة إلى طاقة كهربائية موثوقة.

كما تشير ايضا  تقديرات بنك باركليز إلى أن مراكز البيانات تستهلك حاليا حوالي 3.5% من إجمالي استهلاك الكهرباء في الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تتجاوز هذه النسبة 9% بحلول نهاية العقد الجاري.

 ـ اتفاقيات طويلة الأمد بين شركات التكنولوجيا والطاقة النووية :

في خطوة لتعزيز استدامة عملياتها، وقعت شركة مايكروسوفت في سبتمبر من هذا العام 2024  اتفاقية طويلة الأمد تمتد لعشرين عاما مع شركة "كونستليشن إنيرجي".  الهدف من هذه الاتفاقية  ينص إلى إعادة تشغيل محطة الطاقة النووية في جزيرة ثري مايل آيلاند بولاية بنسلفانيا، التي ارتبطت بأسوأ حادث نووي في تاريخ الولايات المتحدة عام 1979. الا انه ومن جانب اخر، تسعى شركة أمازون لشراء الكهرباء من مفاعلات نووية صغيرة مبتكرة، حيث تمنح دعمها على تطوير وبناء هذه المفاعلات التي يروج لها على انها  الحل المثالي  للتحديات التي تواجه الصناعة النووية.

غير ان هذه المفاعلات تعتبر  وبفضل تصميمها المدمج  أقل تكلفة وأسهل في النشر مقارنة بالمفاعلات التقليدية الضخمة، مما يجعلها خيارا مثاليا تنجدذب نحوه الدول الغربية.

ـ استمرارية التحديات الكبيرة للطاقة النووية :

لا تزال مشاريع الطاقة النووية الكبيرة تواجه تعقيدات كبيرة ايضا . فقد تأخرت محطة هينكلي بوينت سي في المملكة المتحدة، التي كان يفترض أن تكون الأولى في سلسلة من المحطات النووية الجديدة لتحديث الأسطول القديم على وجه الخصوص ، لسنوات عن الجدول الزمني، وارتفعت تكاليفها بشكل كبير. كما  تظهر هذه التحديات  في كونها أنها ليست معزولة؛ فقد واجهت محطة فوجتل في الولايات المتحدة مصاعب مماثلة ايضا ، حيث تجاوزت تكاليف البناء أكثر من الضعف وتأخرت سبع سنوات عن الموعد المحدد.

ـ المفاعلات النووية الصغيرةالحل المثالث للازمة الراهنة :

تعد المفاعلات النووية الصغيرة حلا مبتكرا لهذه التحديات. فقد صممت هذه المفاعلات لتكون أصغر حجما، وأكثر مرونة، وأقل تكلفة من المفاعلات التقليدية. حيث يسهل تجميع وحداتها بشكل قياسي، مما يسهل تركيبها في المواقع ذات الحاجة الملحة للطاقة. الا انه ورغم ذلك، فإن هذه التكنولوجيا لم تثبت جدواها تجاريا بعد ولم تحقق الهدف المنوط بها ، ووفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية،  حيث لا يزال حوالي 80 تصميما مختلفا قيد التطوير عالميا .

ـ  رؤى نقاشية مستمرة  حول جدوى الطاقة النووية :

هذا و لا تزال الآراء متباينة بخصوص الطاقة النووية، حيث يعتبرها المؤيدون عنصرا لا غنى عنه لتحقيق أهداف المناخ، مثل رود آدامز الذي يروج لها عبر صندوق "رأس المال النووي". في حين نجد ان المعارضين  لهم راي اخر اذ يعتبرونها مصدرا نظيفاكما يعتبرونة ايضا  أمر مبالغ فيه للغاية ، مشددين على تكاليفها المرتفعة مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة التي يمكن أن تحقق خفضا أكبر في الانبعاثات بتكلفة أقل.

ـ المعضلة المتجددة في كيفية  التخلص من النفايات النووية:

هذا ويبقى التخلص من النفايات النووية تحديا كبيرا. ويتمثل الحل الذي تتبناه العديد من الدول في دفن النفايات داخل حاويات محكمة في أعماق الأرض،   نهج لم تنجح فيه حتى الان بفاعلية  سوى فنلندا  الا ان  هذا الأسلوب كان مبعث قلق  كبير  لخبراء البيئيين الذين يرون فيه مخاطر محتملة على المدى البعيد . 

ـ ضبابية  المستقبل وغموضه :

الشؤال الذي يبقى مطروحا حتى الان ..هل ستنجح الطاقة النووية في تجاوز قيودها التاريخية وتلبية طموحات العالم نحو مستقبل نظيف ومستدام؟ الإجابة هنا  مرهونة بإرادة الحكومات والشركات،  من جهة وابتكار حلول جديدة تحقق التوازن بين الفوائد والمخاطر من جهة اخرى . والسنوات القادمة وحدها كفيلة بالكشف عن الإجابة.

 

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 5 ساعاتانسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ ينذر بتحول زلزالي في السياسة المناخية21 يناير 2025 2:43 مبعد ساعات من تنصيبه.. ترامب يوقع سلسلة من الأوامر التنفيذية والتوجيهات21 يناير 2025 12:37 متعديلات وتحديثات جديدة لتعزيز وتفعيل دور صناديق التقاعد20 يناير 2025 1:05 مدافوس 2025.. التعاون من أجل العصر الذكي" في ظل عالم مجزأ وجمود اقتصادي شامل19 يناير 2025 3:12 ممفاجآت بيتكوين في 2025.. تقلبات وتغيرات العملة المشفرة تقودها لصعود غير متوقع15 يناير 2025 3:57 مفترة حكم جو بايدن على الميزان الداخلي والدولي12 يناير 2025 3:07 متمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة قرار واقعي يعكس رؤية المركزي8 يناير 2025 3:45 مبصمة "إيلون ماسك" في عهد ترامب بين الرفض والقبول الدولي6 يناير 2025 3:33 موزير المالية ولقاءات حوارية حول برنامج الطروحات الحكومية والإعفاءات الضريبية والديون وزيادة الأجور5 يناير 2025 1:15 مالحصاد السنوي حول تطورات الشراكات مع بنوك التنمية والشركاء الثنائيين خلال 2024

التعليقات